
تحذير من كارثة في مكافحة سوء التغذية بعد تعليق المساعدات الأميركية
حذّر عاملون في مجال مكافحة سوء التغذية من "كارثة" سوف تؤدّي إلى "قتل أطفال"، على خلفية وقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المساعدات الخارجية والاقتطاع من ميزانيات التنمية في دول عدّة.
وقالت مديرة شركة "نوتريسيت" الفرنسية أدلين ليسكان: "لم نواجه من قبل كارثة مماثلة، وسجّلنا إلغاء طلبيات كثيرة"، علماً أنّ هذه الشركة تنتج "بلامبي نات"، وهو غذاء علاجيّ جاهز للاستخدام مصمم لمعالجة سوء التغذية الحاد الوخيم.
ويعرف العاملون في المجال الإنساني جيداً غذاء "بلامبي نات" بأكياسه الصغيرة الحمراء والبيضاء، البالغ وزنها 92 غراماً، التي تحتوي على عجينة الحليب المدعّمة والمغذيات الدقيقة التي تؤمّن 500 سعرة حرارية.
وقد أثبتت أكياس "بلامبي نات" المعتمدة منذ عام 1999 فاعليتها في مكافحة سوء التغذية، وسمحت وفقاً لمنظمة "أطباء بلا حدود" بزيادة عدد الأطفال الذين يعالَجون بسبب سوء التغذية من مئة ألف في مطلع الألفية إلى تسعة ملايين طفل اليوم.
وتبيع شركة "نوتريسيت" منتجاتها للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والحكومات، علماً أنّها توفّر 50% من الإنتاج العالمي للأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام.
لكن مع قيام ترامب بتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس إيد)، صار التقدّم المُحرَز في خطر،
إذ تُعَدّ واشنطن المانح الأول لبرنامج الأغذية العالمي مع نسبة 33% من مجموع المنح في عام 2023، ولمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) بنسبة 15%.
كذلك كانت تؤمّن 16% من تمويل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) و14% من تمويل منظمة الصحة العالمية.
وأكدت ليسكان أنّه مع تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية المفاجئ، "تراجعت مبيعاتنا ولم يكن من الممكن تصريف بعض المنتجات المخزّنة" إذ "لم تعد لدى الزبائن أموال كافية لشرائها".
ومن بين وكالات الأمم المتحدة المعنية، منظمة يونيسف المهدَّدة بنفاد هذه الأغذية العلاجية قريباً في غياب أيّ تمويل جديد. وحذّرت من أنّ أكثر من 2.4 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد قد يُحرَمون من الأغذية العلاجية بحلول نهاية عام 2025.
وأوضحت منظمة يونيسف، في بيان، من أنّ نحو 2300 مركز تقدّم رعاية أساسية للأطفال الذين يعانون الهزال الشديد ومضاعفات طبية "تواجه خطر الإغلاق أو تقليص خدماتها بصورة كبيرة"،
بالإضافة إلى نحو 28 ألف مركز علاجي متنقّل مخصّص لمعالجة سوء التغذية.
وينعكس هذا الوضع أيضاً على المنظمات غير الحكومية، كما على الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
وأوضحت مسؤولة الإعلام في منظمة "العمل ضدّ الجوع" (أكسيون كونتر لا فين) غير الحكومية ليا فوليه أنّ "الإمدادات بغذاء بلامبي نات تتولاها بصورة أساسية منظمة يونيسف في مناطق نشاطنا"،
مشيرةً إلى أنّ "الأموال الأميركية كانت تمثّل أكثر من 30% من تمويلنا الإجمالي". وقد تكفّلت شبكة المنظمة خلال عام 2023 بنحو 229 ألف طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.
لكنّ فوليه أضافت: "لم يعد في إمكاننا عملياً لا استقبال ولا التكفّل" بالذين يصلون إلى المراكز الصحية.
من جهتها، اضطرت منظمة "تضامن دولي" (سوليداريتيه إنترناسيونال) غير الحكومية، التي تعوّل على الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 36% من تمويلها لعام 2025، إلى وقف برامجها في موزامبيق واليمن.
وقالت مسؤولة الأمن الغذائي وسبل العيش في المنظمة جولي مايان: "بين ليلة وضحاها، لم يعد في إمكاننا مساعدة أكثر من مئتي ألف شخص".
وإن كان وقف التمويل الأميركي استثنائياً لجهة حدّته، إلا أنّه ليس قراراً معزولاً. فقد سجّلت المساعدات الحكومية للتنمية تراجعاً في السنوات الأخيرة في العالم، لا سيّما في إيطاليا وبلجيكا وهولندا وفرنسا والمملكة المتحدة، في ظلّ وضع اقتصادي صعب وزيادة الإنفاق العسكري.
وأوضحت المسؤولة في منظمة "العمل ضدّ الجوع" أنّ "فرنسا اقتطعت 2.1 مليار يورو (نحو 2.40 مليار دولار أميركي) من مساعداتها في مشروع الميزانية لعام 2025، أي ما يوازي ثلث ميزانية العام الماضي.
وأبدت ليا فوليه مخاوف حيال تخفيضات كبيرة في الدول المجاورة، بلغت 25% على خمس سنوات في بلجيكا و50% في ألمانيا، فيما تخلّت المملكة المتحدة عن تعهّدها بتخصيص 0.7% من دخلها القومي الإجمالي للمساعدة الإنمائية.
وقدّر البنك الدولي حجم التمويل الجديد الضروري من أجل تخفيض سوء التغذية بكلّ أشكاله بـ13 مليار دولار في العام على مدى السنوات العشر المقبلة.
لكنّ قمّة لمكافحة سوء التغذية نُظّمت في أواخر مارس/ آذار في باريس، غابت عنها الولايات المتحدة الأميركية، لم تسمح إلا بجمع 27.55 مليار دولار من الالتزامات المالية لأربع سنوات، بحسب المنظّمين.
(فرانس برس)