
إسرائيل مترعة بـ"هيستريا الحرب" في انتظار وصول ترمب
الرأي الثالث - وكالات
لم يختلف اثنان في إسرائيل على أن حكومة "نتنياهو – سموتريتش - بن غفير" ماضية نحو خطة احتلال غزة، على رغم التحذيرات مما تحمله من أخطار على حياة الأسرى، وصولاً إلى اختفائهم داخل الأنفاق والمخابئ وإدراجهم في عداد المفقودين.
"مركبات جدعون" هو الاسم الذي اختارته الأجهزة الأمنية لهذه العملية، التي أوضح رئيس الحكومة أنها لن تكون كسابقاتها من العمليات العسكرية في غزة، حيث ينتقل الجيش من عمليات الاقتحام والغزو إلى احتلال مناطق والبقاء فيها إلى حين تحقيق هدفي العملية، وهما أبرز أهداف حرب "طوفان الأقصى" منذ أكثر من عام ونصف العام من دون تحقيق: القضاء على "حماس"، وإعادة الأسرى.
بانتظار دونالد ترمب
في موازاة هذا الميدان العسكري الإسرائيلي ثمة تجهيزات واستعدادات عالية بانتظار زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة الأسبوع المقبل، وهي المهلة التي وضعتها إسرائيل أمام "حماس" حتى ترضخ لشروطها في صفقة الأسرى، مهددة باجتياح غزة وبقاء الجيش في كل منطقة يحتلها بذريعة منع عودة مقاتلي "حماس" إليها.
الاجتماعات الأمنية لتقييم الوضع تناولت ملفي غزة واليمن المشتعلين على حد سواء، وسبل التعامل معهما بما يضمن الحسم تجاه "حماس" والحوثيين، في ظل خلافات وصراعات بين متخذي القرارات في المؤسستين السياسية والعسكرية.
وفي حين رهنت الحكومة الهدوء في غزة بموعد زيارة ترمب، فقد أبقت جبهة اليمن مشتعلة، بل وأدخلت الجبهة الداخلية في حال طوارئ واستعداد لاحتمال رد غير مسبوق من قبل الحوثيين على هجوم سلاح الجو الإسرائيلي مساء الإثنين، على اليمن بعد الإصابة المباشرة لمطار "بن غوريون".
وإلى جانب الحصار الجوي الذي تشهده إسرائيل بعد سقوط هذا الصاروخ، فقد أجرت الجبهة الداخلية تدريبات لسكان الشمال والمركز على سيناريوهات التعرض لصواريخ وكيفية التصرف في حال سقوطها، ووصلت تدريباتها في المؤسسات التعليمية إلى حد سيناريو تصعيد الوضع بإغلاقها وفرض حال طوارئ حرب.
جاءت هذه الخطوات في ظل تقارير تتحدث عن خطر إطلاق صواريخ متقدمة ومتطورة من اليمن قادرة على الوصول، ليس فقط إلى مركز إسرائيل والقدس، وإنما أيضاً إلى الشمال مع احتمال عدم القدرة على التصدي لها.
وما بين غزة واليمن تشهد الحدود الشمالية تجاه سوريا ولبنان إعادة انتشار للجيش، وبعد جلسة تقييم أمنية، وفي ظل استمرار الدعوة إلى تمرد الاحتياط ورفض الخدمة العسكرية، قرر الجيش نقل الوحدات النظامية من لبنان وسوريا إلى غزة لينتشر الاحتياط مكانها على طول الحدود الشمالية، وكذلك داخل لبنان في الموقع الخمسة التي ما زالت إسرائيل تحتلها، وفي سوريا حيث ينتشر الجيش في مناطق واسعة وتحديداً في جنوب البلاد.
أسرى هزيمة "حماس"
التقديرات الإسرائيلية تدور حول أن الفترة المقبلة لن تشهد تقدماً في صفقة الأسرى، وأن "عربات جدعون" ستنطلق بعد انتهاء زيارة ترمب، وهذا ما أوضحه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، خلال مشاركته في مؤتمر صحيفة "بشيفع"، وبحسبه فإن احتلال غزة بات أقرب من أي وقت مضى، "هذه المرة إذا دخل الجيش إلى غزة فلن يخرج منها إطلاقاً، ولا حتى مقابل صفقة أسرى، بل سينفذ خطة احتلالها بما يضمن في نهاية الأمر أمن إسرائيل".
وبحسب سموتريتش فإن القناعة الإسرائيلية اليوم هي عدم وجود طريقة لتحرير الأسرى الإسرائيليين إلا بهزيمة "حماس"، مضيفاً "سنحتل غزة كي نبقى، والقوات التي ستدخل لن تخرج، فهذه المرة نخوض المعركة من أجل أن ننتصر، وحان الوقت للتوقف عن الخوف من كلمة احتلال".
الخطة العسكرية، ووفق ما قدمه مسؤول أمني من إحاطة إعلامية للصحافيين "ستمنح للقوات المشاركة في الاجتياح البري مظلة دفاعية من الجو والبحر، وستستخدم خلال ذلك آليات ثقيلة من أجل تحييد ألغام وهدم مبان تهدد الجيش".
وخلال العملية سيُهجر السكان الغزيون من المناطق التي سيحتلها الجيش نحو "محور موراغ"، وقال المسؤول الأمني إنه "خلافاً للطريقة التي أدار بها الجيش قتاله في غزة إبان الفترة السابقة، فإنه سيحتلها هذه المرة لمنع عودة مقاتلي ’حماس‘، على أن تُطهر كل منطقة وتُسوى بالأرض وتُحول إلى عسكرية يمنع الدخول إليها".
يموتون جوعاً وعطشاً
"مركبات جدعون" عمقت الخلافات والنقاشات الإسرائيلية، وزادت التصدع والانقسام بعدما بات واضحاً موقف الحكومة بتفضيل هدف القضاء على "حماس" واحتلال غزة على هدف إعادة الأسرى بما يشكله ذلك من خطر على حياتهم.
المحلل العسكري يوآف ليمور، الذي يتخذ موقفاً داعماً لصفقة أسرى واحدة ووقف الحرب في غزة فوراً، اعتبر ما وضعه الـ"كابينت" من فترة زمنية أمام "حماس" حتى زيارة ترمب لإعادة الأسرى مجرد تلاعب بالوقت والتصريحات، لأنه "حتى لو وافقت (حماس) سيبقى مخطوفون في غزة، والـ(كابينت) لا يوضح كيف ينوي إعادتهم. وقوله إن الحملة ستستمر حتى تحرير كل المخطوفين هو كلمات فارغة، لأن من الواضح أن القوة العسكرية لا تحرر مخطوفين بل تعرضهم للخطر".
بحسب ليمور، فإنه "ليس واضحاً كيف يمكن العمل بحرية في القطاع حين يكون فيه مخطوفون، وليس واضحاً أيضاً أي قوة بشرية ستنفذ هذه المهمة بينما الجيش النظامي منهك وفي جيش الاحتياط تظهر صدوع خطرة. الـ(كابينت) لا يجيب عن ذلك، وفي واقع الأمر يترك للجيش الإسرائيلي التصدي للمشكلة وحده. هذه المهمة معقدة أكثر من الماضي، لأنها موضع خلاف جماهيري بالتأكيد عندما يكون معناها الفوري هو التخلي عن المخطوفين واحتلال القطاع بهدف البقاء فيه".
إزاء هذا التخوف من خطورة العملية العسكرية على الأسرى، كشف تقرير أمني عرض على الـ"كابينت" الإسرائيلي عن قلق كبير في جهاز الأمن على مصير الأسرى الأحياء نابع من قيام "حماس" بإخفاء أسرى إسرائيليين في آبار ومخابئ قد تؤدي إلى موتهم، ومن ثم سيكون من الصعب على الجيش الإسرائيلي والـ"شاباك" العثور على الجثث.
بحسب التقرير هناك احتمال أن يفر المقاتلون الفلسطينيون الذين يحتجزون الأسرى الإسرائيليين من مناطق سيجتاحها الجيش الإسرائيلي، وأن يتركوا الأسرى في الأنفاق من دون ماء وطعام مما سيؤدي إلى موتهم خلال أيام معدودة.
كما يحذر التقرير من أن اتساع العمليات العسكرية والاجتياح سيؤديان إلى تراجع احتمال وصول المساعدات إلى الأماكن التي يحتجز فيها هؤلاء الأسرى.
اليمن يضاعف الخلافات
إذا كان اتساع الحرب على غزة عمق الشرخ الداخلي والانقسامات حتى بين المؤسستين السياسية والعسكرية، فإن الهجوم على اليمن، على رغم تحذيرات جهات سياسية وأمنية عدة من تداعياته على مختلف الجهات، خصوصاً في ذروة الاستعداد لعملية غزة، عمق الخلافات حتى داخل الحكومة نفسها، لمعارضة وزراء مثل هذا الهجوم.
وزير السياحة حاييم كاتس وصف الهجوم على اليمن بـ"العبثي"، وحمل رئيس حكومته نتنياهو مسؤولية تداعياته، واعتبر قراراته غير سليمة ومبالغاً بها، أيضاً تجاه إيران.
وكشف كاتس أنه دخل في نقاش عاصف مع نتنياهو، واعتبر الهجوم على اليمن "تبذيراً للمال والسلاح من دون فائدة على إسرائيل".
من جهة أخرى دعا وزير السياحة نتنياهو إلى وقف تهديداته تجاه إيران، فـ"ما دامت لم تهزم فإن ما يقوم به نتنياهو مجرد ضجيج لا طائل منه، علينا أن نترك للأميركيين التعامل مع الحوثيين، فهذه ليست مسؤوليتنا".
كذلك انضم الوزير مئير بوروش إلى موقف كاتس، متسائلاً هو الآخر "لماذا ننفق المال؟ إسحاق شامير لم يتدخل في العراق، إذا كانت الولايات المتحدة تعالج الوضع فما حاجتنا إلى التورط؟".
يأتي هذا في وقت بدأت إسرائيل تعاني حصاراً جوياً في أعقاب تصعيد الوضع الأمني تجاه اليمن، وبينما كانت عشرات شركات طيران تنوي العودة بعد 24 ساعة من سقوط الصاروخ في مطار "بن غوريون"، مددت صبيحة الثلاثاء إلغاء رحلاتها إلى إسرائيل من دون أن تحدد وقتاً للعودة، بينها طائرات أميركية.
ونقل عن القنصل الإسرائيلي في نيويورك أوفير أكونس أنه احتج على قرار شركات أميركية إلغاء رحلاتها الجوية إلى إسرائيل، معتبراً أن القرار يعكس نوعاً من الخضوع للإرهاب، بحسب تعبيره.
من جهته قال المحلل العسكري نداف إيال، إن الحقيقة التي يجب أن تقال حول تزامن خطة توسيع القتال على غزة وتصعيد جبهة اليمن، هي أن "الحرب مشتعلة في كل المنطقة، ولا توجد نجاحات تامة، ولا حتى في الدفاع الجوي الإسرائيلي بمساعدة إدارة ترمب"، وأضاف أن "موجة إلغاء الرحلات الجوية الأجنبية تؤكد أنه ليس لإسرائيل مصلحة في حرب لا تنتهي، وأن هذا التهديد بأن الحرب ستستمر وتستمر يهدد أساساً الإسرائيليين، الاقتصاد والمجتمع هنا".
وأشار نداف إلى أنه ما بين غزة واليمن يمكن حل مشكلة الحوثيين بثلاث وسائل: الأولى احتلال قوة تعتبر خصماً للحوثيين في أراضي اليمن، وهذا ليس على جدول الأعمال حالياً، والثانية إنهاء الحرب في قطاع غزة، وهو ما يجب اتخاذه فوراً وعدم المغامرة، والثالثة، التي يجربها الأميركيون الآن، هي نزع قدرات من النظام الحوثي بهجمات متكررة، وهذا يستغرق وقتاً.
أمال شحادة