تعليق جزئي لصادرات الأسلحة: بريطانيا «تعاقب» إسرائيل على استحياء
الرأي الثالث - الأخبار
في تحرّك رمزي، قرّرت المملكة المتحدة تعليق العمل بعدد محدود من تراخيص تصدير السلاح إلى إسرائيل، وذلك بعدما وجدت مراجعة أجرتها الحكومة البريطانية أن ثمّة احتمالات لحدوث انتهاكات للقانون الإنساني الدولي من قِبل الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أمام مجلس العموم، أول من أمس، إن الحكومة أوقفت للتوّ العمل بـ 30 ترخيصاً مُنحت لأغراض تصدير مواد ومعدات عسكرية إلى الكيان،
مؤكداً أنه على رغم تأييده الذي «لا يتزعزع» لـ»حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وكونه شخصياً «صديقاً وفيّاً لإسرائيل طوال حياته»، فقد خلص، و»بمطلق الأسف»، إلى أن ثمة خطراً واضحاً من احتمال استخدام بعض المواد المصدَّرة في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب «انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي».
وأشار لامي إلى أن المراجعة التي أجرتها الحكومة لا يمكن أن «تجزم في ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت القانون الإنساني الدولي أو لا» في غزة، «لكن الوزراء عليهم واجب قانوني لمراجعة تراخيص التصدير»، ولا سيما أن «الإجراءات الإسرائيلية في غزة تؤدي إلى خسائر فادحة في أرواح المدنيين، ودمار واسع النطاق للبنية التحتية المدنية، ومعاناة هائلة».
وليس سرّاً أن قرار لامي سعى إلى امتصاص الغضب المتنامي داخل وزارته وعبر أجهزة الخدمة المدنية المعنية بتصدير معدات القتل إلى كيان الاحتلال، في ظلّ عجز سلطات المملكة عن اتخاذ موقف صريح من الجرائم الإسرائيلية، وهو ما أدى أخيراً إلى استقالة الديبلوماسي الرفيع، مارك سميث، من منصبه احتجاجاً.
وقال الوزير الذي تولّى منصبه بعد انتخابات الرابع من تموز الماضي، وزار تل أبيب مرتين مذّاك، إنه «تعذّر التوصّل إلى نتائج قاطعة في شأن الحالات التي نَظرت فيها الحكومة البريطانية حول مزاعم متعلقة بسلوك الجيش الإسرائيلي في خضم حملته العسكرية على قطاع غزة، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم توفّر معلومات كافية، سواء من الجانب الإسرائيلي أو من مصادر موثوقة أخرى،
ومع هذا، فإن حكومة جلالة الملك، ترى أن إسرائيل يمكنها أن تفعل المزيد في ما يتعلّق بمعاملة السجناء الفلسطينيين ولضمان وصول الإمدادات الغذائية والطبية المنقذة للحياة إلى المدنيين في ضوء الوضع الإنساني المروّع الذي يعيشه قطاع غزة».
وأوضح لامي أن القرار «ليس حظراً شاملاً، ولا منعاً لتصدير السلاح إلى إسرائيل».
والواقع أن القرار لن يؤثّر على القدرات القتالية للجيش الإسرائيلي، إذ يشمل 30 ترخيصاً فقط - تشكّل أقلّ من 10% من مجموع الصادرات، ووضعت تحت المراجعة مؤقتاً ولم تلغَ - من مجموع 350 ترخيصاً، فيما لا تمثل الصادرات البريطانية بمجموعها أكثر من 1% من معدّل ما تستورده تل أبيب من عتاد عسكري سنوياً.
كما لا يمنع القرار المصدّرين البريطانيين من تقديم طلبات تراخيص جديدة يمكن النظر فيها حالة بحالة، وضمن الإجراءات الاعتيادية المتبعة في هذا الخصوص.
ويعتمد الجيش الإسرائيلي في تسليحه على الولايات المتحدة بشكل رئيسيّ، فيما تأتي ألمانيا في المركز الثاني.
ومع ذلك، فإن هذه الخطوة من جهة حليف غربي وثيق الصلة بإسرائيل مثل بريطانيا، يمكن أن تفتح الباب أمام دول غربية أخرى مثل إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا لفرض عقوبات سيادية على الكيان.
ولا يشمل قرار وقف التراخيص قطع الغيار لطائرات «إف - 35» الأميركية الصنع - بدعوى أن تلك القطع تصدّر ضمن ترتيب جماعي منتظم إلى عدد من الدول، وتستفيد منه إسرائيل.
وبرّر ناطق باسم الحكومة ذلك الاستثناء بأن «أيّ مساس بآلية تصدير مكونات إف - 35، سيكون له تأثير كبير على أسطول المقاتلات العالمي وتداعيات خطيرة على السلام والأمن الدوليَّين».
وتعليقاً على القرار الذي وصفه، صباح أمس، بأنه «مشين»، قال رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو: «بدلاً من الوقوف مع إسرائيل، وهي ديموقراطية تدافع عن نفسها ضدّ الهمجية، فإن قرار بريطانيا المضلّل لن يؤدي إلا إلى تشجيع حماس».
من جهته، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في بيان أشبه بالبكائية، إنه «أصيب بخيبة أمل عميقة عندما علم بالعقوبات التي فرضتها الحكومة البريطانية على تراخيص التصدير إلى مؤسسة الدفاع الإسرائيلية»،
مشيراً إلى تزامن قرار لندن مع حرب قاسية يخوضها الكيان على سبع جبهات مختلفة «بسبب هجوم شنّته منظمة إرهابية متوحشة من دون استفزاز»، وفي وقت «نحزن فيه على ستة رهائن أعدمتهم حماس بدم بارد داخل الأنفاق في غزة ونقاتل لإعادة 101 آخرين إلى حضن (الوطن)».
كما وصف وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، القرار بأنه «يبعث برسالة إشكالية للغاية إلى حماس وداعمتها إيران».
وفيما سارع وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، إلى مراضاة تل أبيب، عبر تأكيده التزام بلاده الحاسم بأمن إسرائيل وتقليله من تأثير تعليق العمل ببعض رخص تصدير السلاح على قدرة الكيان على الدفاع عن نفسه، فإن المنظمات الدولية التي تراقب الأوضاع في غزة اعتبرت القرار غير كاف.
وقال الرئيس التنفيذي لـ»منظمة العفو الدولية» في المملكة المتحدة، ساشا ديشموخ: «في حين يبدو هذا القرار وكأن المملكة المتحدة قد قبلت أخيراً بالأدلة الواضحة والمقلقة للغاية على ارتكاب جرائم حرب إسرائيلية في غزة، إلا أنه للأسف محدود للغاية، ومليء بالثغرات».
ونبّه إلى أن «إعفاء برنامج تصدير قطع الطائرات المقاتلة إف - 35 من قرار تعليق العمل ببعض التراخيص، مع المعرفة بأن تلك المقاتلات تُستخدم على نطاق واسع في قصف غزة، يمثّل شيكاً على بياض للاستمرار (في الإبادة)، وهو قرار سيئ بشكل كارثي لمستقبل الحدّ من الأسلحة، ويفتقر إلى أيّ التزام محدّد بمحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب الواسعة النطاق وغيرها من الانتهاكات بحقّ الفلسطينيين».
كما نبّهت منظمة «أوكسفام» إلى أن تعليق 30 ترخيصاً فقط، وترك ثغرات حاسمة في ما يتعلّق بتصدير مكونات طائرات «إف - 35» التي تلقي قنابل تزن 2000 رطل على الفلسطينيين منذ أشهر، «ليس كافياً بأيّ حال من الأحوال».
وفي مجلس العموم نفسه، انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لقرار الحكومة؛ إذ قالت ليلى موران، الناطقة باسم الشؤون الخارجية لـ»حزب الديموقراطيين الليبراليين» (ثالث أكبر كتلة في البرلمان): «يرحّب الديموقراطيون الليبراليون بهذا الإعلان باعتباره خطوة إلى الأمام من الحكومة.
لقد كان ينبغي اتخاذ هذا الإجراء منذ فترة طويلة من قِبَل حكومة المحافظين السابقة التي فشلت في تولّي أيّ دور قيادي في هذه المسألة».
ومع ذلك، قال الحزب إنه سيدقّق في تراخيص التصدير التي لم تعلّقها الحكومة، «إذ يبدو أن القرار اتخذ فقط بسبب خطر الاستخدام في قطاع غزة، ولم ينظر إلى الوضع في الضفة الغربية».
من جهتها، اعتبرت النائبة عن «حزب الخضر»، إيلي تشاونز، أن قرار تعليق التراخيص «خطوة مرحب بها ومهمّة، لكنه يترك أسئلة حيوية من دون إجابة، إذ لا يوجد مبرّر على الإطلاق لمواصلة ترخيص تصدير قطع الغيار للطائرات المقاتلة»، حاثّةً وزير الخارجية على النظر مرّة أخرى في الأمر، وتعليق هذه التراخيص أيضاً.
على المقلب الآخر، تعرّض أندرو ميتشل، وزير خارجية الظل من «حزب المحافظين» (ثاني أكبر كتلة في البرلمان)، للتقريع من زملائه في الحزب بسبب عدم تعليقه على قرار لامي خلال الجلسة، ما دفعه إلى استدراك الأمور لاحقاً عبر موقع «إكس»، حيث كتب: «الإعلان عن حظر على الأسلحة في اليوم الذي تدفن فيه إسرائيل رهائنها المقتولين،
وفي غضون أسابيع من مشاركة الأسلحة والعسكريين البريطانيين في الدفاع عن إسرائيل من الهجوم الإيراني، أمر لا يسهل هضمه.
إن قرار حزب العمل يبدو كأنه شيء مصمَّم لإرضاء المقاعد الخلفية للحزب، وفي الوقت نفسه تجنّب الإساءة إلى إسرائيل، حليفتنا في الشرق الأوسط.
وأخشى أنه سيفشل في تحقيق أيّ من هاتين الغايتين».
وفي الوقت نفسه، وصف المرشح لقيادة «حزب المحافظين»، روبرت جينريك، القرار بأنه «لفتة سياسية مخزية لاسترضاء اليسار المتشدّد».
وكان سامي ويلسون، النائب عن «الحزب الديموقراطي الوحدوي» اليميني الذي يمثّل الأقلّية الموالية لبريطانيا في إقليم إيرلندا الشمالية، قد قال بدوره إن «هذا قرار سيئ. إنه قرار سنعيش حتى نندم عليه، وهو قرار أعتقد وللأسف أنه كان نتيجة الضغوط التي تعرّض لها نواب حزب العمل بسبب الاحتجاجات المؤيدة لغزة»،
مضيفاً أن «الأشخاص الوحيدين الذين سيرحّبون بهذا القرار اليوم هم إرهابيو (حماس) الذين قتلوا ستة من الرهائن خلال عطلة نهاية الأسبوع».
سعيد محمد