ما مستقبل الوجود الأمريكي في سوريا بعد سقوط الأسد؟
بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا، يوم 8 ديسمبر الماضي، اتجهت الأنظار نحو الحضور العسكري الأجنبي في الأراضي السورية، وفي المقدمة الوجود الأمريكي.
فالولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بقرابة 900 جندي في سوريا، ينتشرون في عدد من القواعد والنقاط والمواقع في شمالي وشرقي البلاد، بذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية.
واليوم، وبعد مضي عدة أسابيع على سقوط الأسد، يثار العديد من الأسئلة والتكهنات حول مصير تلك القوات وطبيعة أهداف وجودها، خصوصاً أن السلطات الجديدة في دمشق تبدي مرونة واستعداداً كاملاً للقيام بمهمة الحرب ضد "داعش".
تحركات جديدة
ويوم (الخميس 2 يناير)، تحركت قوات أمريكية باتجاه مدينة كوباني الواقعة في ريف حلب الشمالي، بعد انسحابها منها أواخر 2019، وتضاربت الأنباء حول طبيعة هذا التحرك، حيث أفادت مصادر عديدة بأنها شرعت في بناء قاعدة عسكرية في المدينة.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن القوات الأمريكية أرسلت قافلة جديدة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال وشرق سوريا، تضم نحو 50 شاحنة محملة بكتل خرسانية.
كما أشار المرصد إلى "دخول شاحنتين للقوات الأمريكية محملتين بكتل أسمنتية وآليات حفر دخلت إلى مدينة كوباني، للبدء بإنشاء نقطة عسكرية أمريكية وسط المدينة"، في الوقت الذي توجه فيه رتل آخر للقوات الأمريكية مكوّن من 15 شاحنة من بلدة صرين شمالي الرقة إلى داخل كوباني.
وجاءت الخطوة الأمريكية في ظل تصعيد متزايد بين الجيش الوطني السوري، وقوات سوريا الديمقراطية، وأيضاً في ظل تهديدات مستمرة من تركيا بشن عملية عسكرية ضد الفصائل الكردية المرتبطة بالتنظيمات التي تصنفها أنقرة "إرهابية".
الوجود الأمريكي
وفي شمالي وشرقي سوريا قرابة 900 جندي أمريكي منذ العام 2015، ضمن جهود الحرب ضد تنظيم "داعش".
وفي 2018 بدأت واشنطن سحب معظم قواتها من سوريا وأبقت على قوات طوارئ تبلغ قرابة 400 جندي، وازداد العدد لاحقاً حتى وصل في صيف عام 2024، وفق بيانات معهد بحوث "الكونغرس"، إلى 900 جندي بتمويل مقداره 156 مليون دولار.
وتُبرر الحكومة الأمريكية وجود قواتها في سوريا بعدة أسباب، أبرزها الحيلولة دون استعادة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قدراته في سوريا، ومكافحة تنظيم القاعدة، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وتحقيق التوازن في مواجهة إيران وروسيا سابقاً.
وبحسب المصادر، فإن الجيش الأمريكي يملك قرابة 17 قاعدة، و15 نقطة عسكرية، وفق دراسة صادرة عن مركز "جسور" للدراسات (يوليو 2024)، تتمركز في الحسكة ودير الزور والرقة، وحمس وحلب وريف دمشق.
ومن تلك القواعد الأمريكية "قاعدة كوباني أو ما يُعرف بـ (عين العرب) بريف حلب، وقاعدة تل أبيض، على الحدود بين سوريا وتركيا، وقاعدة رميلان شرقي القامشلي، وقاعدة تل بيدر شمالي محافظة الحسكة، وقاعدة الشدادي قرب مدينة الشدادي النفطية، وقاعدة عين عيسى شمالي سوريا".
وتركز التصريحات الأمريكية في هذه المرحلة على تنظيم "داعش" والتحذير من عودته، أو استغلاله للظروف الراهنة لإعادة الانتشار والنشاط، ويبدو أن واشنطن تراقب أيضاً السلطة الجديدة في دمشق وما يمكن أن تقوم به ضد "داعش".
ويوم 8 ديسمبر، حينما كان الثوار يحتفلون في دمشق، كانت مقاتلات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تقصف مواقع وأهداف مفترضة لتنظيم "داعش".
وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية قصف 75 هدفاً للتنظيم في وسط سوريا، باستخدام العديد من أنواع سلاح الجو، بما في ذلك طائرات "بي-52 وإف-15 وإيه-10".
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية باتريك رايدر حينها: إن "واشنطن تراقب الوضع المتطور في سوريا"، مؤكداً أن "مهمة القوات الأمريكية لم تتغير، وتركز على هزيمة داعش".
في حين قال الجنرال مايكل إريك كوريلا قائد هذه القيادة المركزية الأمريكية، يوم 8 ديسمبر: "يجب ألا يكون هناك شك، لن نسمح لتنظيم داعش بإعادة تشكيل نفسه والاستفادة من الوضع الحالي في سوريا، يجب على جميع الجماعات في سوريا أن تعلم أننا سنحاسبها إذا شاركت معه أو دعمته بأي شكل من الأشكال".
مستقبل الوجود الأمريكي
وبالنظر إلى تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب فور سقوط الأسد، التي قال فيها إن "سوريا ليست صديقة"، وإن على الولايات المتحدة ألا تتدخل فيما يحدث هناك، فإن ثمة من يرى أن الولايات المتحدة قد تتجه لسحب قواتها.
وفي هذا الصدد قال الخبير العسكري إسماعيل أيوب، إنه من المتوقع بعد وصول ترامب إلى السلطة أن يتم سحب القوات الأمريكية من سوريا إلى العراق، ودفع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى التوحد مع الحكومة الجديدة في دمشق.
وحول الأنباء حول بناء الجيش الأمريكي قاعدة جديدة في عين العرب، قلل أيوب من هذا الاحتمال، مشيراً إلى أن "القوات الأمريكية تمتلك مهبطاً كبيراً للطائرات في عين العرب، وليست بحاجة إلى قاعدة جديدة".
كما أشار إلى أنه "في حال أعطت واشنطن الضوء الأخضر، أو نصحت قسد بالاندماج مع الحكومة الجديدة، فإن القوات الأمريكية ستكون أمام خيارين؛ إما أن تنسحب، أو تبقى بموجب تفاهمات مع الحكومة الجديدة وتركيا، بحجة محاربة داعش وغيرها".
وأضاف أيوب أن "لدى الجيش الأمريكي قاعدتي إنجرليك في تركيا، وعين الأسد في العراق، وهما قريبتان من المنطقة، وعليه فلا حاجة لواشنطن لبناء مزيد من القواعد".
واستطرد قائلاً: "أعتقد أن الرئيس الأمريكي الجديد مع إنهاء الحروب، وإخراج القوات الأمريكية، وخاصة من شمال سوريا، وهذا مشروط بدمج قوات (قسد) مع الجيش السوري والحكومة الجديدة".
كما لفت العقيد إسماعيل أيوب إلى أن الولايات المتحدة قد تدفع "قسد" للاندماج مع الحكومة السورية الجديدة، لافتاً إلى أنه في حال حدث هذا فإن علاقة الأمريكان مع الحكومة الجديدة وليس مع "قسد" أو من خلال بناء قواعد عسكرية.
وأضاف: "من أجل علاقة جيدة وشفافة بين الولايات المتحدة وتركيا، يجب أن تدعم أمريكا دمج الفصائل الكردية في الجيش السوري، لأن بقاء (قسد) في شمال شرقي سوريا تعتبره تركيا وجوداً غير شرعي، وإرهابياً، ويهدد الأمن القومي التركي".
كما استطرد قائلاً: "وعليه يمكن أن يكون ذلك الوجود الكردي المسلّح جزءاً من عدم الاستقرار في سوريا، ويمكن أن تقوم تركيا بعمل عسكري ضد هذه الوحدات، وبشكل عام سيبقى الأمن مهدداً في تلك المنطقة، وحتى سلامة المدنيين أيضاً".
وأوضح أنه في حال تعاطت الولايات المتحدة بعقلانية فإنها ستنصح (قسد) بالتوحد مع دمشق في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أنه في حال حصل ذلك، فإن العلاقات بين تركيا وسوريا ستكون علاقة قوية جداً ومتينة للغاية.
إبراهيم شاكر - الخليج أونلاين