
صغار اليمن... قربان يومي لنيران الكبار
لا يزال أطفال اليمن يقدمون أجسادهم الغضة قرابين يومية على مذبح الحرب ومخلفاتها، التي تهديهم الموت بلا ذنب سوى أنهم ظنوا أن أجسامها الغريبة ستؤنسهم في وحشة قراهم المنسية، غير مدركين عواقب الموت والفجيعة التي تملأ أحشاءها.
وفي حادثة مؤلمة أمس السبت قتل خمسة أطفال في محافظة تعز (جنوب غرب)، جراء انفجار مقذوف من مخلفات الحرب في منطقة العرسوم بمديرية التعزية شمال محافظة تعز أمام منزلهم في حي حبيل النور، عندما عثروا على قذيفة مدفعية لم تنفجر إلا حين حملتها كفوف هؤلاء الصغار.
وأفاد المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام فارس الحميري، وهو جهة غير حكومية تعنى بتوثيق ضحايا الألغام والذخائر غير المنفجرة، إن الأطفال الخمسة الذين قضوا في الحادثة تراوح أعمارهم ما بين 12 و14 سنة نتيجة انفجار مقذوف حربي من مخلفات الحرب، التي دارت بين الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران والقوات الحكومية.
ويؤكد الحميري لـ "اندبندنت عربية" أن الحادثة ليست الأولى من نوعها إذ "سجلنا عدة حوادث مشابهة سقط خلالها أطفال ضحايا إثر عثورهم على أجسام غريبة والعبث بها، معظم هذه الحوادث وقعت في محافظات تعز والحديدة (غرب) والجوف (شمال)".
خرائط الموت
ويصف الحميري واقع الحال داخل مناطق الصراع، ويقول إن "الحرب توقفت في الجبهات لكن حرب الألغام والعبوات والأجسام الحربية مستمرة في حصد أرواح المدنيين بصورة شبه يومية ولذلك نجدد دعوتنا للحوثيين بتسليم خرائط الألغام التي زرعوها في المناطق التي مروا منها،
كما هي دعوة لجميع الأطراف للعمل بصورة جدية في إزالة المقذوفات والأجسام الحربية من مخلفات القتال، وبخاصة تلك الباقية في منازل النازحين والمناطق الخدمية والمأهولة والمزارع والطرقات".
وفيما يداري أهالي الضحايا حسرتهم وحزنهم تاهت الجهة المسؤولة عن المأساة التي حلت بهم وتضاربت الروايات حول مصدر المقذوف، إذ راح فريق يتهم الميليشيات الحوثية وآخر يطالب بالتريث كونه ربما من مخلفات قوات الجيش.
لكن قيادة محور تعز التابعة لوزارة الدفاع اليمنية حملت "الحوثيين كامل المسؤولية عن الحادثة"، وذلك لتركها "مخلفات الحرب وسط الأحياء السكنية". ونفت القيادة في بيان "بصورة قاطعة مسؤولية الجيش اليمني عن الحادثة التي وصفتها بـ"المأسوية".
قتل يومي
وتكشف الحادثة عن الأخطار الإنسانية المحدقة جراء بقاء مخلفات الحرب داخل مناطق النزاع في اليمن، التي دفع اليمنيون كثيراً من الضحايا ثمناً لها حتى الآن.
وتشير التقارير الدولية إلى مقتل وجرح أكثر من 11500 طفل وفقاً لتقرير صادر عن منظمة "يونيسيف" خلال مارس (آذار) 2024، ليؤكدوا الأرقام المأسوية في سجل الحرب المستمرة.
وبشيء من التفصيل، تشير التقديرات إلى أن ثمانية أطفال يقتلون أو يجرحون يومياً في مآس متكررة طاولت جيلاً بأكمله، لم يكن له من ذنب سوى أنه ولد في زمن ومكان الحرب والموت والنزوح والترحال المرير الذي ينبئ عن مستقبل مخيف ومجهول، يتهدد ملايين الأطفال داخل البلاد.
ويعد اليمن من أكثر الدول التي سجلت فيها المنظمات الدولية ارتفاعاً ملحوظاً بين المعاقين بسبب النزاعات الداخلية.
وأكد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، خلال يناير 2024 أن نسبة المعاقين تجاوزت 5 ملايين نسمة، أي ما يعادل 15 في المئة من تعداد السكان مع ارتفاع كبير جداً لنسبة الأطفال المعاقين.
وعلى رغم عدم الوصول إلى أعداد محددة للأطفال المعاقين بسبب الحرب، فإن تقريراً للمكتب أشار إلى أن إجمال المعاقين في محافظة تعز بلغ 10128 معاقاً تجاوزت نسبة الأطفال بينهم 80 في المئة،
وهو ما يكشف عن إصابة الأطفال بالنسبة الأكبر من ضرر الألغام جراء المرور عليها أو العبث بها.
في هذا الصدد تمكن مشروع "مسام" السعودي التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، خلال الأسبوع الأول من يوليو (تموز) الجاري من انتزاع 1559 لغماً وذخيرة غير منفجرة في مختلف مناطق اليمن،
وشملت عمليات التطهير محافظات عدة، وارتفع إجمال ما نزعه المشروع منذ انطلاقه عام 2018 حتى هذا الشهر إلى 504295 لغماً وعبوة وذخيرة، زرعتها الميليشيات الحوثية عشوائياً في القرى والمزارع والطرقات والمدارس، مهددة حياة المدنيين الآمنين.
توفيق الشنواح
صحافي يمني