
اشتباكات السويداء | عشرات القتلى والجرحى ودمشق تتحرك لفض النزاع
الرأي الثالث - وكالات
أعلنت وزارة الداخلية السورية، صباح اليوم الاثنين، سقوط أكثر من 30 قتيلاً ونحو 100 جريح في إحصاء أولي جراء الاشتباكات الواقعة في محافظة السويداء جنوبي سورية.
وأكدت الوزارة، في بيان أن قواتها، بالتنسيق مع وزارة الدفاع، بدأت انتشاراً ميدانياً مباشراً في المنطقة لفض النزاع وإيقاف الاشتباك وملاحقة المتسببين بالأحداث وتحويلهم إلى القضاء المختص.
وأضاف البيان "يأتي هذا التصعيد الخطير في ظل غياب المؤسسات الرسمية المعنية، ما أدى إلى تفاقم حالة الفوضى، واتساع رقعة الاشتباك، وعجز المجتمع المحلي عن حل الأزمة رغم الدعوات المتكررة للتهدئة".
ودعت الوزارة جميع الأطراف المحلية إلى التعاون مع قوى الأمن الداخلي، والسعي إلى التهدئة وضبط النفس، مؤكدة أن استمرار الصراع لا يخدم سوى الفوضى ويزيد معاناة المدنيين.
وقالت وكالة الأنباء السورية (سانا)، صباح الاثنين، إن عنصرين من الجيش السوري سقطا أثناء انتشارهم لإيقاف الاشتباكات وحماية الأهالي في السويداء بعد استهدافهم من مجموعات خارجة عن القانون.
وتجددت المواجهات فجر اليوم الاثنين في الريف الغربي من محافظة السويداء بين فصائل مسلحة محلية من المحافظة ومسلحين من البدو، بعد تهدئة نسبية مساء أمس تخللها تبادل للأسرى المدنيين من الطرفين،
فيما أرسلت دمشق أرتالاً كبيرة إلى المنطقة مع فتح مفاوضات مع وجهاء المحافظة لدخولها إلى مدينة السويداء، وتسلم الملف الأمني بالكامل.
وذكر الناشط وضاح عزام أنه بعد عمليات الخطف والخطف المضاد في الريف الغربي والاشتباكات التي أعقبت ذلك، توصل الجانبان مساء أمس إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن المخطوفين من الطرفين،
لكن مع ذلك تواصل التصعيد العسكري وسط تحريض طائفي من الجانبين، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف عزام أن المواجهات تركزت في الريف الغربي والجنوبي لمحافظة السويداء، خاصة الثعلة وكناكر وسميع والدور والدويرة وتعارة وجرين وحران،
مشيراً إلى حدوث هجوم بالطيران المسير بعد منتصف الليل على قريتي تعارة والدويرة، ما تسبب في وقوع جرحى وتهجير للمدنيين، مع بقاء المسلحين للدفاع عن مناطقهم.
من جهته، أفاد مصدر مطلع في السويداء بأنّ قوات وزارة الدفاع والداخلية مصممة على دخول مدينة السويداء للإمساك بالملف الأمني بالكامل، ونزع سلاح الفصائل في السويداء، وكذلك عناصر البدو، لبسط سلطة الدولة على المنطقة كلها.
وأوضح أن التفاوض يجري بين مسؤولين من دمشق وبعض الوجهاء المحليين، منهم الشيخ يوسف جربوع، لافتاً إلى تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي في سماء المنطقة.
وحول الوضع الميداني، لفت المصدر إلى اقتحامات كبيرة جرت فجر اليوم في الريف الغربي من المحافظة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وسط حركة نزوح كبيرة للأهالي.
وأشار إلى أن المستشفيات في السويداء تعاني اكتظاظاً في أعداد الجرحى الذين يقدر عددهم حتى الآن بنحو 120 شخصاً، فيما لا يعرف عدد القتلى على وجه التحديد حتى الآن،
مشيراً إلى أن الفعاليات المحلية أقامت مراكز إيواء للنازحين في بعض المنشآت العامة. وقال المصدر إنه جرى أسر نحو 20 مقاتلاً من القوات التي تهاجم قرى المحافظة، بينهم أجانب.
الهجري يطالب بالحماية الدولية
من جانبه، طالب الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ الطائفة الدرزية في السويداء، مجدداً بالحماية الدولية، و"بشكل فوري وسريع نظراً لخطورة الوضع".
كما جدد الهجري في بيانه "رفض دخول أي جهات منهم كالأمن العام والهيئة، خاصة أنهم ليلة البارحة دخلوا الحدود الإدارية بحجة الحماية، ولكنهم أقدموا على قصف أهلنا في القرى الحدودية، وكانوا يساندون العصابات التكفيرية بأسلحتهم الثقيلة وطائراتهم المسيرة"، وفق تعبيره.
وأضاف: "نحمل كامل المسؤولية لكل من يشارك بالاعتداء على مناطقنا وأهلنا، وكل من يسعى لدخول الأمن العام إلى مناطقنا".
ويأتي بيان الهجري بعد تصريح للناطق باسم الداخلية السورية نور الدين البابا قال فيه إن "الوضع في السويداء يتجه للحسم لصالح الدولة السورية، وفق الرؤية التي وضعتها رئاسة الجمهورية".
وقال البابا إن خطة الانتشار في المحافظة "جرى تطبيقها بالتنسيق مع الأطراف الفاعلة، بناءً على تواصل إيجابي"، مضيفاً أن "بعض المجموعات الخارجة عن القانون تحاول مصادرة صوت التيار المدني في السويداء".
وقال البابا إن تدخل عناصر الداخلية والدفاع "بات مطلباً شعبياً وأمراً لا مفرّ منه"، مشيراً إلى أنه "منذ ساعات الصباح الأولى دخلت قواتنا إلى السويداء، وحدثت بعض الاشتباكات مع مجموعات خارجة عن القانون وجرى التعامل معها بحزم".
نزوح جماعي
ومع اشتداد الاشتباكات بين الفصائل المحلية وعشائر المنطقة، عمّت مشاهد النزوح الجماعي، فيما تتوالى النداءات العاجلة لوقف إطلاق النار قبل أن ينفلت الوضع نحو فوضى شاملة تهدد نسيج المنطقة الاجتماعي، خصوصاً مع توسع المعارك إلى قرى مجاورة.
وأوضح ناشط مدني أن أكثر من 300 عائلة نزحت من قرى الطيرة وسميع إلى مدينة السويداء والقرى القريبة، وسط صعوبات في تأمين مأوى أو مساعدات إنسانية بسبب إغلاق الطرق.
كما أفاد مصدر طبي في مستشفى بصرى الشام بمحافظة درعا باستقبال 11 مصاباً من أبناء عشائر اللجاة من جراء قصف استهدف سيارتهم قرب الحدود الإدارية للسويداء.
وفي حي المقوس، بؤرة أعنف الاشتباكات، استمر تبادل إطلاق النار بالأسلحة المتوسطة، وأسفر عن سقوط خمسة قتلى، بينهم طفل أصيب برصاصة في الرأس، تعذر إنقاذه بسبب كثافة النيران.
وأفاد ناشطون بأن المسلحين استهدفوا ممتلكات مدنية وأحرقوا منازل، فيما واجه سكان الحي صعوبة في إجلاء الجرحى وتأمين احتياجاتهم الأساسية.
كما شهدت قرية الطيرة نزوحاً جماعياً بعد استهدافها بقذائف هاون من مسلحي عشائر اللجاة، الذين اجتاحوا القرية لاحقاً وأحرقوا عدداً من منازلها.
وأفاد مصدر ميداني بأن سكان البلدة لجأوا إلى قرى ناحية المزرعة والسويداء المدينة، تاركين خلفهم مجموعات دفاعية تحاول صد الهجمات.
كما طاول القصف بلدتي سميع والمزرعة، واندلعت اشتباكات متقطعة عند حاجز الشرطة في منطقة براق، حيث استُهدف بقذائف هاون، ما أدى إلى مواجهات مباشرة مع قوات الأمن.
وفي ظل التصعيد، دعا محافظ السويداء مصطفى البكور إلى "ضبط النفس والاحتكام للحوار"، فيما أطلق الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، نداءً عاجلاً لوقف القتال،
مؤكداً أن دماء أهل السويداء "خط أحمر"، وأكد أن المعركة الدائرة "ليست معركة أبناء السويداء الحقيقية"، داعياً إلى استعادة السلم الأهلي.
ورغم المساعي العشائرية والدينية المكثفة لاحتواء الأزمة، يحذر ناشطون من تعقيد المشهد بفعل تضليل وسائل التواصل، وتعدد الفصائل المسلحة ذات الأجندات المختلفة، وغياب التدخل الحكومي الحاسم.
ويرى الناشط جهاد شهاب الدين أن "البنية التحتية الاجتماعية تنهار، وكل رصاصة تطلق اليوم تحفر قبراً لتراث التعايش"، مضيفاً أن "الحلول السياسية وحدها تبني الأوطان".
خلافات قديمة
من جهته، قال المحامي عاصم الزعبي، مسؤول قسم التوثيق في "تجمع أحرار حوران" إن الصدامات الحالية "تعود الى خلافات قديمة بين الجانبين، ولكن هذه المرة تفاقمت المشكلات ووصلت إلى حرب حقيقية اسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى وحرق منازل".
وأشار الزعبي إلى تدخل قوات من الجيش السوري لفض الاشتباك، لكن المجموعات التابعة للشيخ حكمت الهجري هاجموا تلك القوات وقتلوا بعضهم وأسروا آخرين.
ولفت إلى أن الهجري طالب بتدخل دولي "لكن يبدو أن هناك قراراً مغطى خارجياً لحسم ملف السويداء اليوم وحتى يوم غد"،
مشيراً إلى أن طائرات إسرائيلية حلقت في سماء المنطقة "لكن ربما لذر الرماد في العيون وليس هناك نية لدى إسرائيل للتدخل الفعلي"، معتبراً أن "مشروع حكمت الهجري في السويداء على وشك النهاية".
بدورها، قالت الناشطة ميساء العبدلله المقيمة في محافظة السويداء ، إن "جهوداً كثيرة بذلت خلال الفترة الماضية من أجل عدم الوصول إلى هذه النقطة، لكنها لم تنجح".
وأوضحت العبد الله:" بدأت القصة بتوقيف سائق سيارة خضرة على طريق السويداء دمشق، وإهانته وسلبه على يد مسلحين من البدو، ورد أهله بخطف بعض المدنيين من البدو، ورد هؤلاء بخطف مضاد، إلى أن تطورت المواجهات إلى اشتباكات شاملة، تركزت الليلة الماضية في حي المقوس الذي يقطنه خليط من الدروز والبدو".
وأضافت أن "جهود التهدئة لم تنجح في إخماد الاشتباكات التي تجددت فجر اليوم بقوة أكبر، خاصة في الريف الغربي، بالرغم من وصول قوات تابعة للأمن العام إلى المنطقة، حيث قامت باعتقالات".
واعتبرت العبدلله أن السويداء الآن "في حالة دفاع عن النفس"، مشيرة إلى أن الشباب الذين قضوا في هذه الاشتباكات معظمهم من المعارضين لنظام بشار الأسد.
وأوضحت أنه يوجد مشفى وطني رئيس واحد في السويداء، أما بقية المشافي فهي ضعيفة وإمكاناتها محدودة. ولفتت إلى "مخاوف لدى السكان المحليين من تكرار ما حدث في الساحل، خاصة أنه من غير المعروف من يقوم بالانتهاكات ضدّ المدنيين".