
مجازر إسرائيلية مروّعة في غزة وسط استئناف جولة مفاوضات التهدئة
الرأي الثالث - وكالات
واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة التي يشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكثر من 21 شهرا، فقصف أمس الأحد الأسواق الشعبية ومراكز توزيع المياه، في ظل حصار إنساني يسبب الجوع وسوء التغذية وتوقف الخدمات.
واستشهد أمس في العدوان الإسرائيلي أكثر من 100 فلسطيني منذ الفجر ، في الوقت الذي تشهد فيه مفاوضات التهدئة جمودا بسبب المطالب الإسرائيلية التي كشفتها خرائط الانسحاب المقترح، وهي خرائط غير مقبولة لدى الجانب الفلسطيني.
وقال مصدر مطلع إن وفدا مصريا كان في العاصمة القطرية الدوحة التي تشهد جولة مفاوضات مستمرة منذ الأسبوع الماضي، عاد إلى القاهرة للتشاور، على أن يتوجه إلى الدوحة مجددا.
وكانت خرائط الانسحاب المثيرة للجدل كشفت عن خطة إسرائيلية لتهجير قسري للفلسطينيين من خلال تجميعهم في رفح جنوب القطاع، تحت مسمى “المدينة الإنسانية”، التي وصفتها صحيفة “هآرتس” بمعسكرات الاعتقال، في دلالة مقارنة مع معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
وقالت القناة 12 الإسرائيلية أمس إن جيش الاحتلال أبلغ القيادة السياسية بأن الإصرار على ما تسمى “المدينة الإنسانية” قد يضر بمفاوضات الدوحة، طبقا لما ذكرته شبكة “الجزيرة”.
ونقل تقرير نشره موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسؤولين إسرائيليين كبار، أن تكلفة إنشاء “مدينة إنسانية” في رفح تتراوح بين 2,6 مليار يورو (3,5 مليار دولار) و3,9 مليار يورو، على أن تتحمل إسرائيل في البداية كامل التكلفة تقريبا.
وكانت المجازر الإسرائيلية في القطاع قد طاولت أسواقا شعبية ونقاط تعبئة مياه الشرب، بالإضافة إلى قصف المنازل وخيام الإيواء.
ومن بين المجازر التي ارتكبتها إسرائيل واحدة في غارة على سوق شعبي وسط مدينة غزة، وأخرى في مخيم النصيرات وسط القطاع، عندما قصفت مكانا تجمع فيه المواطنون للحصول على كميات من مياه الشرب.
وحذرت وكالات أممية من نقص الوقود في قطاع غزة والذي وصل إلى مستويات حرجة تهدد عمل المستشفيات وشبكات المياه والصرف الصحي وعربات الإسعاف، وجميع العمليات الإنسانية في القطاع.
وحذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” من ارتفاع حالات سوء التغذية في غزة منذ آذار/ مارس، على إثر منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية.
وواصلت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تنفيذ هجمات على قوات الاحتلال المتوغلة، مكبدة إياه خسائر في العتاد والأرواح، في الوقت الذي وصف فيه مسؤول إسرائيلي عسكري سابق ما يجري بأنه حرب عصابات “مروّعة”.
استئناف جولة مفاوضات التهدئة.. والبحث يتركز على خارطة جديدة للانسحاب الإسرائيلي
لا يزال وسطاء التهدئة يعملون في المفاوضات “غير المباشرة” بين حركة حماس وإسرائيل، على إيجاد حلول لأزمة التفاوض التي عطلت إتمام الصفقة،
بسبب رفض إسرائيل سحب قواتها إلى خطوط الانسحاب التي جرى التوصل إليها في التهدئة السابقة في يناير وانهارت في مارس الماضي.
وقالت مصادر أن المفاوضات التي عقدت على مدار الأيام الماضية، ورغم أنه جرى خلالها التوافق على الأمور الفنية الخاصة بعملية تبادل الأسرى، من حيث مواعيد التسليم والأعداد،
إلا أنها اصطدمت بخارطة الانسحاب التي قدمها الوفد الإسرائيلي، والذي يضم موفدا عن الجيش الإسرائيلي وآخر عن جهاز “الشاباك” أيضا.
خارطة انسحاب مرفوضة
وتشمل الخارطة الإسرائيلية التي أصر الوفد الإسرائيلي على جعلها أمرا واقعا في المفاوضات، ورفضتها حركة حماس، استمرار بقاء جيش الاحتلال في عدة مناطق تقع في عمق قطاع غزة،
منها مناطق في الشمال وأخرى في محيط “محور نتساريم” وسط القطاع، فيما كانت نسبة الاحتلال الأكبر لأراضي قطاع غزة في مناطق الجنوب،
حيث تشمل الخرائط بلدات كاملة تقع في الجهة الشرقية والشمالية لمدينة خان يونس، بالإضافة إلى مدينة رفح التي يريد الاحتلال إبقاء مراكز المساعدات التابعة لـ”مؤسسة غزة الإنسانية” فيها.
ومن أجل تمرير المخطط الرامي لإبقاء احتلال مدينة رفح ما بين “محوري فيلادلفيا وموراج”، قدم الوفد الإسرائيلي مقترحا يقوم على أساس عودة المنظمات الأممية لإدخال وتوزيع المساعدات،
مع بقاء مراكز التوزيع الأربعة التي أقامها واحد في وسط القطاع قرب “محور نتساريم” وثلاثة في مدينة رفح، تقع ما بين “محوري فيلادلفيا وموراج”، وهو أمر يستدعي استمرار احتلال المناطق المحيطة بها، ما يعني عدم الانسحاب من رفح تحديدا.
ويدور الحديث أن خارطة إسرائيل تشمل بقاء احتلال ما نسبته 40% من مناطق قطاع غزة، بينها مدينة رفح، ونقاط استراتيجية أخرى، تحول القطاع إلى أوصال مقطعة.
وقد فاجأت الخارطة الإسرائيلية الجديدة الوسطاء كما فاجأت حركة حماس التي ذهبت إلى المفاوضات وفقا لنص المقترح الجديد للاتفاق برعاية الوسطاء على الأمور الفنية الخاصة بالمساعدات والتبادل وضمانات عدم عودة الحرب،
باعتبار أن خريطة الانسحاب ستكون كما الخريطة السابقة التي جرى تنفيذها عند بدء العمل باتفاق التهدئة الذي دخل حيز التنفيذ في 18 يناير الماضي، وانتهى يوم 2 مارس،
قبل أن تطرح إسرائيل الخارطة الجديدة التي انتهت مفاوضات الأسبوع الماضي دون أن تحدث أي اختراق في الملف، بسبب التعنت الإسرائيلي.
المعلومات التي حصلت عليها “القدس العربي”، أشارت إلى أن حركة حماس استنتجت بعد التشدد الإسرائيلي بخصوص خارطة الانسحاب وطلبها البقاء في عدة مناطق،
أن هناك خطة إسرائيلية لعودة الحرب من جديد، تسمح بعودة توغل قوات الاحتلال بشكل أسهل من المرة السابقة، خاصة وأن الأمر ارتبط بتصريحات لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول عدم الموافقة على صفقة كاملة، وتلويحه بعودة الحرب و”هزيمة حماس”.
إبقاء الاحتلال
وفي هذا السياق، كان باسم نعيم، القيادي في حماس وعضو وفدها المفاوض، قال: “بالتأكيد معنيون، ومن اليوم الأول للمفاوضات، بالوصول الى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في أقرب فرصة ممكنة، حرصا على شعبنا ومستقبله في القطاع”.
وأضاف في منشور على صحفته في “فيسبوك”: “لكن لا يمكن القبول بتأبيد الاحتلال وتسليم شعبنا لمعازل تحت سيطرة جيش الاحتلال على غرار معسكرات الاعتقال النازية”، لافتا إلى أن هذا ما يعرضه الاحتلال حتى اللحظة في جولة المفاوضات الراهنة.
وأوضح أن الاحتلال يصر على بقاء سيطرته على مدينة رفح جنوب “محور موراج”، إضافة لتعميق تواجده العسكري على طول القطاع بناء على الواقع القائم حاليا بعد 2 مارس 2025، كما يصر على الحفاظ على آلية المساعدات القائمة “مصائد الموت”، دون أن ضمانات لإنهاء الحرب،
وختم بالقول: “ما فشل فيه نتنياهو على مدار 22 شهر بالحرب والمجاعة لن يأخذه على طاولة”.
وكان نتنياهو قال: “علينا الإصرار على اتخاذ القرارات الصحيحة، وإطلاق سراح الرهائن، وانهيار حماس، والحفاظ على أمننا”.
بحث الخارطة الجديدة
وتجدر الإشارة إلى أن وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل وأبرزهم إيتمار بن غفير، يرفضون عقد صفقة تهدئة، وهددوا بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو والعمل على انهياره.
هذا وقد توقفت المفاوضات غير المباشرة السبت والأحد، حيث أعطيت الوفود والوسطاء وقتا للتشاور مع قياداتها، من أجل العودة من جديد لعقد مفاوضات أخرى، بهدف تجاوز نقاط الخلاف،
فيما لم يجر بعد بسبب التعثر الذي حصل الأسبوع الماضي، تحديد موعد دقيق لوصول المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى قطر للمشاركة في هذه المحادثات، خاصة وأنه كان يخطط لزيارة المنطقة نهاية الأسبوع الماضي، اعتقادا بأن ذلك الموعد سيكون مناسبا للإعلان عن عقد الصفقة الجديدة.
ويدور الحديث أن الوفد الإسرائيلي تعهد بالعودة بخارطة جديدة تشمل نقاط انتشاره في قطاع غزة خلال مدة التهدئة (60 يوما)، بناء على طلب الوسطاء المصريين والقطريين، والذين طالبوا خلال الأيام الماضية بتدخل أمريكي بهدف دفع إسرائيل لتغيير الخارطة السابقة، التي تعبق التفاوض.
وستعرض في جلسة التفاوض الجديدة الخارطة التي وعد وفد إسرائيل بتقديمها، حيث تنتظر حركة حماس ذلك لتحدد موقفها من التطور الجديد.
لكن هذه المفاوضات وتقديم الخارطة الجديدة استبقت بتصريحات لمنسق الشؤون العربية في وزارة الجيش الإسرائيلية ألون أفيتار، قال فيها: “إسرائيل لن تعود الى حدود السادس من أكتوبر”.
وقال أفيتار خلال لقاء على قناة “i24news” الإسرائيلية: “إسرائيل لن تعود ولا مرة الى حدود السابع من أكتوبر، التواجد البري على طول حزام الأمان هو أمر نهائي،
ولا يوجد تردد ونقاش بين الأحزاب حول هذا الشرط، الدفاع العسكري لن يكون على خط الكيبوتسات (مستوطنات غلاف غزة)، بل في الداخل”، وكان يقصد داخل حدود قطاع غزة.
وأضاف: “توجد حساسية حول هذا الموضوع، وإسرائيل تتفهم ذلك، خصوصا أمام مصر حيال قضية تأسيس المدينة الإنسانية جنوب غزة”.
كما استبقت المفاوضات الجديدة بأن أبدت الإدارة الأمريكية تفاؤلا حيال الأمر، وقال ويتكوف إنه “متفائل” بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
في المقابل، هناك مخاوف كبيرة في حال لم يجر التوصل إلى حلول حول الخلاف القائم بشأن خارطة الانسحابات، حيث كشفت تقارير عبرية النقاب أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حذرت من أنه في حال عدم إحراز تقدم ملموس في المفاوضات الجارية حاليا،
فمن المتوقع أن يصادق المستوى السياسي على تنفيذ هجوم عسكري نحو قلب مدينة غزة.
هذا وخلال يومي توقف المفاوضات، واصل الوسطاء اتصالاتهم مع حركتي حماس والمسؤولين الإسرائيليين، فيما عقدت حماس لقاء مع وفد حركة الجهاد الإسلامي، ركز على بحث ما يدور في أروقة المفاوضات “غير المباشرة”.