إطلاق يد المستوطنين وتصعيد الاعتداءات: إسرائيل تمهّد لحسم «حرب الضفة»
الرأي الثالث - وكالات
يبدو أن المشهد اليومي في الضفة الغربية بات أقرب إلى عملية مراكمة وتسجيل للنقاط، بما يصبّ في مصلحة إستراتيجية تشديد القبضة الإسرائيلية على الضفة، وصولاً إلى ضمها وإعلان «السيادة الإسرائيلية» عليها. و
تتجلى تلك العملية في اقتحامات جيش الاحتلال للمدن والقرى والبلدات، وإقامة مئات الحواجز والبوابات العسكرية على مداخل المدن، وتحويلها إلى كانتونات معزولة بات الفلسطيني بحاجة إلى ساعات عدة حتى يتجاوزها.
ويُضاف إلى ذلك، إطلاق العنان للمشروع الاستيطاني بتجلياته كافة، من مشاريع استيطانية إلى مصادرة الأراضي وإقامة البؤر العشوائية، مروراً بالسماح للمستوطنين بارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين بغية تهجيرهم.
وتتخذ تلك الاعتداءات، منذ مدة، منحى تصاعدياً، بات ينذر بما يشبه الانفجار. إذ تتزايد اعتداءات المستوطنين على منازل الفلسطينيين في منطقة تل الرميدة وسط مدينة الخليل جنوبي الضفة، توازياً مع اقتحاماتهم المستمرة للمقبرة الإسلامية في شارع الشهداء.
وفي الوقت نفسه، تستمر قوات الاحتلال في إغلاق الحرم الإبراهيمي والمناطق المحيطة به في المدينة لليوم الثاني على التوالي، لتأمين اقتحامات المستوطنين. وينسحب ما تقدّم على عشرات القرى والبلدات في الضفة، والتي تحوّل ليلها إلى جحيم بفعل الاقتحامات الإسرائيلية التي يتصدى لها المقاومون.
إذ شهد مخيم بلاطة في نابلس، مثلاً، اقتحاماً واسعاً، تخللته اشتباكات مسلحة تصدى فيها مقاومون للقوات المقتحمة. كما اقتحمت قوة من جيش الاحتلال مدينة الخليل جنوب الضفة، وجابت شوارعها وأوقفت مركبات الفلسطينيين فيها ودقّقت في بطاقاتهم، في وقت سُجل فيه هجوم للمستوطنين على منازل في بلدة بيت فوريك في مدينة نابلس.
وفي نظرة إلى الأسبوع المنصرم، يتبين أن قوات الاحتلال شنت عمليات عسكرية واسعة في مناطق عدة في الضفة، أبرزها في جنين وطولكرم، قامت فيها بتدمير واسع للبنية التحتية – التي كان جرى ترميم بعضها في وقت سابق -،
وتنفيذ عمليات إعدام وقتل، استشهِد على إثرها نحو 10 شبان فلسطينيين، 8 منهم من محافظة جنين واثنان من مدينة نابلس. كذلك، طرأ، في الأيام الماضية، عاملان متغيران سيلقيان بظلالهما على الوضع في الضفة في المدة المقبلة؛ أولهما إصدار وزير أمن العدو، يسرائيل كاتس، قراراً بوقف الاعتقالات الإدارية ضد المستوطنين الذين يرتكبون جرائم ضد الفلسطينيين. ورغم أن هؤلاء يحظون أصلاً بحماية كبيرة، سياسية وقانونية وعسكرية، لتنفيذ تلك الاعتداءات،
إلا أن بعض الجهات التي تراعي الضغوط الدولية في هذا الإطار، انتقدت القرار الجديد. وذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية أن أعضاء في «الكنيست» طالبوا بإلغاء أوامر اعتقال إدارية يخضع لها 8 مستوطنين، حتى مطلع الشهر الحالي،
فيما رأت مصادر قضائية أن قرار كاتس يمنح «رخصة بالقتل لشبيبة التلال، ويقيّد أيدي الشاباك في التعامل مع جهات يهودية»، وأن من شأن ذلك القرار أن «يدفع منظمات سرية إلى الاعتداء على العرب وإشعال المنطقة».
ومن جهته، رأى عضو «الكنيست»، غادي آيزنكوت، قرار كاتس «خطأ شديداً وخطيراً، وخطوة أخرى نحو تصعيد خطير في الضفة الغربية وسندفع ثمنه».
وفي المقابل، حظي القرار بترحيب واسع من قِبل قادة المستوطنين، والذين وصفوه بأنه «بشرى عظيمة ومهمة». ورأى وزيرا المالية و«الأمن القومي»، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، أن القرار «ألغى تمييزاً منذ سنوات طويلة ضد مستوطني يهودا والسامرة (الضفة).
وكاتس وضع نهاية للظلم الذي في إطاره كان المستوطنون مواطنين من الدرجة الثانية، ومورست ضدهم وسائل متشددة وغير ديموقراطية داست على حقوقهم، وهي وسائل لا تمارس ضد أي مجموعة سكانية أخرى في دولة إسرائيل، باستثناء مخربين وأعداء خطيرين».
وعلى أي حال، يدرك الفلسطينيون أن الإجراء الذي كانت تتخذه سلطات الاحتلال بحق بعض المستوطنين القلائل، هو إجراء شكلي لم يؤثر في طبيعة اعتداءاتهم وكثافتها، وهو ما تدلّ عليه مشاركة المئات منهم في الهجوم على قرى من مثل المغير وحوارة وترمسعيا وبرقة، وإحراق عشرات المنازل والمركبات، من دون اعتقال أي منهم.
كما أن الاعتقالات التي تُنفذ ضد هؤلاء وقادتهم الذين يمولونهم ويحرضونهم ويسلحونهم، لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ومع ذلك، فقد منح القرار الجديد عصابات المستوطنين ضوءاً أخضر وتسهيلات لارتكاب مزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين، كونه بمنزلة تشريع لقتل الأخيرين، وخصوصاً مع تعزيز عمليات تسليح المستوطنين.
أما التطور الآخر، فهو ردّ فعل اليمين الفاشي على إصدار «المحكمة الجنائية الدولية»، الخميس الماضي، مذكرتَي اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه السابق، يوآف غالانت.
إذ دعا بن غفير، مثلاً، إلى الرد على مذكرات الاعتقال بـ«تطبيق السيادة على كل أراضي يهودا والسامرة»، في إشارة إلى ضم الضفة الغربية، و«الاستيطان في جميع مناطق البلاد، وقطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية» التي وصفها بـ«سلطة الإرهاب»، مطالباً بـ«فرض عقوبات عليها».
وفي ضوء ما تقدّم، يبدو أن إسرائيل حسمت مسألة ضم الضفة والسيطرة عليها. والواقع أن قرارها هذا ليس وليد اليوم فقط، بل متَخذ منذ احتلال الضفة، إذ عمل الاحتلال على الضم التدريجي في كل الظروف.
وعلى غرار توظيفها اتفاق «أوسلو» وعملية «السلام» والمفاوضات، وإدانة الأمم المتحدة للاستيطان، من أجل ذلك، فإن إسرائيل اليوم توظف حربها على غزة والمناخ الدولي، وحتى الرد على القرارات الدولية والأممية، ومنها قرار «الجنائية الدولية»، في السياق نفسه.