
ما الذي يحمله ترمب لأزمة اليمن خلال زيارته إلى الخليج العربي؟
عقب عودته للبيت الأبيض إثر انتخابه لولاية رئاسية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، باشر الرئيس الجمهوري دونالد ترمب بانتهاج سياسات صارمة ضد ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، دشنها بتصنيف الحوثيين على لوائح الإرهاب العالمي كعنوان للنهج العملي المغاير الذي اختطته إدارته الجديدة ضد الجماعة الموالية لإيران، بعد أن تسببت في المشكلة اليمنية وأزمات المنطقة منذ أكثر من 10 أعوام.
وما بين عودة ترمب للرئاسة وموعد الزيارة التي سيبدأها من الرياض، الراعية الأولى للحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً، جرت كثير من المياه في نهر المنطقة العربية التي تقع القضية اليمنية في قلب تفاعلاتها،
مما استدعى عودة التدخل العسكري الأميركي ضد الحوثيين منتصف مارس (آذار) الماضي على نحو أكثر جدية وحدية من سلفه جو بايدن، قبل أن يعلن في السابع من مايو (أيار) الجاري استسلام الميليشيات الحوثية عبر وساطة قادتها سلطنة عُمان،
وأنقذت، وفقاً لقطاع واسع من اليمنيين، الجماعة المتمردة من تكبد مزيد من الخسائر البشرية والعسكرية، قبل شن القوات الشرعية اليمنية، بحسب ما كان متوقعاً، هجوماً برياً شاملاً ينهي سيطرتها،
ثم أُتبع ذلك الإعلان عن قصف إسرائيلي طاول مينائي الحديدة وراس عيسى ومطار صنعاء وعدداً من المصانع الاقتصادية التاريخية، مما سبب دماراً وجرحاً وجدانياً لدى اليمنيين، جراء تدمير مقدرات بنوها على مدى الـ 60 عاماً الماضية.
في قلب الأحداث
وبالنظر إلى ملفات محورية سيناقشها ترمب خلال زيارته التي قال إنها ستكون تاريخية إلى السعودية والإمارات وقطر، وعلى رأسها أمن الخليج والملف الإيراني والطاقة وحزمة المشاريع الإستراتيجية والاقتصادية والدفاعية والتقنية مع الحليف الأميركي،
سيبدأ ترمب جولته من السعودية، اللاعب الأبرز اليوم في الشرق الأوسط، مما يؤكد حضور الملف اليمني ضمن أجندات البحث، نظراً إلى ارتباط هذا البلد المنهك بالحرب بجملة من التطورات اللاهبة والمتصاعدة التي تشهدها المنطقة العربية،
وقد يشهد بلورة رؤية للحلول الناجزة إثر عمليات التقارب والتفاهم السياسي التي شهدها الإقليم أخيراً.
وقال السفير اليمني لدى "يونيسكو" محمد جميح إنه "بإدراج الحوثيين القضية اليمنية ضمن الملف الإيراني فلا بد من أن تكون لزيارة ترمب علاقة به، ولكن عبر العلاقة بالملف النووي الإيراني"،
وصرح جميح بأن "الموضوع الإيراني سيكون حاضراً على طاولة المحادثات إضافة إلى البرنامج النووي والصواريخ الباليستية وموضوع الميليشيات، لأنه يندرج ضمن العنوان الأبرز للزيارة وهو أمن منطقة الخليج الذي عبثت به الأذرع الإيرانية كثيراً، وفي مقدمها التمرد الحوثي الآخذ في التصاعد".
رمزية السعودية
وبما أن الرياض التي تدعم الحكومة اليمنية الشرعية، ستستضيف ترمب، فلا بد، وفقاً لجميح، "من أن يكون الملف اليمني حاضراً بحكم الجوار وتداعيات الحرب التي قادها التحالف العربي وأمن البحر الأحمر وخطوط الملاحة،
وعندما نتحدث عن كل هذه الملفات، سواء الملف الإيراني أو العلاقات الأميركية – السعودية، وبخاصة الأمنية منها وأمن البحر الأحمر وخطوط الملاحة في المحيط الهندي وباب المندب،
فكل تلك الملفات تقع في قلب وصلب اهتمامات اليمن، وإن كان العنوان اليمني غير بارز في الزيارة لكن كل تلك العناوين ستؤطر لزيارة ترمب للمنطقة".
ولا يمكن فهم المقاربة الترمبية لكل هذه الملفات على نحو الدقة، ولكن ما يهم الولايات المتحدة، كما أكدت أخيراً على نحو متواتر، هو كبح جماح النفوذ الإيراني وخصوصاً في ما يتعلق بالاعتداءات الحوثية في الممرات المائية وإسرائيل فقط،
أي بمعزل عن القضية اليمنية الداخلية بين الميليشيات والسلطة الشرعية المدعومة من المجتمع الدولي،
ولذلك يتوقع مراقبون أنه بمجرد التوصل إلى اتفاق مع الميليشيات يقضي بالالتزام بالتهدئة في ممرات التجارة العالمية ووقف قصف إسرائيل،
فسترفع الأسرة الدولية يدها عن القضية اليمنية وتغض طرفها عن الحوثي إلى حد الاعتراف به تالياً كسلطة أمر واقع، يكرس إكمال فصول انقلاب الجماعة المتمردة الذي بدأته عام 2014 لتُترك وشأنها مع اليمنيين،
وهو بحسب المستشار السياسي في الرئاسة اليمنية ثابت الأحمدي "ما تبحث عنه الجماعة الحوثية منذ تدخلها التدميري في المياه الدولية، أي مقايضة العالم بأمنه ومصالحه".
وقال الأحمدي إنه "حين نقرأ السياسة الأميركية اليوم، وبخاصة في الشرق الأوسط، نقرؤها من محددين رئيسين، أولهما الإستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة،
وثانيهما طبيعة شخصية ترمب ومزاجه الخاص، وهذا منطلق جديد أضيف للمرة الأولى كونه ذا مزاج متقلب، وبرنامجه في رأسه لا في صفحات المصفوفات المرسومة والبرامج المكتوبة كعادة الرؤساء السابقين"،
مضيفاً أن "ترمب يستجلب المال، وهذا جل اهتمامه وتقريباً كل أولوياته، والآخر يطلب مصالح في مقابل المال، وهذا منطق سليم في التعاطي وفي التكامل أيضاً،
أما في ما يتعلق بالملف اليمني فلا نستطيع الجزم بأي تكهن نظراً إلى تقلب مزاج الرجل الذي لا يتحرج من قول نعم ولا في الوقت نفسه،
ولكنها قضية مرتبطة بملفات ملتهبة ينظر إليها في إطار عام يحدده مدى استجابة بعض السياسات المطروحة في شأنها، ومنها ملف المفاوضات الأميركية الإيرانية".
ضمن حلول عامة
من جهته يستبعد رئيس "مركز المستقبل اليمني للدراسات الإستراتيجية" فارس البيل أن تحمل هذه الجولة أي مشروع لحل المشكلة اليمنية، وقال إن "ترمب ينظر إلى ما يقوم به الحوثي كورقة ضغط تستخدمها إيران لتحسين شروطها التفاوضية لا أقل ولا أكثر"،
وعلى رغم تصاعد حدة الصراع بين إيران وإسرائيل أخيراً في ساحة اليمن وما سببه ذلك من سخط متبادل بين تل أبيب وواشنطن، عقب وقف الأخيرة عملياتها ضد الحوثيين،
يرى البيل أن "طبيعة المشكلة اليمنية لا تحظى بأي اهتمام من الإدارة الأميركية، بقدر ما تنظر إلى الميليشيات الحوثية كورقة في التفاوض مع إيران"،
متوقعاً "مناقشة ملف اليمن في إطار المنطقة بصورة عامة، وقد يؤيد ترمب طبيعة الحل السلمي ولكن هذا سيعتمد على ما ستنتجه المفاوضات المقبلة مع إيران والتي ستجري مناقشة أبعادها في زيارة الرياض،
بمعنى أنه إن كان هناك اتفاق مع إيران فأتصور أن انعكاساته ستدفع الإدارة الأميركية إلى تأييد العودة لخريطة الطريق أو أي حلول سياسية، أما في حال عدم الاتفاق فقد تعود الولايات المتحدة لشن عمليات عسكرية جديدة ضد ميليشيات الحوثي".
مساعدات لليمن من مركز الملك سلمان
من جانب آخر وقع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الإثنين اتفاقتي تعاون مشترك مع مؤسستين للمجتمع المدني في اليمن لتقديم 86.810 مليون ريال سعودي (نحو 23.14 مليون دولار) للحد من انعدام الأمن الغذائي في المناطق الأكثر تضرراً في البلاد.
ويواجه الملايين الجوع في اليمن بسبب فجوات حادة في التمويل والتضخم العالمي والتأثير غير المباشر للحرب فضلاً عن التصعيد بالمنطقة.
ونقلت وكالة الأنباء اليمينة الرسمية عن المركز القول إن عدد المستفيدين يبلغ 1.47 مليون شخص في محافظات الحديدة وتعز وعدن ولحج والضالع وأبين وشبوة وسقطرى وحضرموت والمهرة ومأرب والجوف وحجة وصعدة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) قالت في تقرير في مطلع مارس (آذار) الماضي، إن نقص الغذاء في مناطق سيطرة الحكومة في جنوب اليمن وشرقه زاد إلى 53 في المئة، وفي مناطق سيطرة الحوثيين إلى 43.7 في المئة،
مما يعني "أن أسرة واحدة من كل أسرتين تجد صعوبة في الحصول على حاجتها من الغذاء".
وتوقع التقرير استمرار تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي خلال الفترة المقبلة بالتزامن مع ذروة موسم الجفاف والأزمة الاقتصادية نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
توفيق الشنواح
صحافي يمني