فرص تجنّب المجلس الانتقالي الجنوبي خيار الحسم العسكري
الرأي الثالث
يفتح التحذير السعودي في أحداث جنوبي اليمن، مع دعوة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إخراج قواته من المعسكرات في محافظتَي المهرة وحضرموت وتسليمهما "سلمياً" للحكومة المعترف بها دولياً
وتوعد التحالف الذي تقوده السعودية بأنّ قواته ستتعامل مباشرةً مع أي تحركات عسكرية للمجلس،
وذلك بعد غارات جوية أمس الجمعة استهدفت مواقع "قوات النخبة الحضرمية" التابعة للمجلس في وادي نحب في حضرموت؛ باب التساؤلات حول الموقف الذي سيتخذه "الانتقالي" للتعامل مع الوضع الراهن. يأتي ذلك في ظل تضارب المعطيات بين ترجيحات بتراجع "الانتقالي" أمام الضغوط، وبين تصريحات لمسؤولين فيه ومصادر مقربة منه تؤكد التوجّه لمزيد من التصعيد.
وأفادت مصادر مقربة من المجلس الانتقالي الجنوبي وشهود عيان بأنّ "الانتقالي" دفع بتعزيزات كبيرة من قواته اليوم إلى محافظة حضرموت شرق اليمن، ضمن مساعيه لتعزيز وتثبيت نفوذه في المحافظة.
وتتزامن هذه التعزيزات مع الدعوة والتعبئة والتحشيد الشعبي والجماهيري الذي يقوم به المجلس الانتقالي في جميع مناطق ومحافظات جنوب اليمن، إلى سيئون عاصمة وادي وصحراء محافظة حضرموت، للمشاركة في مظاهرات ومسيّرات غداً الأحد في سيئون دعماً لقواته وخطواته في بسط سيطرته على حضرموت والمهرة،
والدعوة لإعلان دولة الجنوب، ورفض الإجراءات التي يقوم بها التحالف بقيادة السعودية، والتي سيقوم بها بعد طلب الشرعية للتدخل العسكري ضد تحركات المجلس الانتقالي العسكرية في حضرموت والمهرة شرق البلاد.
وفي تعليق على التدخل السعودي، قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، عبر حسابه على إكس، إنه "يثمن عالياً الاستجابة العاجلة من قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن،
لطلبنا باتخاذ إجراءات فورية من أجل حماية المدنيين في محافظة حضرموت بموجب توصيات مجلس الدفاع الوطني، وبما يفضي إلى استعادة الأمن والاستقرار، وصون السلم الأهلي، والمركز القانوني للجمهورية اليمنية"،
وأكد العليمي الدعم الكامل لجهود السعودية والإمارات، داعياً المجلس الانتقالي "إلى الاستجابة الفورية لهذه الجهود، والانسحاب من حضرموت والمهرة، وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن والسلطات المحلية، حفاظاً على وحدة الصف والمصلحة العليا للبلاد".
وفي السياق، أصدرت "مرجعية قبائل حضرموت"، بياناً أعلنت فيه "وقوفها الكامل إلى جانب السلطة المحلية بمحافظة حضرموت بقيادة المحافظ سالم أحمد الخنبشي، باعتبارها الجهة الشرعية المسؤولة عن إدارة شؤون المحافظة والحفاظ على أمنها واستقرارها"،
مشدّدة على أن "فرض أي واقع بالقوة مخالف لإرادة أبناء المحافظة أمر مرفوض قطعاً"، وثمّنت "مرجعية قبائل حضرموت"، "عالياً جهود المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في رعاية مساعي التهدئة واحتواء التوتر"،
مؤكدة "دعمها لأي خطوات تهدف إلى خفض التصعيد وحماية المدنيين وصون هيبة الدولة"،
وشدّدت على أن "أي تحركات عسكرية أو إجراءات خارج إطار الدولة ومؤسّساتها الشرعية تُعد تجاوزاً خطيراً على خصوصية المحافظة، وتقويضاً لسير التسوية السياسية في اليمن وتهديداً للسلم الاجتماعي، واعتداءً على إرادة أبنائها".
"محاولة أخيرة لسحب فتيل العمل العسكري"
وحول التطوّرات في الساعات الأخيرة، كشف مصدر جنوبي قريب من السلطات اليمنية المعترف بها دولياً، عن "محاولة أخيرة تقوم بها أطراف خارجية لسحب فتيل العمل العسكري" للتعامل مع "الانتقالي"،
مرجحاً أن يستجيب "الانتقالي" لهذه الجهود لأنّ التراجع خطوة إلى الخلف سيكون أفضل من خسارته كل شيء، خصوصاً أن هناك إجراءات قد تُتخذ ضده تتجاوز العمل العسكري،
منها إعلانه كياناً متمرداً وتعرضه وبعض قياداته لعقوبات وحصاره ومنع وصول الأسلحة أو الدعم إليه.
في المقابل، دلت التصريحات العلنية لمسؤولي المجلس الانتقالي ومقربين منه إلى اتجاه نحو التصعيد وعدم التراجع، واعتبار أي عمل عسكري سعودي في حضرموت والمهرة بمثابة احتلال،
مع دعوات للحشد والتعبئة في كل مناطق الجنوب إلى مدينة سيئون عاصمة وادي وصحراء حضرموت.
وفي هذا السياق، كتب رئيس الهيئة السياسية في المجلس الانتقالي أنيس الشرفي عبر "إكس"، "إنّ استدعاء التحالف العربي إلى مواجهة شريك ميداني رئيسي، كان في مقدمة الصفوف التي تصدت للحوثيين،
لا يمثل فقط قراءة مغلوطة لموازين الصراع، بل ينطوي على ابتزاز سياسي خطير، ومحاولة لتوريط التحالف في معركة تتناقض جذرياً مع الأسس التي قام عليها تدخله، من خلال إطلاق عملية عاصفة الحزم"،
واعتبر أن "هناك محاولة لتوظيف التحالف العربي ذاته أداة ضغط أو صدام داخلي، في سابقة تهدد مصداقية الشراكات القائمة، وتؤدي لتفتت وانهيار جبهة مواجهة الحوثيين".
كما قال القيادي البارز في "الانتقالي" فضل الجعدي عبر "إكس": "سنمضي نحمل قضيتنا تحت كل الظروف بقلوب قوية وأرواح تتلهف للفداء،
لن نهاب الخصوم مهما كانت تحالفاتهم سواء باسم الدين أو باسم الوحدة، صمد شعبنا بإصرار ودافع عن أرضه بالدماء وهزم بعزيمته جحافل غزوهم،
ولا تزال الأصابع على الزناد لحماية الأرض والتضحيات والمنجزات، والحق هو المنتصر".
من جهته، كتب رئيس شؤون المفاوضات في "الانتقالي" ناصر الخُبجي، على "إكس"، إن "كل الاحتمالات متوقَّعة، وليس مستبعداً أن يجري تشجيع وتحريك ما يُسمّى بـ"الذئاب المنفردة" من أسوأ العناصر،
بما فيها بقايا القاعدة وداعش، لإرباك المشهد الأمني واستهداف القوات المسلحة الجنوبية،
وهو ما يتماهى مع ما تشهده حضرموت اليوم من محاولات واضحة لخلط الأوراق وضرب الاستقرار، كما حدث سابقاً في عدة مناطق"،
وأضاف الخبجي أن "محاولات كسر الإرادة أو اختبار صبر الجنوب ستفشل كما فشلت من قبل"، متابعاً "الأمن خط أحمر، وحضرموت جزء أصيل من معركة الاستقرار، ومكافحة الإرهاب خيار ثابت لا مساومة عليه".
أسباب تصعيد الرياض موقفها
وعن الأسباب التي دفعت الرياض لتصعيد موقفها، تحدثت مصادر متابعة للتطوّرات في جنوب اليمن ، عن رسائل سياسية وعسكرية عديدة سعت السعودية لتوجيهها في الأيام الأخيرة بعد سيطرة "الانتقالي" على محافظتَي حضرموت والمهرة، أوائل ديسمبر/كانون الأول الحالي،
بدأت بالتحليق المستمر للطيران الحربي السعودي في أجواء المحافظتَين قبل أيام، قبل حصول القصف على مواقع على "قوات النخبة الحضرمية" التابعة للمجلس في حضرموت أمس الجمعة، علماً أن الرياض لم تعلن رسمياً مسؤوليتها عن القصف.
وأشار مصدر سياسي يمني رفيع ، إلى أن مهاجمة قوات "الانتقالي" منطقة غيل بن يمين في حضرموت في محاولة للقضاء على رئيس حلف قبائل حضرموت الشيخ عمرو بن حبريش المدعوم سعودياً، اعتبرته الرياض تجاوزاً لخطوطها الحمراء وتجاهلاً لكلّ رسائلها.
فارس الجلال