الزواج في اليمن... غلاء المهور الفاحش يفاقم أزمة العنوسة
رفعت عوامل عدة نسبة العنوسة في اليمن، بعضها ترتبط بعادات المجتمع المحافظ وتقاليده، وأخرى نتجت من الأوضاع الاقتصادية المتردية وسط الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
يُعدّ غلاء المهور العامل الأبرز الذي يزيد ظاهرة العنوسة بدرجة غير مسبوقة في المجتمع اليمني، إذ أصبح إلى جانب ارتفاع تكاليف حفلات الزواج معياراً للمباهاة والتنافس بين القبائل والأسر، ما انعكس سلباً على حياة شبان وشابات وجدوا المزيد من العوائق في طريق الزواج.
وتتفاوت المهور في المحافظات اليمنية، وترتفع إلى أرقام خيالية لدى قبائل في الشمال والشرق، وتصل إلى 60 ألف ريال سعودي (16 ألف دولار)، وتزيد تعقيدات زواج الشباب والشابات.
كما يمثل ارتفاع تكاليف حفلات الزواج عبئاً إضافياً عليهم، ما يرفع نسبة العنوسة ويجعل كثيرين يعزفون عن الزواج لأنهم يجدون أنفسهم عاجزين عن توفير الالتزامات المالية.
يقول عبد الوهاب أحمد سعيد (48 سنة) "أحببت فتاة من محافظة حضرموت وتقدمت للزواج منها. ولأنني من خارج قبيلتها طلب مني أهلها 40 ألف ريال سعودي (11 ألف دولار) مهراً بخلاف تكاليف حفل الزواج التي تقدر بعشرة آلاف ريال سعودي (2700 دولار) حداً أدنى،
إضافة إلى دفع تكاليف تجهيز الشقة الزوجية، وهو ما عجزت عن توفيره فبقيت بلا زواج".
تصنف المهور في اليمن مرتفعة جداً مقارنة بدخل الفرد، حيث يعيش اليمنيون في وضع اقتصادي متردٍّ، إذ يبلغ متوسط الرواتب في الوظائف الحكومية 130 ريالاً سعودياً (35 دولاراً) فقط، ما يجعل كثيراً من الشباب يعجزون عن توفير متطلبات الزواج.
وتلعب العادات والتقاليد دوراً في غلاء المهور، وتحدد القبائل والأسر مبلغاً لمن يرغبون في الزواج من داخل الأسرة، ومبلغاً آخر لمن يتقدمون للزواج من خارج الأسرة أو القبيلة، ويكون أكبر من المهر المحدد داخل القبيلة نفسها.
وتقع العديد من الفتيات ضحايا لهذه العادات والتقاليد التي تضع حواجز بينهن وبين الزواج في حال تقدم شاب من خارج القبيلة للزواج منهن، إذ تفرض عليه القبيلة مهراً كبيراً يصل إلى 50 ألف ريال سعودي (13300 دولار)،
كما الحال في بعض قبائل صنعاء والمهرة وحضرموت (شرق) ويافع (جنوب).
تقول هاجر (37 سنة)، وهي من قبيلة همدان بصنعاء : "أعاني مثل فتيات كثيرات العنوسة بسبب غلاء المهور. رغم أن التعاليم الدينية تدعو إلى تيسير الزواج، تظل سطوة العادات والتقاليد كبيرة في هذا المجال،
وتتنافس القبائل والأسر على رفع المهور، ما ينعكس سلباً على النساء اللواتي يرغبن في الزواج لكنهن يعجزن عن اتخاذ موقف لتيسيره وتقليل المهور، ما قد يفوّت قطار الزواج عليهن، ويصبحن عانسات".
وزادت عوامل أخرى معدلات العنوسة في اليمن الذي تشير بعض التقارير إلى أن نسبتها تتجاوز 30% في ظل تخيير العديد من الفتيات، خاصة في الأرياف بين إكمال دراستهن أو الزواج، ما يجعل بعضهن يخترن إكمال دراستهن،
ثم يجدن أنفسهن عانسات خاصة في ظل عزوف الشباب في المجتمعات القبلية والأرياف عن الزواج من جامعيات.
وتقول نجوى (43 سنة) : "تقدم العديد من الشباب للزواج بي، واشترطوا أن أتوقف عن إكمال دراستي،
وكنت أعتقد بأن الحياة لا تزال أمامي، ولا بدّ من تحقيق أملي بإكمال دراستي، وحين جرى تخييري بين إكمال الدراسة أو الزواج اخترت إكمال الدراسة حتى الماجستير،
ثم وجدت نفسي غير مرغوبة في الزواج كما في السابق، خصوصاً أن المجتمع يعاني غالباً قناعات تقليدية، ولا يرغب في امرأة جامعية أو متعلمة".
أيضاً ضاعفت الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات تعقيدات الزواج وتكاليفه المالية، كما زادت معدلات الفقر والبطالة، وساهمت الظروف الاقتصادية المتردية في عزوف الشبان عن الزواج خوفاً من تحمل مزيد من المسؤوليات.
يقول الباحث الاجتماعي فهد المتوكل : "عانى اليمن في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في معدلات العنوسة التي وصلت إلى 35% نتيجة عوامل عدة، أبرزها الاقتصادي، حيث بات يصعب على من يرغب في الزواج في توفير مبلغ المهر وتكاليف حفلات الزواج.
ولا شك في أن العوامل الاجتماعية ضاعفت تحديات الزواج من قبيلة أخرى، إضافة إلى التفاوت القبلي الذي برز بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حيث تشترط بعض الأسر أن يكون المتقدم للزواج منها، ومن أسرة معروفة ذات مكانة اجتماعية، ما زاد نسبة العنوسة".
يضيف: "يميل معظم شبان المجتمع اليمني إلى الزواج من فتيات صغيرات السن، تحديداً بين 18 و25 سنة، ومن تتجاوز هذه السن تعتبر نفسها عانسة. وهذا الأمر يمنع إكمال معظم الفتيات اللواتي يتزوجن الدراسة، كما يقلص فرص المرأة الجامعية أو الموظفة في الزواج".
فخر العزب
صحافي يمني