صراع النفوذ وتصادم المشاريع: تصادم أم تكامل؟
تشهد المنطقة العربية صراعًا إقليميًا حادًا بين ثلاثة مشاريع ذات طابع أيديولوجي متطرف، تسعى جميعها إلى تحقيق نفوذها على حساب الدول العربية، التي تحولت إلى ساحة للتنافس بدلًا من أن تكون طرفًا فاعلًا في تحديد مصيرها. هذه المشاريع الثلاثة – الإسرائيلي، التركي، والإيراني – تعكس تنافسًا مركبًا بين أيديولوجيات متطرفة ومصالح جيوسياسية متشابكة، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذا الصراع: هل هو تصادم حتمي أم تكامل مرحلي؟
1. المشروع الإسرائيلي: “إسرائيل العظمى''
يقوده بنيامين نتنياهو عبر الأيديولوجية الصهيونية المتطرفة، ويسعى إلى توسيع النفوذ الإسرائيلي سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. شهد هذا المشروع تقدمًا سريعًا في ظل تغييرات إقليمية ودولية تصب في مصلحة إسرائيل، سواء من خلال *التطبيع* مع بعض الدول العربية أو إضعاف الخصوم التقليديين في المنطقة.
وقد تعزز هذا التقدم بفعل المواجهات الأخيرة، التي تلقى فيها المشروع الإيراني ضربة موجعة، حيث فقد إيران جزءًا كبيرًا من نفوذها في سوريا ولبنان. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يستطيع المشروع الإسرائيلي الحفاظ على مكاسبه في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها إسرائيل؟
**وهل يمكن لهذا المشروع أن يحقق أهدافه الطويلة الأمد في ظل فشله المتكرر في القضاء على المقاومة الفلسطينية، صاحبة الحق التاريخي في الأرض، والتي تظل رمزًا لصمود الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؟
2. المشروع التركي: “تركيا الكبرى”
يرتكز هذا المشروع على إحياء الخلافة العثمانية عبر الإسلام السياسي، مستغلًا حالة التغيير في سوريا، حيث دعم الإسلام السياسي السني الذي تمكن من السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد.
حققت تركيا اختراقات مهمة، لا سيما في سوريا، حيث تلاقت مصالحها مع المشروع الإسرائيلي في لحظة تاريخية فارقة. هذا التلاقي يطرح تساؤلًا مهمًا: هل يعكس تكاملًا مرحليًا بين المشروعين، أم أنه يحمل في طياته صدامًا مستقبليًا قد يعيد رسم موازين القوى في المنطقة؟
3. المشروع الإيراني: “الهلال الشيعي”
يسعى هذا المشروع إلى توسيع النفوذ الإيراني عبر الأيديولوجية الشيعية الثورية، لكنه يواجه تراجعًا كبيرًا بعد أن خسر بعض أهم منطلقاته الإقليمية، نتيجة تمدد المشاريع المنافسة والضغوط الدولية المتزايدة على إيران.
ومع ذلك، لا ينبغي الاستهانة بقدرة إيران على إعادة تشكيل استراتيجيتها، خاصة في ظل دعمها للميليشيات المسلحة في عدة دول عربية، مما يجعلها لاعبًا صعبًا يمكن أن يعيد ترتيب أوراقه في أي لحظة.
- المشروع العربي الغائب:
في ظل هذا المشهد، يغيب المشروع العربي الفاعل، حيث تحولت الدول العربية إلى ساحة نفوذ لهذه المشاريع بدلًا من أن تكون فاعلًا رئيسيًا في تحديد مستقبلها. هذا الغياب يفتح الباب أمام القوى الدولية الكبرى، التي تدير هذا الصراع كـلعبة شطرنج، حيث تتحكم في مسار الأحداث عبر دعم طرف وإضعاف آخر، وفقًا لمصالحها الاستراتيجية.
والنتيجة النهائية، سواء في النسخة الحديثة من سايكس بيكو التي تريد تحديثه أو في أي سيناريو جديد، تظل ثابتة: الكبار يربحون، والعرب هم الخاسر الأكبر.
الخلاصة:
الصراع بين هذه المشاريع ليس مجرد تصادم أيديولوجيات، بل هو أيضًا صراع مصالح جيوسياسية معقدة. في حين أن التكامل المرحلي بين بعض هذه المشاريع قد يبدو ممكنًا في المدى القصير، إلا أن طبيعة الصراع الإقليمي تشير إلى أن التصادم المستقبلي قد يكون حتميًا. وفي كل الأحوال، يبقى السؤال الأكبر: متى ستستعيد الدول العربية دورها كفاعل رئيسي في تحديد مصيرها بدلًا من أن تكون مجرد ساحة لصراعات الآخرين؟
* دبلوماسي وسياسي يمني