اليمن بين نار السلاح وحسابات الإقليم!!
شهد اليمن منذ عام الفين وأحد عشر تحولات كبيرة بدأت باحتجاجات شعبية سلمية في سياق الربيع العربي تطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد وبناء دولة مدنية عادلة غير أن هذه المطالب تحولت إلى أزمة سياسية عميقة بعد توقيع المبادرة الخليجية التي رعتها دول الخليج والولايات المتحدة وأيدتها الأمم المتحدة. .
حيث تم نقل السلطة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى نائبه مقابل منحه الحصانة وقد أجهضت هذه الصفقة فرصة الانتقال الحقيقي للسلطة وأبقت الدولة في قبضة النظام القديم مما أفسح المجال أمام فراغ سياسي عجزت قوى ما بعد الثورة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين عن ملئه. .
فاستغلت جماعة الحوثيين هذا الوضع وتحركت من صعدة باتجاه صنعاء متحالفة مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام حتى دخلت العاصمة في سبتمبر الفين وأربعة عشر لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية.
مع انطلاق عملية عاصفة الحزم في مارس الفين وخمسة عشر دخل اليمن صراعاً إقليمياً مباشراً بين التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات وبين الحوثيين المدعومين من إيران حيث استطاع الحوثيون رغم الحصار العسكري والاقتصادي أن يرسخوا سلطتهم في شمال البلاد وأن يطوروا قدراتهم العسكرية لتشمل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي استُخدمت في استهداف مواقع حيوية داخل السعودية. .
وفي المقابل عجزت الحكومة الشرعية عن استعادة المبادرة كما فشلت في توحيد القوى المناهضة للحوثيين خاصة مع صعود المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم إقليمي مما جعله رقماً صعباً في المعادلة اليمنية. .
تكرست حالة الانقسام داخل اليمن بين سلطات أمر واقع في الشمال والجنوب كل منها يعمل على بناء مؤسسات موازية للسلطة الشرعية حيث يدير الحوثيون مناطقهم من خلال منظومة حكم مركزية. .
بينما أنشأ المجلس الانتقالي هياكل سياسية وأمنية مستقلة في عدن ومحافظات أخرى في الجنوب وقد ساهم هذا التشظي وتضارب المصالح الإقليمية في عرقلة فرص الحل السياسي الشامل. .
أما الولايات المتحدة فقد لعبت دوراً مزدوجاً دعمت من جهة التحالف العربي عسكرياً ثم دخلت على خط الأزمة من جهة أخرى بمبادرات سياسية لكنها لم تمارس ضغطاً متوازناً على جميع الأطراف. .
في هذا السياق أدت القوى غير الرسمية كالمكونات القبلية والجماعات السلفية أدواراً مؤثرة في مناطق عدة حيث تحركت القبائل بحسب مصالحها وتحالفاتها فيما خاضت الفصائل السلفية مواجهات مسلحة ضد الحوثيين بدعم اقليمي. .
كما استفاد تنظيم القاعدة من الفوضى ليستعيد نشاطه في بعض المناطق الجنوبية قبل أن يتراجع تحت ضغط الضربات الجوية الأمريكية عبر الطائرات المسيرة . .
وفي وقت لاحق شنت الولايات المتحدة هجمات مباشرة ضد مواقع حوثية في صنعاء والحديدة رداً على استهداف الحوثيين للملاحة الدولية. .
لكن هذه الضربات لم تغير ميدان المعركة بل ساعدت الحوثيين على تعزيز خطابهم السياسي مما دفع واشنطن إلى وقف التصعيد تدريجياً والدخول في تفاهمات غير معلنة عبر وسطاء إقليميين خصوصاً سلطنة عمان وهو ما ساهم في تهدئة نسبية خاصة في البحر الأحمر. .
رغم المبادرات الأممية مثل اتفاق ستوكهولم إلا أن غياب موقف دولي موحد وضعف أدوات الضغط جعل من هذه المسارات أدوات لإدارة الأزمة لا حلها. .
فقد ركزت الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة على حماية أمن الملاحة ومكافحة الإرهاب أكثر من التركيز على إنهاء الحرب وبناء الدولة وهو ما أدى إلى استمرار النزاع ضمن منطق صراع طويل الأمد وتوازنات هشة بين سلطات الأمر الواقع. .
خروج اليمن من أزمته الراهنة يتطلب إرادة دولية حقيقية تنطلق من خطوات عملية تشمل أولاً إطلاق مفاوضات سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة وبدعم خليجي. .
* سفير بوزارة الخارجية