اليمن: بين خيانة الداخل وتآمر الخارج... وطنٌ يُصلب كل يوم ولا يصرخ
اليمن ليست بلدًا يئن، بل روحٌ تذوب بين فكي الخيانة والخذلان. ليست مجرد جغرافيا جريحة، بل تاريخٌ مصلوب على جدران العار العربي، تنزف ذاكرته عند كل طلقة، وتصمت كأنها اعتادت الجرح.
هذه البلاد، التي كانت يومًا مشعلًا في قلب الحضارة، تُطفأ شموعها اليوم على أيدي من كانت تنتظر منهم النور.
اليمن، هذه الأمة المصغرة، لم تُؤكل كما تؤكل الثمار الناضجة، بل قُطّعت كما يُقطّع اللحم الحي، وأُكلت بأنياب أهلها قبل أن تمتد إليها سكاكين الغرباء.
من الداخل، خانها من باعها باسم السلالة، ومن تاجر بها باسم الجمهورية، ومن مزقها باسم القضية، ومن طعنها تحت لافتة الدين، أو فوق منصة الوطن.
من الداخل، تماهى القاتل والمنافق: حوثيٌّ باع دينه لملالي الدم، ونافذٌ طعن الثورة باسم السياسة، وحزبٌ تقيأ المبادئ عند أول مائدة، ومثقفٌ استبدل القلم بالسيف، والصمت بالخيانة.
ومن الخارج، كانت الخناجر مغلفة بالذهب، والدبلوماسية بلبوس الشيطان. دول تضحك أمام الكاميرات وتُغرق اليمن في الظلام، وأمم تصدر قراراتها بمداد من دماء الأطفال.
أمريكا التي تتغنى بالديمقراطية سلّحت القتلة، وإيران التي تلعن الشيطان الأكبر تبنّت الشيطان الأصغر. الجميع شارك في رقصة الموت على جسد اليمن.
لكن الخيانة ليست نهاية القصة.
الدواء موجود، لكنه ليس في صيدليات الأمم المتحدة، بل في أعماق هذا الشعب الجريح.
دواء اليمن هو: الوعي، ثم الوعي، ثم الثورة على الوعي الزائف.
دواؤها في أن ينهض المظلوم، لا ليرث مكان الظالم، بل ليهدم أساس الظلم كله.
في أن تفكّك الجماهير الأوهام الموروثة، أن تسحق قدسية السلالة، وتكسر صنم المناطقية، وتعيد بناء الإنسان أولًا، لا المباني.
دواء اليمن في أن يعرف اليمني من باعه، ومن سرقه، ومن استخدمه، ومن جعله وقودًا في حروب غيره.
النجاة تبدأ حين لا نبحث عن منقذ خارجي، بل عن إرادة داخلية ترفض أن تموت بصمت، وتبصق على كل من تواطأ باسم الأخوّة أو العروبة أو العقيدة.
فيا أيها اليمني، لا تصدق أن الخراب قدرك، ولا تسمح للخونة أن يكتبوا تاريخك بدمك. أنت الجدار الأخير الذي يقف، والحقيقة الأخيرة التي لم تُكسر.
لا ترفع راية القبيلة فوق الوطن، ولا راية الطائفة فوق الإنسان، ولا راية الخارج فوق كرامتك.
اليمن لا تحتاج إلى فارس يأتي على حصان أبيض.
اليمن تحتاج إلى شعبٍ لا يقبل السلاسل، ولو كانت من ذهب.