
أزمات غزة تتفاقم مع حصار الاحتلال وعدوانه
بعد أكثر من 21 شهراً على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة المحاصر، تتفاقم الأزمة الإنسانية المركّبة التي يعاني منها الفلسطينيون في القطاع أكثر فأكثر. وتطاول الأزمة مناحي الحياة كافة، لتشكّل أزمات متعدّدة تؤرّق أهل القطاع باختلافهم.
وتوصَف ظروف الفلسطينيين بالمأساوية وسط الحصار الإسرائيلي المشدّد ومنع إدخال المواد الغذائية إليهم وكذلك الإمدادات الأساسية اللازمة، من بينها تلك المنقذة للحياة، الأمر الذي تسبّب في تدهور الأوضاع الإنسانية على نحو غير مسبوق منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويُسجَّل نقص شديد في مخزون الأغذية ومختلف الموارد الأساسية في قطاع غزة المنكوب، فيما نفدت أصناف كثيرة أوّلية، الأمر الذي يزيد من قسوة واقع أهل غزة أينما وُجدوا، سواء في بيوت إمّا آيلة إلى السقوط، وإمّا مدمّرة، أو في مخيمات ومدارس ومراكز للنزوح تؤوي مئات الآلاف الذين هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية.
يأتي ذلك في ظلّ تعنّت الاحتلال الإسرائيلي في مسألة تشديد حصاره على القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات الغذائية والطبية، وكذلك الوقود، بالإضافة إلى قطع خطوط المياه وشبكات الاتصال والإنترنت.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أحكم حصاره على قطاع غزة وأهله في الثاني من مارس/ آذار 2025، قبل أن يستأنف عدوانه في 18 من الشهر نفسه، وذلك بعد هدنة لم تدم شهرَين بعدما دخلت حيّز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني من العام نفسه،
علماً أنّ خروقات عديدة تخلّلت تلك الهدنة الهشّة. ويهدّد ذلك بتدهور أكبر، ولا سيّما وسط الجوع المرصود ومستويات سوء التغذية المرتفعة، فيما تتواصل التحذيرات من مجاعة محتملة، ولا سيّما مع تسجيل وفيات ذات صلة.
ويتزامن النقص الحاد في المواد الغذائية ومقوّمات العيش الأساسية مع غلاء غير مسبوق في أسعار السلع التي تتوفّر بكميات ضئيلة، في الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من أوضاع اقتصادية صعبة جداً، من جرّاء فقدان مصادر دخلهم، إلى جانب استنزاف مدّخراتهم وسط العدوان الذي طال أمده.
ولعلّ المشاهد المتشابهة في مخيمات النزوح بمختلف مناطق قطاع غزة أوضح دليل على المأساة. فبين الخيام المنصوبة، من البلاستيك والقماش، تظهر ملامح البؤس والألم،
فيما يتهافت السكان على عربات توزيع المياه المجانية، في حال توفّرها مع انقطاع المياه المتواصل من جرّاء نقص الوقود المطلوب لتشغيل المضخات والمحطات،
علماً أنّ الانقطاع تام في التيار الكهربائي. ثمّ يأتي ارتفاع درجات الحرارة المسجّلة في هذه الأيام ليزيد من حدّة تدهور الوضع، فيما تهدّد النفايات المكدّسة في الحرّ الشديد ومياه الصرف الصحي المنتشرة في الطرقات وبين المخيمات صحة الناس كما البيئة.
الفلسطيني نصار محمدين من الذين نزحوا من حيّ الشجاعية شرقي مدينة غزة في شمال القطاع ليجدوا مأوى في مخيم نُصب بساحة السرايا وسط المدينة،
ويحكي عن الأوضاع الصعبة والقاسية المتفاقمة التي يعاني منها مع أفراد عائلته، يوماً بعد آخر بسبب نفاد المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، وتدهور الأوضاع المعيشية.
ويقول محمدين إنّه يواجه "صعوبات يومية لتوفير قوت عائلتي، في ظلّ حالة الشحّ الكبير (في المواد الغذائية) والغلاء غير المسبوق".
ويقرّ بأنّه يقف وسط ذلك "عاجزاً عن توفير رغيف الخبز"، فيما تفاقم خسارته مصدر دخله الوحيد الأوضاع، ولا سيّما أنّ الأزمات تطاول "الغذاء والمياه والدواء، في ظلّ انعدام أفق حلول قريبة تنهي المأساة المتزايدة".
ولا تختلف حال محمدين عن أحوال مئات آلاف الفلسطينيين ممّن هُجّروا من بيوتهم أو فقدوها من جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، والذين اضطروا إلى العيش في مخيمات مؤقتة تفتقر إلى أدنى مقوّمات العيش أو المتطلبات اليومية الأساسية.
الفلسطيني سائد عبد العال واحد من هؤلاء، وهو صاحب بقالة مدمّرة يخبر أنّه يعيش اليوم في "خيمة أشبه بالفرن"، وسط ظروف قاسية بسبب نفاد المواد الأساسية وعدم قدرته على توفير بدائل في ظلّ النقص الكبير في السلع وسط الحصار وكذلك غلاء الأسعار،
علماً أنّ ظروفه الاقتصادية معدومة.
ويقول عبد العال إنّ "إغلاق تكايا الطعام المجاني وتوقّف المؤسسات الإغاثية عن تقديم المساعدات الإنسانية بسبب إغلاق المعابر فاقما من حدّة الأزمة"، فهو كان يعتمد عليها بصورة أساسية لسدّ رمق عائلته المكوّنة من ستّة أفراد.
ويشير عبد العال إلى أنّ التحديات في الحرب المتواصلة لا تقتصر على الخطر والخوف من القصف المتواصل والتهديد المباشر لحياته وحياة عائلته، متحدّثاً عن النزوح والنقص في كلّ الإمدادات الأساسية. ويشدّد: "نحن لا نطلب إلا العيش بكرامة وتوفير أدنى المتطلبات".
بدورها، تجد الفلسطينية سمية أبو سعدة عاجزة عن صنع الخبز لأفراد عائلتها أو طهو الطعام بسبب نفاد المواد وغلاء أسعار المتوفّر من دقيق وزيت وخضراوات.
وتقول : "صرنا عاجزين عن تحضير طبق صغير من الحساء للعائلة بفعل الغلاء الجنوني والنقص غير المسبوق". وتشير إلى أنّ "الأنباء حول صفقة التبادل المحتملة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي لم تؤثّر في حالة الأسواق أو أسعار البضائع،
وذلك بفعل طول أمد الإغلاق الإسرائيلي ونفاد معظم المواد اللازمة لتحضير الطعام".
وتشدّد أبو سعدة على "أهمية إتمام الصفقة وفتح المعابر والسماح بتدفّق المساعدات والبضائع، ولا سيّما المواد الغذائية الأساسية، وتوزيعها على الفلسطينيين المرهقين من الحرب، أو على الأقلّ توفيرها بأسعار تناسب الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعاني الجميع منها".
علاء الحلو