إعادة بناء الشرعية في اليمن التحديات وصراع النفوذ الإخواني
تمثل قضية إعادة بناء الشرعية في اليمن واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في المشهد السياسي اليمني لا سيما في ظل حالة التشظي والانقسامات العميقة التي تعصف بالمكونات المناهضة للحوثيين
وعلى الرغم من تأسيس مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022م برئاسة الدكتور رشاد العليمي كخطوة نحو إعادة ترتيب مؤسسات الشرعية وتوحيد القرار السياسي والعسكري .. .. ..
إلا أن واقع السيطرة الفعلية على الأرض والمؤسسات يشير إلى تحديات هيكلية تعيق هذا المسار وعلى رأسها هيمنة جماعة الإخوان المسلمين الممثلة في حزب الإصلاح على مراكز القرار ومفاصل الدولة في مناطق حيوية مثل تعز ومأرب ..
أثبتت التجربة خلال السنوات الماضية أن حزب الإصلاح قد تمكن من فرض نفوذه الكامل على المؤسستين العسكرية والأمنية والإدارية في تعز ومأرب وهما محافظتان تمثلان ركيزتين أساسيتين لأي مشروع وطني أو لإعادة بناء سلطة الدولة في تعز ..
استخدمت جماعة الإخوان الأجهزة الأمنية والمليشيات التابعة لها لإقصاء بقية القوى وإفشال أي جهود لفرض سلطة الدولة أو توحيد الجبهة الداخلية مما خلق بيئة أمنية هشة مليئة بالاغتيالات والانقسامات والصراعات بين الفصائل المسلحة ..
أما في مأرب فبالرغم من أهميتها الاستراتيجية فقد تحولت إلى منطقة نفوذ خالصة للإصلاح يتم من خلالها التحكم بمفاصل القرار المالي والعسكري للشرعية بما في ذلك السيطرة على الموارد والإيرادات وتوجيه القرار السياسي والعسكري وفقًا لأجنداتهم الحزبية الضيقة ..
ساهمت هذه الهيمنة في إضعاف الحكومة المعترف بها دوليًا ليس فقط من خلال احتكار القرار بل أيضًا عبر إفشال أي محاولات لتفعيل مؤسسات الدولة أو القيام بإصلاحات هيكلية ..
كثير من الوزراء والمسؤولين التابعين لحزب الإصلاح مارسوا أدوارًا مزدوجة من جهة يشغلون مناصب رسمية في الشرعية ومن جهة أخرى يخدمون أجندات حزبية خالصة تتعارض مع مبدأ الشراكة الوطنية ..
لم تتوقف جماعة الإخوان عند حدود المناطق الخاضعة لنفوذها بل سعت إلى إضعاف خصومها السياسيين في مناطق الجنوب وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال أدوات إعلامية وميدانية وافتعال أزمات داخلية وشن حملات دعائية ضد قيادة الانتقالي ..
ومحاولة تحريك خلايا داخلية لخلق الفوضى في عدن وأبين وشبوة الهدف من كل ذلك هو إفشال تجربة المجلس الانتقالي في فرض الأمن والاستقرار وعرقلة أي تنسيق محتمل مع الشرعية عبر المجلس الرئاسي ..
يمتد الدور التخريبي إلى مناطق الساحل الغربي حيث تشكل قوات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح نموذجًا مغايرًا عن بقية مكونات الشرعية قائمًا على الانضباط العسكري والرغبة في بناء جيش وطني غير مؤدلج ..
وقد أثار هذا النموذج حساسية كبيرة لدى حزب الإصلاح الذي حاول تشويهه إعلاميًا ومنع التنسيق بينه وبين المجلس الرئاسي خشية بروز بديل وطني قادر على كسب ثقة الداخل والخارج بعيدًا عن العباءة الحزبية الإخوانية ..
يقف الدكتور رشاد العليمي أمام تحد وجودي يتمثل في إعادة بناء الشرعية كجسم سياسي وعسكري وإداري موحد ورغم الجهود التي يبذلها منذ توليه رئاسة المجلس .. ..
إلا أن ضعف الصلاحيات الفعلية وغياب الدعم الصريح من بعض القوى الإقليمية والدولية لصلاحياته الكاملة يجعل مهمته صعبة فنجاحه يتطلب إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية على أساس وطني لا حزبي ..
وتحجيم نفوذ الإخوان داخل الشرعية وإعادة توزيع مراكز القرار بما يعكس التعدد داخل المجلس الرئاسي وتفعيل الجهاز الرقابي والمالي لمنع الفساد وتوجيه الموارد نحو دعم مشروع الدولة والتقارب مع القوى الوطنية الأخرى مثل الانتقالي الجنوبي وقوات طارق صالح ضمن مشروع شراكة حقيقية .. ..
إن إعادة بناء الشرعية في اليمن لن تتحقق في ظل بقاء القرار السياسي والعسكري رهينة لطرف حزبي واحد لا يمكن تصور قيام دولة عادلة جامعة في ظل تفرد الإخوان بالقرار وافتعالهم الأزمات في مناطق شركائهم وتحكمهم بالمؤسسات كغنيمة حزبية ..
نجاح العليمي مشروط بقدرته على فرض هيبة الدولة على الجميع ووقف سياسة الابتزاز السياسي والحزبي والانفتاح على جميع القوى الوطنية الراغبة في بناء يمن جديد يقوم على الشراكة والعدالة وسيادة القانون .. ..
* سفير بوزارة الخارجية