اليمن وممالكها عبر العصور
تاريخ اليمن ليس مجرد سجل للأحداث، بل هو قصة حضارة متجددة، تتجلى في كل مملكة ودولة قامت على أرضها.
من الممالك القديمة التي صنعت مجداً اقتصادياً وتجارياً، إلى الدول الإسلامية التي تركت بصمات عميقة في السياسة والثقافة، ظل اليمن مركزاً حيوياً للتاريخ الإنساني.
هذا المقال يستعرض مسيرة اليمن الحضارية من العصور القديمة وصولاً إلى نهاية الدولة الطاهرية.
اليمن قبل الإسلام: العربية السعيدة
قبل آلاف السنين، كان اليمن يُعرف بلقب "العربية السعيدة" بسبب موقعه الجغرافي الفريد وخصوبة أراضيه، التي سمحت بقيام حضارات عريقة كانت تسيطر على طرق التجارة العالمية.
مملكة سبأ (نحو 1000 ق.م - 275 م): كانت سبأ هي أشهر الممالك اليمنية. اشتهرت بـ سد مأرب العظيم، الذي حول صحراء جرداء إلى واحة خضراء، مما جعلها قوة زراعية واقتصادية. لعبت الملكة بلقيس دوراً كبيراً في التاريخ الديني والثقافي.
كان نفوذ سبأ يمتد عبر قوافلها التجارية التي كانت تتحكم في طريق اللبان والبخور، لتصل إلى بلاد الشام وفارس.
مملكة معين (نحو 1200 - 650 ق.م): قامت هذه المملكة شمال اليمن، ونافست سبأ في التجارة. كانت عاصمتها قرناو مركزاً تجارياً حيوياً، واشتهرت بقدرتها على تنظيم قوافل التجارة التي كانت تسافر لمسافات طويلة.
مملكة قتبان (نحو 800 - 100 ق.م): قامت في جنوب اليمن، واعتمدت بشكل كبير على الزراعة. عاصمتها تمنع كانت مدينة مزدهرة ومركزاً دينياً مهماً. كان لها نفوذ تجاري خاص بها، خاصة في طريق البخور.
مملكة حضرموت (نحو 900 ق.م - 300 م): قامت هذه المملكة شرق اليمن، وكانت لها علاقات تجارية قوية مع الهند وشرق أفريقيا. اشتهرت بثرواتها من البخور واللبان، وكانت مدنها مثل شبوة مراكز تجارية هامة.
مملكة حمير (نحو 115 ق.م - 525 م): آخر الممالك اليمنية القديمة وأقواها، حيث تمكنت من توحيد اليمن تحت حكمها. كان لها نفوذ واسع وصل إلى أجزاء من الحبشة.
من أبرز ملوكها شمر يهرعش الذي اتخذ لقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات"، مما يدل على توحيد اليمن. كما شهدت نهاية حمير سيطرة الأحباش على اليمن لفترة قصيرة.
اليمن في العصر الإسلامي: من التبعية إلى الاستقلال
بعد دخول الإسلام، أصبح اليمن جزءاً من الدولة الإسلامية الكبرى، ولكنه سرعان ما بدأ يستعيد استقلاله السياسي عبر ظهور دول محلية.
الدولة الزيادية (204 - 409 هـ / 819 - 1018 م): تأسست على يد محمد بن زياد، وأصبحت أول دولة مستقلة في اليمن بعد الفتح الإسلامي. كانت عاصمتها زبيد مركزاً علمياً وثقافياً مهماً، وحكمت أغلب مناطق تهامة.
كان نفوذها يمتد من تهامة إلى عدن، وكانت تابعة للخلافة العباسية اسمياً فقط.
ملاحظة حول نشأة دولة بني نجاح: في نهاية عهد الدولة الزيادية، ومع ضعفها، استغل الموالي الأحباش - الذين كانوا يشغلون مناصب عسكرية مهمة - ضعفها. قام أحدهم، وهو نجاح، بالسيطرة على زبيد، وأسس دولة بني نجاح التي حكمت منطقة تهامة.
الدولة اليعفرية (232 - 387 هـ / 847 - 997 م): قامت في نفس الفترة التي قامت فيها الدولة الزيادية، لكن نفوذها كان يتركز في المرتفعات الوسطى والشمالية، وخاصة في صنعاء. كانت منافساً قوياً للزياديين.
الدولة الصليحية (439 - 532 هـ / 1047 - 1138 م): تأسست على يد علي بن محمد الصليحي، وامتد نفوذها ليشمل أغلب اليمن، من المرتفعات إلى تهامة.
كانت الملكة الحرة أروى بنت أحمد الصليحي هي أبرز حكامها، وتميزت بحكمتها وقوتها، وكانت لها علاقات قوية مع الفاطميين في مصر.
الدولة الزريعية (470 - 569 هـ / 1077 - 1174 م): قامت هذه الدولة في عدن، وكانت تابعة في البداية للدولة الصليحية، ثم استقلت عنها. اشتهرت بسيطرتها على ميناء عدن الحيوي، مما جعلها قوة تجارية مهمة. سقطت على يد الأيوبيين.
الدولة الأيوبية (569 - 626 هـ / 1174 - 1229 م): حكمت اليمن كجزء من الدولة الأيوبية الأكبر.
كان نفوذها عسكرياً وسياسياً، ونجحت في توحيد اليمن تحت راية واحدة. كان توران شاه بن أيوب هو أول حكامها.
الدولة الرسولية (626 - 858 هـ / 1229 - 1454 م): تُعد من أزهى فترات تاريخ اليمن الإسلامي.
امتد نفوذها إلى الحجاز وظفار، وكانت عاصمتها تعز مركزاً للعلوم والفنون.
اهتم ملوكها بالزراعة والتجارة، وأسسوا المدارس والمكتبات، مما جعل اليمن منارة علمية في المنطقة.
الدولة الطاهرية (858 - 923 هـ / 1454 - 1517 م): خلفوا الدولة الرسولية، وحاولوا استعادة مجدها.
كان نفوذهم يتركز في المرتفعات الوسطى والجنوبية. حكموا حتى وصول العثمانيين، الذين قضوا على حكمهم وفتحوا صفحة جديدة في تاريخ اليمن.
منذ الأيام الأولى للممالك القديمة وحتى العصور الإسلامية، ظل اليمن أرضاً خصبة للسياسة والثقافة والاقتصاد.
فكل مملكة قامت، لم تكن مجرد كيان سياسي، بل كانت حلقة في سلسلة حضارية لا تنقطع، تشهد على عظمة هذا البلد وشعبه.