
هل ينجح الرفض الخليجي والدولي في إجهاض خطة احتلال غزة؟
مجدداً تجد "إسرائيل" نفسها تحت وطأة الضغوط الدولية، وهذه المرة بعد إقرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت" خطة للسيطرة التامة على قطاع غزة.
القرار الذي فرضه بنيامين نتنياهو على المؤسستين الأمنية والعسكرية (الجمعة 8 أغسطس 2025) قوبل بغضب خليجي وعربي ودولي واسع، وخلق حالة حراك دبلوماسية نشطة لإجهاض هذا القرار، الذي قالت دول الخليج إنه يهدد أمن واستقرار المنطقة.
وتهدف الخطة إلى نزع سلاح "حماس" وإعادة جميع الأسرى الأحياء والأموات، وإخلاء غزة من السلاح، وفرض السيطرة الأمنية على القطاع، وإنشاء إدارة مدنية لا تتبع "حماس" ولا السلطة الفلسطينية.
وقوبلت الخطة برفض واسع في الأوساط الأمنية والعسكرية في "إسرائيل"، إلا أن تمرير "الكابينت" للخطة يفرض على قادة الجيش تنفيذها، بالرغم من عدم وجود استراتيجية واضحة.
وكان من المفترض أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة السبت (9 أغسطس 2025)، بموافقة 14 عضواً من أصل 15، لمناقشة قرار "إسرائيل" احتلال غزة، إلا أنها أجلت إلى يوم الأحد (10 أغسطس 2025)، في ظل ضغوط أمريكية للحيلولة دون عقد الجلسة.
وتواجه خطة "إسرائيل" لاحتلال غزة تعقيدات متزايدة على الصعيد الميداني، في ظل المعارضة الكبيرة لها في الأوساط العسكرية والسياسية، فضلاً عن الضغط الدولي المتزايد، فهل يتراجع نتنياهو عن خطته لاحتلال القطاع؟
رفض خليجي
كانت دول مجلس التعاون الخليجي في طليعة الدول المنددة والرافضة لهذه الخطة، باعتبارها امتداداً لحرب الإبادة المستمرة منذ قرابة 22 شهراً، محذّرة من تداعياتها على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأدانت قطر والكويت والسعودية والإمارات وسلطنة عُمان والبحرين والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي الخطة الإسرائيلية لاحتلال غزة، باعتبارها تحدياً صارخاً لإرادة المجتمع الدولي، وانتهاكاً فاضحاً للقرارات الأممية والقوانين الدولية.
كما أعربت اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية الاستثنائية بشأن غزة، والتي تضم قطر والسعودية والبحرين والأردن ومصر وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين وتركيا وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودولاً أخرى، عن رفضها لإعلان "إسرائيل" نيتها احتلال قطاع غزة.
ولم يقتصر الرفض على الموقف العربي والإسلامي، إذ أدانت عدد من دول العالم خطة "إسرائيل" لاحتلال غزة، واعتبرتها خطوة خطيرة تهدد السلام والاستقرار في المنطقة، وتتقاطع مع جهود التهدئة التي تُبذل في الوقت الحالي.
كما تقدمت بريطانيا والدنمارك وفرنسا واليونان وسلوفينيا، بطلب لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي للنظر في خطة "إسرائيل" للسيطرة على قطاع غزة.
وأيدت روسيا والصين والصومال والجزائر وباكستان وغويانا وكوريا الجنوبية وسيراليون الطلب، لتصبح جميع الدول الأعضاء الدائمة وغير الدائمة مؤيدة لعقد الجلسة باستثناء الولايات المتحدة.
تحركات نشطة
وفور إعلان الاحتلال خطته للاستيلاء على قطاع غزة، استنفرت الدبلوماسية الخليجية ونشطت على الصعيد الإقليمي والدولي لإفشال العملية.
والتقى رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، السبت (9 أغسطس)، بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لبحث خطة إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن.
ونقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مصادر مطلعة قولها إن قطر والولايات المتحدة تعملان على صياغة اقتراح لاتفاق شامل سيقدم لـ"حماس" و"إسرائيل"، في حين نقل موقع "والا" العبري عن مصادر قولها إن "واشنطن تضغط لمنع تنفيذ خطة احتلال القطاع".
كما أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سلسلة من الاتصالات، منذ يوم الجمعة (8 أغسطس)، مع عدد من نظرائه، لتنسيق الجهود في مواجهة خطة "إسرائيل" لاحتلال غزة.
وناقش الوزير السعودي التطورات في غزة مع وزراء خارجية تركيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وفرنسا ومصر، في مسعى لتوحيد المواقف في مواجهة المخطط الإسرائيلي الجديد لاحتلال قطاع غزة.
جبهة إقليمية
لكن يتطلب إجبار الاحتلال على التراجع عن خطته أكثر من البيانات، وفقاً للدكتور محمد العريمي، الكاتب والباحث في الشؤون السياسية ورئيس جمعية الصحفيين العُمانية.
وأضاف العريمي :
- نجاح الضغوط الخليجية والدولية في إجهاض خطة الاحتلال مرهون بتحويلها من بيانات إدانة وأدوات رمزية، إلى كلفة سياسية واقتصادية وأمنية ملموسة تجعل الاحتلال المستدام خياراً باهظ الثمن على صانع القرار في تل أبيب وحلفائه، على حد قوله.
- الجهد الخليجي المنفرد لن يكون كافياً، ويجب تشكيل جبهة إقليمية منسقة تربط ملفات التطبيع والطاقة والملاحة البحرية والجوية بسلوك دولة الاحتلال على الأرض، وخطوات واضحة تشمل وقف الحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وترتيبات انتقالية تحت رقابة عربية ودولية".
- يجب إيصال رسالة مباشرة لواشنطن بأن استمرار خطة احتلال غزة، سيضر بمصالحها الاستراتيجية في ملفات الطاقة والملاحة والاستقرار الإقليمي، كما قال.
إجراءات خليجية
ولفت العريمي أيضاً إلى أن لدى دول الخليج القدرة على ممارسة ضغوط لإفشال مخطط احتلال غزة هي:
- تبني إجراءات دبلوماسية صارمة؛ كتجميد أو تقييد مسارات التطبيع وربطها بجداول زمنية ونتائج ملموسة.
- توظيف الأدوات الاقتصادية والمالية عبر توجيه الصناديق السيادية للتلويح بتعليق أو مراجعة الاستثمارات والصفقات الدفاعية والتقنية مع الداعمين للخطة، وفرض بنود سلوكية في العقود التجارية الكبرى.
- الاستفادة من النفوذ اللوجستي عبر الموانئ والخطوط الملاحية وشركات التأمين الخليجية لرفع كلفة التعامل مع الأنشطة المرتبطة بالاحتلال، واستخدام رافعة الطاقة عبر رسائل منسقة داخل "أوبك+" لإبراز كلفة التصعيد، كما قال.
- من المهم كذلك إنشاء ممرات إنسانية محمية، سواء كانت جسراً بحرياً أو جوياً، بإشراف عربي وأممي، مع ترتيبات حماية للمساعدات والإخلاء الطبي، بما يفرض كلفة سياسية على أي طرف يعرقلها، على حد قوله.
- دعم المسارات القانونية الدولية بتمويل فرق قانونية وتحريك قضايا أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية.
- تفعيل قوانين "ماغنيتسكي" محلياً لاستهداف المتورطين في الانتهاكات، وتشديد الرقابة على المواد والبرمجيات مزدوجة الاستخدام التي قد توظف في تشديد الحصار أو العمليات العسكرية.
- إطلاق مبادرة سياسية انتقالية بالشراكة مع مصر والأردن وتركيا وسلطنة عُمان وقطر، تتضمن إدارة مدنية محلية، وقوة مراقبة عربية - أممية خفيفة، وتبادل أسرى، وخطة إعمار بصندوق ائتماني مشروط.
- إعلان خطوط حمراء واضحة ترفض إقامة منطقة عازلة دائمة أو تهجير خارجي، وربط أي تجاوز لهذه الخطوط بإجراءات تلقائية تشمل خفض التمثيل أو مراجعة الاتفاقيات،
مع تحرك إعلامي وقوة ناعمة تستثمر في توثيق الانتهاكات وتوجيه حملات مؤثرة للرأي العام الغربي، كما قال.
كلفة باهظة
ويرى العريمي أن تنفيذ خطة الاحتلال في غزة سيحول القطاع إلى ساحة حرب استنزاف مفتوحة، تستنزف الطرفين لسنوات.
ولفت إلى أن الضفة والقدس ستشهدان تصاعداً في العنف والاستيطان، واحتمال انهيار الترتيبات الأمنية القائمة مع انتقال التوتر إلى مدن مختلطة وحساسات ديموغرافية.
كما لفت إلى أن سيناء والأردن ستتأثران بضغوط أمنية وإنسانية متزايدة، مع نشاط تهريب وتسليح وارتفاع كلفة الضبط الحدودي، بينما ستزداد احتمالات الاشتباك في الشمال والبحر الأحمر، ما قد يعطل الملاحة ويرفع كلفة التأمين، كما قال.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أشار العريمي إلى أن "العملية ستؤدي إلى ارتفاع المخاطر على النفط والشحن، وتراجع الاستثمارات، وقد تتجمد مسارات التطبيع الاقتصادي"، على حد قوله.
كما أشار إلى أن "خطة الاحتلال ستغذي التطرف وتصاعد التعبئة العابرة للحدود، ما يزيد من حساسية معادلة الأمن الداخلي والشرعية،
فيما ستشهد بنية التحالفات تصلباً في المحاور وتآكلاً في أدوار الوساطة، مع زيادة الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في ظرف انتخابي وأمني معقد".
واختتم حديثه بالقول: "المعادلة واضحة، تتمثل في مشروطية ذكية تربط التطبيع والطاقة والملاحة بمسار انسحاب مُراقب وأفق سياسي، وإلا فسنواجه استنزافاً طويل الأمد،
لأن احتلال غزة ليس استقراراً بالقوة، بل وصفة لتمرد مزمن وتعطيل الملاحة ورفع كلفة المخاطر على اقتصادات المنطقة".