
اشتباكات منبج ومؤتمر الحسكة.. جرس إنذار في شمال وشرق سوريا
الرأي الثالث - وكالات
يعود ملف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والصراع شمال شرق سوريا إلى الواجهة، بعد اشتباكات الأحد (3 أغسطس 2025)، بريف مدينة منبج في حلب، والتي أسفرت عن سقوط جرحى.
توتر جاء بعد حالة هدوء نسبية وتقارب بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، بدعم تركي أمريكي أوروبي، بهدف حل هذا الملف الذي يعتبر من أكثر الملفات المعقدة على طاولة حكومة سوريا الجديدة.
ومن شأن أي انزلاق نحو الحرب بين الجانبين، أن يؤثر بشكل كبير على استقرار سوريا ودول الجوار، وهذا ما تحذر منه تركيا كثيراً، خصوصاً أن "إسرائيل" لن تفوت هذه الفرصة لإيذاء أنقرة، فإلى أين ستتجه الأمور بين الجانبين؟.
تصعيد جديد
أحداث 3 أغسطس تبادل حولها الجانبان الاتهامات في أعقاب الاشتباك الذي أسفر عن وقوع إصابات في صفوفهما، واتهمت وزارة الدفاع "قسد" بارتكاب هجوم غير مسؤول ولا مبرر.
وقالت الوزارة، إن قواتها استهدفت مجاميع من قوات "قسد" في قرية الكيارية، ومحيطها بريف منبج، كما رصدت راجمة صواريخ ومدفع ميداني استُخدمت في الاشتباكات في محيط مدينة مسكنة شرق حلب.
بينما قالت "قسد" إنها استخدمت حقها في الدفاع المشروع بعد هجمات "دير حافر"، في تطور من الممكن أن يشكل تهديداً للاتفاق الذي وقعته مع الحكومة في 10 مارس الماضي، والذي نص على انضمام "سوريا الديمقراطية" إلى مؤسسات الدولة.
ويأتي هذا التصعيد قبيل أيام من لقاء مرتقب في باريس، برعاية أمريكية وفرنسية، يجمع "قسد" مع الحكومة السورية، لمناقشة آلية تنفيذ اتفاق 10 مارس، بهدف إنهاء الأزمة القائمة حالياً.
آلية غير واضحة
وحتى اللحظة، لا تزال كيفية وآلية انضمام "قسد" تحت لواء القوات الحكومية في سوريا غامضة، الأمر الذي يفتح الباب أمام التصعيد، وسط مخاوف من تكرار سيناريو السويداء، لكن هذه المرة بشكل أوسع في شمال وشرق البلاد.
وقال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، في تصريحات أدلى بها مؤخراً، إن اللقاء المرتقب في باريس، سيناقش آلية تنفيذ اتفاق مارس، مؤكداً أن الأبواب مفتوحة للحوار وأنه لا خيار سوى الحل السياسي لإنهاء الأزمة.
وتخضع الرؤية الحالية للحل، لاعتبارات عدة منها الضغوطات الخارجية، إذ تتأرجح قضية "قسد" بين العزم التركي لطي صفحة هذه القضية، والتفهّم الأمريكي لمخاوف أنقرة، والرغبة في دعم حكومة دمشق،
وأخيراً الانحياز الفرنسي لصالح "سوريا الديمقراطية"، في مواجهة ضغوطات تركيا، بحسب تقرير لموقع "الجزيرة نت" (5 أغسطس).
وتعتبر أكبر العقبات التي تواجه التوصل إلى اتفاق دائم بين "قسد" والحكومة السورية هي مسألة اللامركزية، فبينما ترفض الحكومة التقسيم أو أي شكل من أشكال الحكم الذاتي في المناطق الشمالية، تصر قسد على أن العلاقة مع دمشق يجب أن تكون على أساس الشراكة، لا المركزية، وهذا يمثل العقبة الأكبر.
الموقف التركي
ولعل أكثر الدول اهتماماً بما يحدث في شمال وشرق سوريا، هي تركيا، المتضرر الأول من التوترات هناك، وهي أيضاً المستفيد الأكبر من استقرار الأوضاع في سوريا.
ويوم الخميس (7 أغسطس)، قال مصدر في وزارة الدفاع التركية، إن قوات سوريا الديمقراطية لا تلتزم بالاتفاقية التي وقعتها مع الحكومة السورية هذا العام للانضمام إلى مؤسسات الدولة، وأن الاشتباكات الأحدث بينهما تُضر بوحدة سوريا.
تركيا أشارت إلى أن هجمات قوات "قسد"، التي تعتبرها منظمة إرهابية، في ضواحي منبج وحلب ضد الحكومة السورية في الأيام القليلة الماضية تُلحق الضرر بالوحدة السياسية لسوريا وسلامة أراضيها، بحسب تصريحات تناقلتها وسائل إعلام تركية.
مؤتمر الحسكة
وضاعف من تعقيد المشهد بين الحكومة السورية و"قسد"، انعقاد مؤتمر الحسكة تحت شعار "وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا"، والذي اعتبرته دمشق ضربة لجهود التفاوض الحالية.
وأعلنت دمشق انسحابها من اجتماعات باريس المرتقبة مع "قسد"، مشيرةً إلى "استضافة شخصيات انفصالية ومتورطة في أعمال عدائية، في خرق واضح لاتفاق 10 مارس".
وقالت إن "ما جرى في شمال شرقي البلاد لا يمثل إطاراً وطنياً جامعاً، بل تحالفاً هشّاً يضم أطرافاً متضررة من انتصار الشعب السوري وسقوط عهد النظام البائد".
وشارك في المؤتمر أكثر من 400 شخصية تمثل الإدارة الذاتية الكردية، وممثلون عن مكونات مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب حكمت الهجري أحد زعماء طائفة الموحدين، وغزال غزال أحد مشايخ الطائفة العلوية.
تباينات عميقة
ويرى الباحث والأكاديمي السوري سمير العبد الله، أن الاشتباكات التي شهدها ريف حلب الشرقي، ليست مجرد حادث أمني عابر، بل مؤشر على عمق التباينات بين الحكومة السورية و"قسد" حول آليات تنفيذ اتفاق 10 مارس.
وأشار العبدالله ، إلى أنه رغم مرور أشهر على توقيع الاتفاق، ما زالت كثير من بنوده تراوح مكانها، وتبرز مناطق رخوة جغرافياً وأمنياً، وخاصة في ريف حلب، كمسرح لتوترات واحتكاكات ميدانية متكررة.
وقال: "التفاهمات بين الطرفين حتى الآن تظل في الإطار السياسي، ولم تتحول إلى التزامات عملية واضحة على الأرض"،
لافتاً إلى أن "هذه الهشاشة الواضحة تعكس غياب الثقة المتبادلة، واستمرار كل طرف في تبني إجراءات أحادية قد تُفجّر الوضع بينهما لولا التدخل الدولي".
ونوّه إلى أن الدور الفرنسي والأمريكي يبقى العامل الأبرز في ضبط الإيقاع، إذ يسعى الطرفان الدوليان إلى استمرار قنوات التفاوض، وعدم السماح بانهيار المسار القائم، على أمل التوصل إلى صيغة عملية لتطبيق اتفاق مارس.
خيارين رئيسيين
وقال الباحث والأكاديمي السوري ، إن المشهد الراهن يضع دمشق و"قسد" أمام خيارين رئيسيين هما:
- الاستمرار في المفاوضات مع تقديم تنازلات متبادلة، وهو خيار نظري أكثر منه عملي في الوقت الراهن، نظراً لغياب الرغبة الحقيقية لدى أي من الطرفين في التنازل، على العكس، كل طرف يسعى لرفع سقف شروطه بهدف تحقيق مكاسب أكبر،
"قسد" تحديداً تحاول استثمار ما تعتبره هامش مناورة أكبر بعد أحداث السويداء، لتكريس نفوذها وفرض شروط أكثر صرامة.
- اللجوء إلى التصعيد العسكري، وهو سيناريو أصبح أكثر تعقيداً بعد تداعيات أحداث السويداء، التي جعلت الأطراف الدولية أكثر حساسية تجاه أي انزلاق أمني واسع النطاق في سوريا،
ومع ذلك، يبقى هذا الخيار حاضراً في حسابات الطرفين، خصوصاً إذا فشلت الجهود الدبلوماسية أو تراجعت الضغوط الدولية.
يشير العبدالله إن الموقف التركي يلعب دوراً فاعلاً في هذا الملف، سواء من خلال التأثير على حكومة دمشق، أو عبر الضغوط السياسية على "قسد".
ولفت إلى أن الموقف الأمريكي، رغم دعمه لدمشق في بعض الجوانب، يشترط بوضوح تجنب الانجرار نحو مواجهة عسكرية شاملة، ويدعم بقاء المفاوضات كخيار أول.
وأضاف العبدالله:
- الاشتباكات الأخيرة في ريف منبج لا يمكن قراءتها كمؤشر على انهيار شامل للتفاهمات، لكنها بمثابة جرس إنذار للطرفين.
- الرسالة واضحة: أي تأجيل في وضع خطة مرحلية، محددة المهام سيؤدي إلى زيادة الاحتكاكات الميدانية، ما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات غير مرغوبة.
- تفادي "نسخة من السويداء" في الشمال الشرقي بات أولوية مشتركة، ولو بشكل غير معلن، إذ يدرك الطرفان أن انفجار الوضع هناك ستكون له تداعيات معقدة على موازين القوى المحلية، وربما يعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة.
- الاشتباكات ثم المؤتمر الذي عقدته قسد في الحسكة، تكشف أن اتفاق 10 مارس يواجه اختباراً جدياً في قدرته على الصمود أمام الضغوط الميدانية والسياسية.
- استمرار الوضع الحالي دون تقدم ملموس في التنفيذ، أو دون تعديلات جوهرية بضمانات واضحة، يجعل من المرجح أن تشهد الأشهر المقبلة إما تسريعاً في مسار التفاهمات أو عودة إلى أجواء التصعيد، وهو ما ستحدده بدرجة كبيرة مواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين، وخاصة تركيا والولايات المتحدة.