أحد عشر عاما من الأزمة اليمنية: فشل جماعي ومصالح متقاطعة
منذ اندلاع الأزمة اليمنية في عام 2014، تحولت البلاد إلى ساحة مفتوحة للصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، ورغم مرور أحد عشر عاما، لم تحل الأزمة،
ولم تنفذ قرارات مجلس الأمن، ولم تعد الشرعية سوى عنوان يتردد في المحافل دون أثر فعلي على الأرض، في المقابل، تغيرت ملامح الدولة اليمنية من بلد يمتلك تعددية سياسية ناشئة إلى كيان مجزأ تُهيمن عليه تعدديات ميليشاوية، تتقاسم النفوذ والجغرافيا على حساب الدولة والمجتمع..
الأمم المتحدة: عجز أم تواطؤ؟
رغم إصدار مجلس الأمن قرارات واضحة أبرزها القرار 2216، لم يترجم شيء منها على أرض الواقع، اكتفت الأمم المتحدة بإرسال مبعوثين تلو المبعوثين، وجولات تفاوضية لا تسفر سوى عن مزيد من ترسيخ الانقسام، فهل هذا عجز مؤسسي أم تواطؤ مقصود؟ أم أن مصالح الدول الكبرى تقتضي بقاء الأزمة دون حل؟
الواضح أن الأمم المتحدة لم تمارس ضغطا حقيقيا على الأطراف المعرقلة للسلام، وسمحت للميليشيات أن تتحول إلى أطراف تفاوضية تعامل بندية مع الدولة الشرعية..
المجتمع الدولي وازدواجية المعايير
حين يتعلق الأمر بأزمات في مناطق أخرى، نرى استجابة سريعة وتدخلا دوليا مباشرا، أما في اليمن، فاكتفى المجتمع الدولي ببيانات القلق، بل إن بعض الدول تتعامل مع الواقع القائم كأمر مشروع، رغم أنه ناتج عن انقلاب مسلح،
هذا التهاون منح الميليشيات شرعية الأمر الواقع، وشجع القوى الخارجية على تحويل اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات..
الحكومة الشرعية: الغياب المزدوج
الحكومة الشرعية اليمنية، التي يفترض أن تمثل الشعب وتدير شؤونه، تقيم في الخارج منذ سنوات، وغيابها عن الداخل أفقدها الفعالية السياسية والشعبية،
وتحولت إلى كيانٍ نظري لا يمتلك من أدوات الحكم إلا الاسم، ومجلس النواب، المعطل، لا يملك تأثيرا حقيقيا على المسار الوطني، كما أن قيادات الأحزاب السياسية باتت مشغولة بالمناصب والمخصصات أكثر من انشغالها بمصير البلاد..
التحالف العربي: من دعم الشرعية إلى إدارة مناطق
دخل التحالف العربي الحرب في اليمن تحت شعار دعم الشرعية، لكنه مع الوقت تحول إلى طرف يدير مناطق وجزرا ويعيد ترتيب النفوذ بما يخدم مصالحه الاستراتيجية،
السيطرة على الجزر الحيوية والموانئ المهمة أصبحت أولوية تتجاوز هدف إعادة الدولة اليمنية، مما زرع الشك في نوايا التحالف لدى كثير من اليمنيين، وأضعف ثقتهم في جدوى هذا التدخل..
من التعددية السياسية إلى التعددية الميليشاوية
كان اليمن يمتلك تجربة سياسية تعددية فريدة في محيطه، لكن الحرب قضت على هذه البذرة، اليوم، لا تكاد تجد حزبا سياسيا فاعلا،
بل صارت الميليشيات والجماعات المسلحة هي التي تملأ الفراغ، تتقاسم السيطرة على الأرض جماعات متباينة الولاءات، ولا أحد يتحدث عن الديمقراطية أو الانتخابات أو تداول السلطة، انتهى زمن البرامج السياسية وبدأ زمن السلاح والمال والسلالة..
فلماذا فشل الجميع؟ وما هو المشترك بينهم؟
السؤال الجوهري: كيف اتفقت كل هذه الأطراف الأمم المتحدة، المجتمع الدولي، الحكومة الشرعية، التحالف، القوى السياسية على الفشل؟ وما هو القاسم المشترك الذي يجمعهم؟!.
الإجابة قد تكون مؤلمة، لكنها واقعية:
•غياب الإرادة الحقيقية للحل: كل طرف، بدرجات متفاوتة، استثمر في الأزمة لا في الحل، البعض يستفيد من الوضع القائم، والبعض يخشى أن يفقد مكاسبه إن انتهت الحرب.
•تغليب المصالح الخاصة على الوطنية: لم تعد مصلحة اليمن فوق كل اعتبار، بل صارت المصالح الفئوية والحزبية والإقليمية هي المحرك الأساسي للقرارات.
•الارتهان للخارج: معظم الأطراف باتت تستمد شرعيتها أو دعمها من قوى خارجية، مما جعل القرار اليمني مرتهنا لجهات متعددة لا تتفق على رؤية واحدة لمستقبل البلاد.
•استغلال الأزمة لتثبيت النفوذ: أطراف دولية وإقليمية تستخدم اليمن كورقة ضغط لتحقيق مكاسب استراتيجية لا علاقة لها بمصلحة اليمنيين..
ختامًا: لا حل دون استعادة القرار الوطني
إذا كان هناك من درس يمكن استخلاصه من أحد عشر عاما من الفوضى، فهو أن لا أحد سينقذ اليمنيين إلا أنفسهم، ما لم تستعد القوى الوطنية قرارها المستقل، وتعيد بناء مشروع وطني جامع، فإن الأزمة ستبقى مستمرة، والضحية دائما هو الشعب..
الوقت لم يفت بعد، لكن النافذة تضيق كل يوم.