"عقد من الانهيار" انقلاب الحوثيين قسم اليمن وحولها إلى ساحة صراع إقليمي ودولي
حلت الذكرى العاشرة لانقلاب جماعة الحوثي، والتي وقعت في الـ21 من سبتمبر 2014م، وتأتي اليوم في ظل متغيرات عديدة يشهدها اليمن، على مختلف الأصعدة.
إن مقارنة عابرة، أو استعراض بسيط لوضع اليمن اليوم، بما كان عليه في ذلك الوقت يعطي صورة واضحة، عن حجم التحولات التي وقعت طوال هذه الفترة، والمأزق الذي وصل إليه اليمن، ويشمل ذلك تبدلات النظام الحاكم، وحركة المجتمع، والتدهور الاقتصادي، والإخفاق السياسي، وخارطة القوى الجديدة، والتوزيع العسكري، وحجم التدخل الخارجي، بالإضافة لمتغيرات التأثير والتأثر على المستوى الإقليمي والدولي.
بدايات السقوط
كان انقلاب الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 سببا ونتيجة، وفاتحة لتحولات جديدة في اليمن والمنطقة، ففي البداية جاء هذا اليوم محصلة أزمة سياسية عاصفة شهدها اليمن، عقب الانتهاء من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق طوال العام 2013م، وكان بمثابة خارطة طريق للثورة اليمنية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ورغم الإجماع المحلي والدولي على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، إلا أن تلك المخرجات قوبلت بمقاومة عنيفة، على المستوى الداخلي والخارجي، وجرى التآمر عليها، بتدخل إقليمي، وأدوات محلية، وصولا إلى الإجهاز عليها بشكل كلي، وذلك من خلال سلسلة من التطورات والأحداث التي بدأت من شمال اليمن، وتحديدا في محافظة صعدة، عبر جماعة الحوثي، وحليفها الرئيس السابق "صالح".
تصاعدت الأزمة بشكل كبير، ولقيت حالة من التأجيج الخارجي والمحلي، وبات الوضع أمام تعقيدات محلية، أفرزت حينها كتل صراع، وجيوب تتنافس، بشكل حاد، وصل حد استخدام السلاح، كانت أبرز كتلة حينها ممثلة بجماعة الحوثي، وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ونشأت العلاقة بين الجانبين، من نظرتهما للمتغيرات التي أنتجتها الثورة الشعبية، مستفيدة من المزاج العربي المتقلب، خاصة الخليجي، الذي بادل أنظمة الحكم الوليدة في بلدان الربيع العربي العداء، وسعى لإسقاطها، خاصة بعد نجاح الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي.
أما الكتلة الثانية فتتمثل بالقوى التي جاءت بها الثورة الشعبية إلى سدة الحكم، وهي خليط من عدة أحزاب ، ثم الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وكذلك الحكومة التي تشكلت بالمناصفة بين القوى الموقعة على المبادرة الخليجية نهاية العام 2011م.
لعب الدور الخارجي في صياغة تلك الأحداث دورا مؤثرا في صيرورتها، ودفعها نحو الانفجار، وتصاعدت الأزمة لتتحول جماعة الحوثي إلى الأداة التي تضرب جسد الدولة اليمنية حينها، مستغلة السخط الشعبي من بعض القرارات الحكومية، كرفع سعر المحروقات، وكذلك رغبة الرئيس السابق في الانتقام من القوى التي أزاحته عن السلطة، ثم الدور الخارجي الذي إذا تلك الأحداث، وأخيرا بلاهة النظام الحاكم حينها ممثلا بالرئيس هادي، والذي يبدو أنه خضع للإملاءات الخارجية، وحيد المؤسسات الرسمية في الدفاع عن صنعاء، ومنظمة الدولة ومؤسساتها، والتي بدت في مجملها متواطئة فيما يجري، خاصة المؤسسة العسكرية والأمنية.
بدت حينها اللحظة في اليمن، وكأن مشروعا ما أريد تمريره، بتواطؤ محلي ودولي وإقليمي، فالطريق بدا سالكا أمام جماعة الحوثي، والتي وجدت في طريقها تسهيلات كثيرة من نظام صالح، وكذلك تقاعس النظام الرسمي، ولعبها على أوراق محددة، حيدت فيها الخصوم بشكل تدريجي، حتى تمكنت من الإجهاز على العاصمة صنعاء دون مقاومة تذكر.
كان سقوط صنعاء بمثابة الزلزال الأكبر الذي هز اليمن والمنطقة، وأدى ذلك لسلسلة أخرى من الأحداث، قادت جميعها إلى انسداد الوضع، ثم قيام الحوثيين بتشكيل لجنتهم الثورية العليا، وصولا إلى إعلان السعودية تحالفها العسكري في اليمن، ثم تشكيل المجلس السياسي الأعلى كتحالف بين حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة "صالح" وجماعة الحوثي، وصولا إلى اللحظة الراهنة.
التوغل والتحالف
سعت جماعة الحوثي وحليفها "صالح" إلى تثبيت الوضع الجديد تحت سيطرتهما، وفي سبيل ذلك جرى الإجهاز على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية لصالح الطرفين، ما سمح بتوغل جماعة الحوثي بشكل أكبر وأعمق في مؤسسات الدولة، وإبعاد المناوئين والخصوم، والتفرد في القرار، مستغلين إرهاب الانقلاب وسطوته التي أدت لمغادرة القيادات السابقة للدولة والأحزاب نحو الخارج هروبا من عملية الانتقام التي نفذها الطرفين في كل مدينة وصلتها قواتهم.
ومن خلال ركائز نظام صالح القبلية والمجتمعية والحزبية في المحافظات، فقد اسهم ذلك في التوغل والاتجاه خارج العاصمة صنعاء، نحو باقي المدن اليمنية، بغية السيطرة عليها، ما أدى إلى توسع دائرة الانقلاب، ومحاولات إحكام القبضة على كل الجغرافيا اليمنية، لكن ذلك اصطدم بالحرب التي أعلنتها الرياض، عندما وصلت قوات الحوثيين وصالح إلى مدينة عدن.
كان التدخل العسكري السعودي بمثابة صحوة متأخرة، وتمكن من وقف زحف الطرفين عسكريا، وحصره في مناطق محددة، لكن ذلك أدى لتعزيز حالة التلاحم بين صالح والحوثيين، واندماجهما في تحالف سياسي، عُرف كما أسلفنا بـ "المجلس السياسي الأعلى"، ثم التحالف العسكري، من خلال انصهارهما في جسد واحد لمواجهة الحرب الجوية والبرية التي أعلنتها الرياض، ومولت أطرافا محلية لخوضها ضد الطرفين.
مع استمرار الحرب السعودية في اليمن ضد طرفي الانقلاب، بدأت قوى جديدة تنبت من جديد في الجانب الآخر، إذ تشكلت جيوب المقاومة في عدة مدن، أبرزها تعز ومأرب وعدن، وأنتجت نواة جيش جديد، ثم أعقبها التغييرات الحكومية المتتالية، وتوج ذلك بإيجاد ملامح دولة موازية عن تلك التي سقطت في صنعاء، وتحظى بدعم دولي وعربي واسع.
غير أن الصراع الذي بدأ يتنامى في أوساط طرفي الانقلاب بصنعاء كان مؤذنا بمرحلة جديدة كليا في اليمن، حيث انتهى ذلك الصراع بانقضاض جماعة الحوثي على حليفها القوي صالح، وتمكنت من اغتياله، لتبدأ معها مرحلة جديدة بالنسبة للجماعة، وكذلك اليمن، ثم المنطقة والعالم.
التمكن والسيطرة
أدى انفراد جماعة الحوثي بالسلطة والحكم في صنعاء، لتوجيه ضربة قوية لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي توزع على عدة تيارات، ومثل ذلك فرصة للجماعة في قيادة مؤسسات الدولة بشكل منفرد، ومشاركة صورية للمؤتمر، ومكنها ذلك من صبغ منظومة الحكم بصبغتها الطائفية، فظهرت إلى العلن لأول مرة وهي تجسد نظريتها عمليا، وتمثل ذلك في تحويل قطاعات حيوية كالتعليم إلى حقل إنتاج لفكرها، وعمدت لتثوير المجتمع وفقا لتوجهها الفكري، وأحكمت قبضتها الأمنية، وسعت للنيل من كل حالات التململ والرفض لها.
وبشكل تدريجي أطلت جماعة الحوثي أكثر برأسها، فسعت للتوسع والتعمق بمناطق سيطرتها، مستحدثة القوانين الجديدة، التي تخدمها، وتمكين أنصارها من مؤسسات الدولة، وحصرها في عائلة معينة، وتكريس ثقافة جديدة في مختلف المجالات، ويلاحظ هنا أن الجماعة لم تكن تمانع من الاحتفال بثورة السادس والعشرين من سبتمبر – على سبيل المثال – لكنها لاحقا بدأت تتوجس من هذه الذكرى، وعملت على قمع كل مظاهر الاحتفاء الشعبي بها، وتقديم نسخة خاصة بها في هذه المناسبة.
وأدى حدوث طوفان الأقصى في فلسطين يوم السابع من أكتوبر 2023 وإعلان جماعة الحوثي انخراطها في تلك الحرب، إلى جانب ما يعرف بمحور المقاومة، إلى مرحلة مفصلية جديدة، استطاعت الجماعة الاستفادة منها على المستوى المحلي والخارجي ما لم تستطع تحقيقه خلال التسع سنوات السابقة.
قدمت الجماعة نفسها مناصرة للقضية الفلسطينية، وترجمت ذلك إلى إعلان حرب بحرية استهدفت السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحرين الأحمر والعربي، وتمكنت في حقيقة الأمر من إحداث أثر ملحوظ في هذا الجانب، أربك ولايزال التجارة العالمية، لكن ذلك عمليا كان بمثابة الطاقة التي ضخت وسرعت من عملية الإطباق الكامل للجماعة على الدولة في اليمن، فقد استغلتها لتمرير ما تريد داخل البلد، وقدمت نفسها بطلا على المستوى المحلي والخارجي، وتمكنت من ارسال رسائل للعالم والإقليم بشكل خاص، خصوصا مع ظهورها بتلك الترسانة من الأسلحة التي استهدفت بها السفن الدولية، أو وجهتها نحو إسرائيل.
واليوم تعيد الجماعة تقديم نفسها كنموذج إيجابي في التمكين لنفسها، وتعزيز حضورها العسكري، وباتت تعمل بمفردها، بكل ثقة في الداخل، مستفيدة من انشغال العالم بالتطورات الجارية في لبنان وفلسطين، وباتت الكلمة العليا لها داخل اليمن، ويبدو ذلك واضحا من تشكيل الحكومة الجديدة التي تصفها بالعدالة والتغيير.
الطرف الآخر
بعد عشرة أعوام تبدو مكاسب جماعة الحوثي جلية في مناطق سيطرتها، لكن ماذا عن الطرف الحليف لها "صالح"، وفي حقيقة الأمر تمكنت الجماعة من طي صفحة الرجل، بعدما قدم لها الكثير، وأوصلها إلى ما هي عليه اليوم، وكان الحصان الذي امتطته من صعدة حتى صنعاء.
وتحول "صالح" إلى ضحية للجماعة، مثلما تحول حزبه إلى الهامش، مكابدا التحولات والمتغيرات الكثيرة، ونفس الوضع ينطبق على أسرته التي تشظت إلى جناح ملتحق بالدولة من طرف، ومحتفظا بسلطة جديدة من طرف آخر، ويقوده طارق محمد عبدالله صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي، الذي يتخذ من المخا قاعدة لسلطاته بدعم إماراتي، وكذلك نجل "صالح" "احمد" الذي يحتفل مؤخرا برفع العقوبات الأممية عنه.
أما المتغير الجديد بعد سنوات من الانقلاب في صنعاء فيتمثل بصعود المجلس الانتقالي الجنوبي ليصبح كيانا جديدا للحراك الانفصالي المطالب باستعادة ما يعرف بدولة الجنوب، وهو حصيلة الأخطاء التي ارتكبها التحالف العسكري للسعودية والإمارات في اليمن طوال السنوات الماضية.
وهناك أيضا القوى المناهضة لجماعة الحوثي، وتتمثل بمجلس القيادة الرئاسي الذي يرأسه رشاد العليمي، وتلتحق به أحزابا سياسية عديدة، وكيانات مؤيدة، ويعد الأحدث في سلسلة التطورات التي شهدها اليمن منذ الانقلاب، وبدعم سعودي إماراتي.
الوضع الراهن
إن اليمن اليوم بعد سنوات من الانقلاب يشير إلى حقائق عديدة، ويعكس أوضاعا ومتغيرات كثيرة، إذ تحول اليمن إلى نموذج جديد من التشظي، تحكمه كيانات متعددة، ويشهد أزمات متواصلة، وتهدده التشكيلات العسكرية، وتعصف به التدخلات الخارجية، ناهيك عن المستوى الاقتصادي المتدهور، والجراحات المعمقة لوحدته الوطنية، وغياب آفاق السلام، وفشل الجهود الأممية والدولية في احتواء الأوضاع فيه.
هذه النسخة من اليمن لم تكن قائمة عشية الانقلاب الذي وقع قبل عشر سنوات، ونشهد اليوم واقعا مختلفا تتجاذبه التدخلات الخارجية، وتشوه وجهه الحرب، والمشاريع الصغيرة، والحروب الطائفية والمناطقية، والنزاعات والأزمات التي تنشط من حين لآخر.
اليوم يبدو واضحا تقلبات الأوضاع، وتغير الشخصيات، ومحطات الأحداث، لكن ثمة أمرا واحدا ظل قائما، وهو الانقلاب الذي قاد اليمن إلى هذه اللحظة البائسة والمؤلمة في آن واحد
" عقد من الانهيار".. انقلاب الحوثيين قسم اليمن وحولها إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية
قالت منظمة "سام" للحقوق والحريات اليمن تحولت إلى ساحة صراع إقليمي ودولي بعد انقلاب جماعة الحوثي في سبتمبر 2014، حيث أدى الانقلاب إلى تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ متنازعة.
وأكد تقرير "سام" الذي أصدرته بعنوان "عقد من الانهيار" أن دعم إيران للحوثيين ساهم في تعميق الأزمة الإنسانية والسياسية، مما جعل الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار والسلام أكثر تعقيداً.
وأشار إلى أن الانقلاب تسبب في شلل كامل للتنمية، وتوقف صرف رواتب الموظفين، وارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، ما أدى إلى نزوح أكثر من مليوني مدني،
لافتاً إلى أن أكثر من نصف سكان اليمن، نحو 17.8 مليون شخص، بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، نصفهم أطفال.
وذكر التقرير أن اليمن شهد انكماشاً بنسبة 50%، مع خسائر تصل إلى 200 مليار دولار، مشيراً إلى أن الحرب دمرت المنشآت الحيوية مثل الموانئ والمطارات، وأدت إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق.
وقالت "سام" إنها وثقت أكثر من 550 حكماً بالإعدام ضد معارضين سياسيين في المحاكم التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، بالإضافة إلى اعتقال تعسفي لأكثر من 18 ألف مدني، بينهم من أُخفي قسرياً في سجون غير رسمية تعاني من ظروف قاسية وتعذيب أدى إلى الموت.
ولفت الى أن الجماعة زرعت أكثر من 2.3 مليون لغم، ما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين، وارتكبت أكثر من 21,500 انتهاك ضد النساء، تشمل الاعتقال التعسفي، الاعتداء الجنسي، والتعذيب.
وفي التقرير دعت منظمة "سام" إلى مفاوضات شاملة بدعم قرارات ملزمة من مجلس الأمن لفرض وقف دائم لإطلاق النار في البلاد.
وطالبت المنظمة الحقوقية بزيادة المساعدات الإنسانية، إعادة بناء البنية التحتية، ودعم القطاع الخاص، داعية إلى تعزيز برامج المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية لبناء مستقبل آمن ومستقر في اليمن.