التطبيع السوري – التركي: دوران في حلقة مفرغة
يتابع ملف التطبيع بين سوريا وتركيا، بوساطة روسية – عراقية ودفع إيراني، الدوران في حلقة مفرغة، في ظل الموقف السوري الواضح، والذي يعتبر خروج القوات التركية غير الشرعية من سوريا هدفاً لهذا التقارب، والمراوغة التركية المستمرة،
في المقابل، وربط أنقرة خروج قواتها بمتغيّرات سياسية وميدانية على الأرض، إذ بعد تسارع كبير في هذا الملف، إثر تصريحات للرئيس السوري، بشار الأسد، أبدى فيها مرونة كبيرة وتفهماً لصعوبة خروج القوات التركية بشكل فوري،
داعياً إلى وضع أرضية مشتركة للحوار وتعريف واضح للإرهاب، والاتفاق على خطوات العمل المشترك والتي تنتهي بخروج القوات التركية – وهو ما قوبِل بغزل تركي مستمر -،
ساهمت المتغيرات الإقليمية الكبيرة، بما فيها حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وما تبعها من توسيع للعدوان شمل لبنان وارتفاع متزايد في الاعتداءات على سوريا، في دخول هذا الملف نفقاً مظلماً.
وبالرغم من حالة «الاستعصاء» تلك، يؤكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، استمرار العمل المشترك على حلحلة ذلك الاستعصاء.
ويأتي هذا خصوصاً في ظل الرغبة التركية الكبيرة في إتمام الأمر، أملاً في التخلص من عبء اللاجئين، والعمل بشكل مشترك مع دمشق على إنهاء «الإدارة الذاتية» المدعومة أميركياً،
بالإضافة إلى محاولة فتح الطرق الدولية التي تصل تركيا بدول الخليج، لما توفّره هذه الطرق من مصادر دخل كبيرة، سواء عبر تصدير واستيراد السلع، أو عبر تسهيل عبورها بين دول الخليج وأوروبا.
وأكّد لافروف، في تصريحات نشرتها صحيفة «حرييت» التركية، قبل يومين، وجود إشارات من دمشق وأنقرة تفيد بوجود اهتمام جدي باستئناف المفاوضات، قائلاً إن بلاده «تبذل جهوداً متواصلة لإنهاء الصراع، وتشجّع استئنافاً سريعاً لعملية التفاوض بين الجانبين».
وأشار إلى أن تطبيع العلاقات بين البلدين له أهمية كبيرة للاستقرار المستدام في سوريا، وتعزيز الأمن في منطقة الشرق الأوسط،
لافتاً إلى أن ملف التطبيع كان أحد المواضيع التي تناولها لقاء الرئيسين التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة «بريكس» في مدينة قازان الروسية.
وخلال عودته من القمة، أعلن إردوغان، في تصريحات أدلى بها من على متن الطائرة، أنه يأمل أن تتخذ دمشق خطوات في ملف التقارب، «الأمر الذي يحقق مصالح الطرفين»، وفق تعبيره.
إلا أنه في استمرار لسياسة المراوغة، أعاد وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، ربط ملف التطبيع مع سوريا بمتغيرات سياسية، حدّدها هذه المرة بـ«توافق بين الحكومة السورية والمعارضة»،
مشيراً، في تصريحات نشرتها «حرييت»، إلى أن بلاده لا ترى أن دمشق «مستعدة لهذا النوع من التوافق»، وفق تعبيره.
وفي استعادة غير مباشرة لتصريحات سابقة للرئيس التركي حاول خلالها استثمار حرب الإبادة الإسرائيلية لفتح الأبواب المغلقة مع دمشق، قال فيدان: «نلاحظ زيادة الهجمات الإسرائيلية على سوريا (...) إذا حاولت التنظيمات الإرهابية استغلال هذه البيئة الفوضوية، فقد يؤدي ذلك إلى جر سوريا نحو مزيد من عدم الاستقرار»،
في إشارة إلى الأكراد (الإدارة الذاتية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني).
وأضاف أن «القضية الأساسية الحساسة بالنسبة إلى تركيا هي تطهير المنطقة من هذه التنظيمات التي تحتل ثلث الأراضي السورية بدعم أميركي».
وتأتي تصريحات فيدان تلك، بعد أيام من شنّ تركيا حملة عسكرية كبيرة على مناطق يسيطر عليها الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا، في وقت التزمت فيه الولايات المتحدة الأميركية الصمت.
وبالرغم من دخول ملف التطبيع، للمرة الثانية خلال عامين، حالة من الجمود، ثمة متغيرات على الأرض من شأنها إعادة إحياء هذا الملف، أبرزها التحركات التركية الأخيرة لفتح خطوط تواصل بين مواقع سيطرة الحكومة السورية، ومناطق سيطرة المعارضة.
ويُضاف إلى ذلك، تململ الدول المانحة من الأزمة السورية وانشغالها بتمويل أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وتمويل إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها، الأمر الذي تسبب بانخفاض مشاريع الدعم الأممية إلى أدنى مستوياتها، ما فاقم من الأزمة الإنسانية.
وفي الوقت نفسه، بدأ يظهر خط جديد في الاتحاد الأوروبي تقوده إيطاليا يدعو إلى تغيير آلية التعامل مع سوريا، وإنهاء حالة القطيعة، ودعم مشاريع «التعافي المبكر» (تأهيل البنى التحتية المتضررة من الحرب)، على نحو يمنع موجات اللجوء ويفتح باب العودة الطوعية، وهو ما يتوافق مع رغبة أنقرة التي تحاول التخلص من عبء اللاجئين.
وإلى جانب ما تقدّم، ثمة الموقف الأميركي المستقبلي من الأزمة السورية، والذي ستحدده الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
علاء حلبي