مفاوضات وقف حرب غزة... مسار التعطيل الإسرائيلي
منذ بداية حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، خاضت الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حركة "حماس" عملية تفاوضية عسيرة وقاسية وطويلة أمام الاحتلال الإسرائيلي الذي كان محاطاً بدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة ودول أوروبية، فيما لم يكن معنياً في أوقات كثيرة بالوصول إلى صفقة تنهي الحرب.
ولعب الوسطاء دوراً بارزاً في الأيام الأولى لمحاولة الوصول إلى اتفاق لوقف حرب غزة، لا سيما قطر ومصر، عبر السعي الدائم لتقديم مبادرات تلقى قبولاً لدى كلا الطرفين، سواء المقاومة الفلسطينية أو الاحتلال الإسرائيلي.
ولم يكن المسار التفاوضي لوقف حرب غزة هو الوحيد الذي سعى له الوسطاء، بل شهدت الفترة من 16 أكتوبر 2023 وحتى 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، سلسلة من الجدل داخل أروقة مجلس الأمن نتيجة عرقلة سلسلة من القرارات الخاصة بالدعوة لوقف إطلاق نار فوري وتام في غزة نتيجة اختلاف الصيغ وعرقلة واشنطن أكثر من مرة الوصول لقرار.
وفي 24 نوفمبر 2023 نجحت قطر ومعها مصر في التوصل إلى اتفاق هدنة لمدة أسبوع في ما عُرف حينها بـ"الصفقة الإنسانية" والتي أفرج في حينها عن عدد من الأسرى الإسرائيليين المدنيين بالإضافة لـ25 من حملة الجنسيات الأجنبية.
وعلى الرغم من سعي الوسطاء لتمديد هذه الهدنة واعتبارها مدخلاً للوصول إلى اتفاق، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن حينها يوآف غالانت قررا إنهاء الهدنة،
واتجها نحو عملية برية واسعة في مدينة خانيونس جنوبي القطاع، بزعم وجود أسرى فيها، وأنها مسقط رئيس حركة حماس يحيى السنوار، الذي اغتيل في أكتوبر 2024 في مدينة رفح.
محاولات مضنية لوقف حرب غزة
وشهدت الفترة من يناير/كانون الثاني 2024 حتى مايو/أيار 2024، محاولات مضنية ومكثفة قامت بها أطراف عدة مثل قطر وتركيا ومصر للوصول إلى مقترح مقبول من قبل "حماس" والاحتلال لوقف حرب غزة،
وهو ما ظهر حينما نجح الوسطاء في الوصول إلى صيغة في السادس من مايو قبلت بها "حماس" والفصائل الفلسطينية فيما رفضها نتنياهو وذهب نحو تنفيذ عملية برية واسعة في مدينة رفح.
وكان هذا المقترح ينص على الوصول إلى اتفاق من ثلاث مراحل ينتهي بالانسحاب الإسرائيلي الكلي من قطاع غزة، وتسليم الأسرى الإسرائيليين مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين،
عدا عن تفكيك محور نتساريم والانسحاب منه والسماح بعودة تدريجية للنازحين من مناطق غزة والشمال وإعادة الإعمار وإدخال المساعدات، بالإضافة لوقف الحرب وعدم العودة إليها.
ومع استمرار حرب غزة وسعي الوسطاء للوصول إلى صيغة جديدة، شهد شهر يونيو/حزيران الماضي حراكاً متصاعداً للوصول إلى صيغة اتفاق وهو ما حصل حينما تم تقديم مقترح الثاني من يوليو/تموز 2024، الذي استند إلى مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو ما قبلت به "حماس" و"الجهاد الإسلامي"،
غير أن نتنياهو رفض هذه الصيغة أيضاً وقرر مواصلة حرب غزة واغتال بعدها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران أواخر يوليو 2024.
وشهد هذا المقترح تعديلات بسيطة عن مقترح شهر مايو، تمثلت في الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفي) جنوبي القطاع والأراضي المصرية، بالإضافة للانسحاب من معبر رفح ومحور نتساريم ووقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى.
كانت العراقيل الإسرائيلية مرتبطة بدرجة أساسية برفض إنهاء حرب غزة واشتراط عودة العمليات العسكرية بعد انتهاء مراحل أي صفقة
وكانت العراقيل الإسرائيلية مرتبطة بدرجة أساسية برفض إنهاء حرب غزة واشتراط عودة العمليات العسكرية بعد انتهاء مراحل الصفقة، وهو ما ترفضه المقاومة الفلسطينية و"حماس" التي أصرت على ضمانات حقيقية من الوسطاء وتحديداً الأميركي للوصول إلى أي اتفاق، لا سيما مع الرفض الإسرائيلي طلب الفصائل الفلسطينية دخول الطرفين الروسي والصيني بوصفهما جهات ضامنة لأي اتفاق في حال الوصول إليه.
وسعى نتنياهو وحكومته لفرض عدة سيناريوهات أبرزها البقاء في محور صلاح الدين على الحدود بين القطاع ومصر، وهو ما كانت ترفضه الفصائل والقاهرة على حدٍ سواء وتتمسكان بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.
علاوة على ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية أرادت فرض مناطق عازلة وإدخال قوات دولية إلى القطاع وإسقاط حكم "حماس" واستبداله بأطراف مقبولة ليس من بينها السلطة الفلسطينية، والعمل على فرض منهاج دراسي جديد وتغيير الشكل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للقطاع وتعزيز الهجرة الطوعية لخارج القطاع.
في المقابل، شهد موقف المقاومة الفلسطينية في مسارات المفاوضات مرونة في عدة مرات مع التمسك بالمبادئ الأساسية المتمثلة في الانسحاب الكلي مع نهاية مراحل الاتفاق، ووقف حرب غزة وعدم العودة إليها وإبرام صفقة تبادل مشرفة وإعادة الإعمار.
وقبلت الفصائل وعلى رأسها "حماس" بعدة صيغ كانت تضمن الوصول إلى اتفاق سواء عبر اتفاقات مرحلية متدرجة أو اتفاق من رزمة واحدة ينهي الحرب ويحقق الانسحاب الإسرائيلي وإبرام تبادل للأسرى الفلسطينيين ويكفل إدخال المساعدات بوتيرة كبيرة وضمان عملية إعادة اعمار شاملة للقطاع.
اليوم التالي للحرب
ويُعتبر ملف اليوم التالي للحرب من العقبات التي كانت تعترض التوصل للاتفاق، لا سيما مع تمسك الاحتلال الإسرائيلي بعدم وجود "حماس" في السلطة بعد انتهاء الحرب، وضرورة وجود جسم سياسي جديد يدير القطاع. في حين كان الموقف الفلسطيني المتمثل في "حماس" والفصائل المتحالفة معها مثل "الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وفصائل أخرى يؤكد أن قرار اليوم التالي للحرب متعلق بالفلسطينيين أنفسهم وضرورة عدم تدخّل أي أطراف في هذا القرار.
أما السلطة الفلسطينية وقيادتها وحركة فتح، فرأت أنه آن الأوان لأن تبسط الحكومة الفلسطينية في رام الله سيطرتها على القطاع وأن يكون البرنامج السياسي موحداً ويتبع منظمة التحرير.
وعرضت مصر أخيراً مشروع لجنة تحمل اسم "لجنة الإسناد المجتمعي" تقوم على الشراكة بين مختلف المكونات السياسية الفلسطينية بما في ذلك حركة حماس لإدارة الشؤون المدنية للقطاع وعملية إعادة الإعمار، فقبلت به الحركة، إلا أن القيادة الفلسطينية متمثلة بالرئيس محمود عباس رفضت هذا الاقتراح وأبلغت الجانب المصري تمسكها بأن تتولى الحكومة التي يترأسها محمد مصطفى إدارة شؤون غزة بالكامل بما في ذلك الملف المالي.
وتدير "حماس" شؤون القطاع منذ سيطرتها عسكرياً عليه في يونيو 2007، حيث سبق وأن تم الوصول لأكثر من 16 اتفاق مصالحة مع "فتح" كان آخرها إعلان بكين في الصين قبل أكثر من عام إلا أنه لم يجر تنفيذ أي من بنوده.
ومن المقرر أن تشهد القاهرة اجتماعات جديدة لبحث ملف اليوم التالي للحرب في ظل مواصلة الجانب المصري عمله واتصالاته مع الفصائل الفلسطينية للخروج بصيغة مقبولة من قبل كل الأطراف في ما يتعلق بإدارة شؤون القطاع والإشراف عليه.
70% من مباني غزة متضررة... وإعادة الإعمار ستستغرق 10 سنوات!
تسبّب العدوان الإسرائيلي على غزة بقدر من الدمار «غير مسبوق في التاريخ الحديث»، مع تضرّر أكثر من ثلثَي مباني القطاع، بحسب «الأمم المتحدة».
وخلص آخر تقييم للأضرار، أجراه «مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية» (يونوسات)، إلى تضرّر أو تدمير ما يقرب من 69% من مباني القطاع، أي ما مجموعه 170,812 مبنى، حتى الأول من كانون الأول 2024.
وأحصى الباحثان الأميركيان كوري شير وجامون فان دين هوك، استناداً أيضاً إلى تحليلات الأقمار الصناعية ولكن باستخدام منهجية مختلفة، 172,015 مبنى متضرراً جزئياً أو كليّاً في القطاع حتى 11 كانون الثاني الجاري، أي ما يعادل وفق حساباتهما، 59.8% من مباني القطاع الفلسطيني.
وبحسب تحليلات الأقمار الصناعية التي أجراها الباحثان الأميركيان، فإنه في مدينة غزة الواقعة شمال القطاع، والتي كان عدد سكانها 600 ألف نسمة قبل الحرب، تعرّض ما يقرب من ثلاثة أرباع المباني (74.2%) للقصف.
أمّا في مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب غزة، والتي تعدّ أقل مدينة كبيرة في القطاع، فقد تعرّضت مبانيها لأضرار، وأظهرت تحليلات الباحثين أن 48.7% من مبانيها تضرّرت بالقصف، مقارنةً بـ 33.9% خلال نيسان الفائت.
وبحسب «منظمة العفو الدولية»، فإن أكثر من 90% من المنشآت المبنية على مساحة تزيد على 58 كيلومتراً مربّعاً والواقعة على طول الحدود بين القطاع وإسرائيل، «دمّرت أو تضرّرت بشدّة على ما يبدو بين تشرين الأول 2023 وأيار 2024».
وتقدّر «الأمم المتحدة» أن إعادة إعمار القطاع ستستغرق ما يصل إلى 15 عاماً، وستكلّف أكثر من 50 مليار يورو.
المستشفيات «خارج الخدمة»
خلال الحرب، كثيراً ما استهدفت القوات الإسرائيلية مستشفيات القطاع.
وبحسب «منظمة الصحة العالمية»، فإن «مستشفى كمال عدوان»، أحد المرافق الطبّية القليلة في شمال قطاع غزة التي لا يزال بالإمكان تشغيلها، أصبح «فارغاً» و«خارج الخدمة» بعد استهدافه في أواخر كانون الأول الفائت.
وأشارت المنظمة الأممية إلى أن «18 مستشفى فقط من أصل 36 (50%) تعمل جزئياً، بقدرة إجمالية تبلغ 1,800 سرير».
أمّا بالنسبة إلى أماكن العبادة، فمن خلال الجمع بين بيانات مركز «الأمم المتحدة للأقمار الصناعية» وقاعدة بيانات «أوبن ستريت ماب الدولية»، فقد تبيّن أن «83% من مساجد القطاع تضرّرت جزئيّاً أو كلّياً».
المدارس دفعت «ثمناً باهظاً»
وقد دفعت مدارس القطاع التي تُستخدم منذ بدء الحرب مراكز إيواء للنازحين، بما في ذلك تلك التي ترفع علم الأمم المتّحدة الأزرق، ثمناً باهظاً أيضاً في الحرب.
فحتى الأول من كانون الأول الفائت، أحصت «اليونيسف» تضرّر ما لا يقلّ عن 496 مدرسة، أي ما يقرب من 88% من أصل 564 منشأة مسجّلة. ومن بين هذه المدارس، هناك 396 مدرسة أصيبت بقصفٍ مباشر.
ولم تسلم الأراضي الزراعية من العدوان الإسرائيلي، إذ أظهرت صور التقطها «مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة» في 26 أيلول 2024، أن 68% من الأراضي الزراعية في القطاع، أيّ ما يعادل 103 كيلومترات مربعة، تضرّرت من جراء الحرب.
وفي محافظة شمال غزة، بلغت نسبة الأراضي الزراعية المتضرّرة 79%، فيما بلغت في محافظة رفح 57%.
أمّا بالنسبة إلى الدمار الذي لحق بالأصول الزراعية، بما في ذلك أنظمة ريّ ومزارع مواشٍ وبساتين وآلات ومرافق تخزين، فالنسبة أكبر من ذلك بكثير، إذ تراوحت حتى مطلع 2024 بين 80% و96%، وفقاً لتقرير نشره في أيلول «مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية».
وفي ما خصّ شبكة الطرق، بلغت نسبة الضرر 68%. إذ دمّر من جراء الحرب ما مجموعه 1,190 كيلومتراً من الطرق، من بينها 415 كيلومتراً تضررت بشدّة و1,440 كيلومتراً تضرّرت بشكلٍ متوسط، وفقاً لتحليلٍ أوّلي أجراه «يونوسات» في 18 آب الماضي.
أكثر من 70 شهيداً في غزة... و«القسام» يُحذّر
استشهد وأصيب عشرات الفلسطينيين في غارات إسرائيلية على قطاع غزة، بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار مساء أمس، فيما حذرت المقاومة من احتمال تعرض أسرى إسرائيليين للقتل في حال استمرار الغارات المعادية.
وأفادت وكالة «وفا» الفلسطينية باستشهاد 77 فلسطينياً بينهم 21 طفلاً و25 امرأة، وإصابة 250 آخرين، في غارات جوية على قطاع غزة.
وفي التفاصيل، استشهد في خانيونس (جنوب) 7 أشخاص، وفي دير البلح (وسط) 4 أشخاص، وفي مدينة غزة (شمال) 66 شخصاً، فيما أصيب قرابة 250 شخصاً.
وأحصت وزارة الصحة استشهاد 81 فلسطينياً في الساعات الـ 24 الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الضحايا منذ 7 تشرين الأول 2023 إلى 46,788 شهيداً و110,453 جريحاً.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، لوكالة «فرانس برس»، إن جيش الاحتلال شنّ «عشرات الغارات الجوية الدموية بعد إعلان اتفاق وقف النار»، واصفاً إياها بـ«الغارات الانتقامية».
وأوضح بصل أن جيش الاحتلال «دمر عشرات البيوت في مخيمات النصيرات والبريج (وسط) وخانيونس (جنوب) وجباليا (شمال القطاع) ومدينة غزة بعد إعلان الاتفاق».
وفي هذا السياق، أعلن الناطق العسكري باسم كتائب «القسام» أبو عبيدة أن «جيش العدو قام بعد الإعلان عن التوصل للاتفاق، باستهداف مكان تتواجد فيه إحدى أسيرات المرحلة الأولى للصفقة المرتقبة».
وحذّر أبو عبيدة، عبر «تلغرام»، من أن «كل عدوان وقصف في هذه المرحلة من قبل العدو يمكن أن يحوّل حرية أسير إلى مأساة».