
زوارق في الجبل: المشهد اليمني الراهن
في قلب الشرق المُثخن بالجراح، حيث تتراقص أشباح الماضي على أنقاض الحاضر، يئن يمن السعيد وجعًا مكتومًا.
ليست جراحه مجرد ندوب خلفتها صراعات دامية، بل هي تمزقات عميقة في نسيج الروح، ندوب تحكي قصة شعبٍ صابرٍ، استُبيحت أرضه، ودُنست كرامته، وبات ينتظر الفجر الذي طال انتظاره.
لقد تحول اليمن إلى مسرح عبثي، حيث تتصارع قوى لا تعبأ بدموع الأمهات الثكالى، ولا بأنين الأطفال الجياع، ولا بحنين الشيوخ إلى وطنٍ آمن.
إنها حرب استنزفت الأخضر واليابس، حربٌ لم تترك بيتًا إلا ودخلته فاجعة، ولم تدع قلبًا إلا وأضناه الحزن.
والأكثر فتكًا من كل ذلك، هو الفراغ الهائل الذي خلفه غياب الرؤية والمسؤولية، والذي سمح للحوثي وزبانيته بأن يعيثوا في اليمن فسادًا، وكأن وجودهم خبيث كداء اللوكيميا، لا يبارح الجسد إلا بفناء الروح.
في هذا المشهد القاتم، يبرز سؤال وجودي مؤلم: أين ذهبت بوصلة الضمير لدى أولئك الذين تصدروا المشهد؟ أين اختفت قيم العدل والإنسانية التي تغنى بها الأجداد؟
لقد بدا وكأن الكراسي والمناصب قد أعتعت بصائرهم، وأغلقت آذانهم عن صرخات الاستغاثة، وحولت قلوبهم إلى حجارة صماء لا تنبض بالرحمة.
إن موت الضمير ليس مجرد غياب للإحساس، بل هو تحول فاجع للإنسان إلى كائنٍ نفعيٍ محض، لا يرى في الوطن إلا غنيمة، وفي الشعب إلا وقودًا لمطامعه.
لقد تجرد هؤلاء القادة من مسؤوليتهم التاريخية، وباعوا أرواحهم بثمن بخس، تاركين خلفهم أمةً ممزقةً، تتساءل عن جدوى صبرها، وعن مستقبلٍ يلوح في الأفق باهتًا كشمسٍ كسيفة.
لكن، وفي خضم هذا اليأس العميق، تومض جذوة الأمل خافتة في عيون البسطاء، في صبر الأمهات، في عزيمة الشباب الذي لم يفقد إيمانه بغدٍ أفضل.
إن روح اليمن عصية على الانكسار، جذورها ضاربة في أعماق التاريخ، وشعبها وإن تداعت عليه الخطوب، سيظل شامخًا كجباله الأبية.
إن معاناة اليمن ليست مجرد خبر عابر في نشرات الأخبار، بل هي صرخة مدوية في وجه الإنسانية جمعاء، هي اختبار حقيقي لقيمنا ومبادئنا.
فهل نصمت أمام هذا النزيف المستمر للروح؟
أم نهب لنجدة شعبٍ يستحق الحياة، ويستحق قادة يستشعرون معنى المسؤولية، ويوقظون ضمائرهم الغافية؟
إن اليمن ليس مجرد بقعة على الخريطة، بل هو حضارة عريقة، ومهد للقيم، وشعب يستحق أن يحيا بكرامة على أرضه.
وإن غدًا لناظره قريب، فربما تنبت من رماد الألم براعم أملٍ جديد، ويزهر يمن السعيد من جديد، شامخًا أبيًا، وقد استعاد روحه التي كادت أن تزهق على مذبح اللاجدوى.
بقلم: إ. عبدالله الشرعبي