هل يكرهون التفاح؟: زيف الجنة الموعودة في صراعات اليمن
في خضم الصراعات الدامية التي تمزق اليمن، يبرز سؤالٌ مؤرقٌ يلامس شغاف الفكر والفلسفة:
لماذا يستميت البعض في دفع الآخرين إلى محرقة القتال باسم "الجهاد"، ويُغدقون عليهم وعوداً بجنانٍ خالدة وحورٍ عين، بينما يفضلون هم البقاء بعيداً عن أتون المعارك؟
هذا التناقض الصارخ يدفعنا إلى التساؤل: متى سيأكل هؤلاء "التفاح" الذي يعدون به غيرهم؟
إن الخطاب التحريضي الذي يمارسه الحوثيون، على سبيل المثال لا الحصر، ليس مجرد دعوة للقتال، بل هو غوصٌ عميق في براثن التلاعب الديني والنفسي.
فعندما تُقدّم "مفاتيح الجنة" وأماكن "المنازل فيها" كعملة رخيصة تُشترى بها الأرواح، وعندما يُحرّض الأبناء على الآباء بذريعة "فساد" و"تغيير شرع"، فإننا أمام مشهدٍ عبثي يمزق النسيج الاجتماعي والديني للبلاد.
يتم زرع الخرافة والجهل والأفكار المريضة بدلاً من غرس بذور العلم والنور، وكل ذلك تحت مظلةٍ زائفة من القداسة.
يُعدّ الجهاد في الإسلام مفهوماً عظيماً، يرتبط بالدفاع عن الحق والعدل ونشر السلام، لا بالقتل العشوائي وتدمير الأوطان وقتال الأخوة.
ولكن ما يحدث في اليمن هو استغلال بائس لهذا المفهوم السامي، ليصبح أداة لفرض السيطرة السياسية، وتصفية الحسابات الشخصية، وتغذية الأطماع الدنيوية.
إن التضحية بالشباب والأطفال في سبيل تحقيق أهدافٍ لا تخدم سوى مصالح فئة معينة، لهو انحرافٌ خطير عن كل القيم الإنسانية والدينية.
وإذا كانت الجنة وما فيها من نعيمٍ وحوريات هي الغاية القصوى، وهي المقابل الحقيقي لهذا القتال، فلماذا لا يبادر هؤلاء الدعاة أنفسهم وأهلوهم إلى نيل هذا الشرف العظيم؟
هم أولى بالتفاح وغيره من ملذات الدنيا، بدل السلتة والفحسة التي تتطاير على موائدهم مثل البراكين وتقطع الأمعاء.
لماذا يفضلون الجلوس في صعدة، في كهوفها وجبالها الوعرة، وفي تلك المنطقة النائية، بينما يرسلون أبناء الآخرين إلى مصيرٍ مجهول؟
هذا التناقض ليس مجرد سؤال عابر، بل هو ضربةٌ قاصمةٌ لمصداقية دعواتهم، وكشفٌ لزيف ادعاءاتهم.
إن "التفاح" الذي يتغنى به المحرضون، هو في حقيقته مجرد خرافة تُباع لليائسين والمغلوبين على أمرهم. متى سيأكلون هذا التفاح؟
ربما لن يأكلوه أبداً، لأنه ليس موجوداً إلا في عقولهم المريضة التي تستغل بساطة الناس وتدينهم لتحقيق مآرب دنيوية بحتة.
الجنة ليست مكاناً يُشترى بالدماء البريئة، وليست سلعةً تُقايض عليها أرواح الأطفال والشباب.
الجنة هي ثمرة الإيمان الحقيقي، والعمل الصالح، ونشر العدل والسلام، وهي ليست حكراً على من يدفع الآخرين إلى الهلاك.
فليتوقف هؤلاء عن تزيين الباطل بثوب الحق، وليتوقفوا عن بيع الوهم للناس.
فاليمن يستحق أن يعيش أهله في سلام، وأن يأكلوا التفاح من أشجارٍ غُرست بالإخاء والمحبة، لا من أشجارٍ رويت بدماء الأبرياء.
بقلم: أ. عبدالله الشرعبي