
اليمن بين لعنة الجغرافيا ونقمة التأريخ
أيها القارئ الكريم، اسمح لي أن أهمس في أذنك حكاية وطن جريح، وطن اسمه اليمن، تلثم جراحه عبق التاريخ وتكويه أطماع الجغرافيا.
أكتب إليك وقلبي مثقل بوجع أمة، وعيني تذرف دمعًا مرًا على أرض مباركة تحولت نعمتها نقمة.
تخيل معي بقعة على خارطة العالم، تتربع في خاصرة الأرض كنجمة متلألئة، تشرف على مضائق حيوية وبحار واسعة، نقطة وصل بين قارات ثلاث. هذا هو اليمن، مفتاح التجارة ومهد الحضارات.
لكن يا للحسرة، هذا الموقع الفريد، الذي كان يومًا مصدر ازدهار وتواصل، تحول اليوم إلى لعنة تطارد أهله.
فماذا جنت اليمن من موقعها الاستراتيجي إلا أطماع الطامعين؟ تدخُّلات سافرة باسم حماية المصالح، وصناعة لحكام دمى يحركونهم كيف شاءوا، وتأجيج لفتن طائفية ومذهبية لم يعرفها اليمن من قبل.
تحويل لخيرات البلاد إلى وقود لحروب لا ناقة لها فيها ولا جمل، وشعبها يدفع الثمن من دمائه وأمنه واستقراره.
أما التاريخ، يا صديقي، فتلك حكاية أخرى تدمي القلب. أرض سبأ وحمير ومعين وقتبان، حضارات شامخة أضاءت الدنيا بعلمها وفنونها وسدودها وقصورها.
تاريخ عريق ضارب بجذوره في أعماق الزمن، شواهد حضارية ما زالت قائمة تحكي أمجادًا غابرة.
لكن هذا الماضي العظيم، بدل أن يكون مصدر فخر ووحدة، تحول في نظر البعض إلى مادة للحقد وعقدة نقص دفينة.
تجمعت قوى الشر، مدفوعة بأحقاد الماضي وأطماع الحاضر، لتنال من كرامة هذا الشعب العريق، الذي يمتد نسبه إلى جذور العروبة الأصيلة.
حرب ضروس لم تبق ولم تذر، تمزيق للنسيج الاجتماعي، وتفتيت للأرض الطيبة.
ولم يكتفوا بذلك، بل وجدوا في غمرة الفوضى والدمار فرصة سانحة لنهب الآثار وسرقة كنوز الماضي، محاولين طمس هوية وتاريخ أمة بأكملها.
ثم جاءت الطامة الكبرى، جماعة الحوثيين، لتزيد الجرح عمقًا والليل ظلمة.
عبثوا بمقدرات البلاد، واستغلوا ضعفها، وحولوا اليمن السعيد إلى ساحة حرب عبثية، خدمة لأجندات خارجية لا تخدم مصلحة اليمن وأهله.
أيها القارئ، إن ما يحدث في اليمن ليس مجرد صراع على السلطة أو موارد.
إنه صراع بين حضارة عريقة وأطماع دخيلة، بين كرامة شعب وتآمر قوى ظلامية.
إنها حكاية أرض مباركة ابتليت بجغرافيا نافذة وتاريخ مجيد، فتحا عليها أبوابًا من الحسد والجشع.
لكن يبقى الأمل، يا صديقي، شعلة لا تنطفئ في قلوب اليمنيين الأحرار.
أمل في غدٍ مشرق، يعود فيه اليمن سعيدًا كما كان، موحدًا شامخًا، يستلهم من تاريخه العظيم قوته، ويستثمر موقعه الاستراتيجي في بناء مستقبل مزدهر لأجياله القادمة.
بقلم: أ. عبدالله الشرعبي