دمشق "عاصمة الياسمين" .. ولؤلؤة الشرق
تأسست "مدينة الياسمين"، العاصمة السورية دمشق في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ما يجعل منها إحدى أقدم المدن المسكونة في العالم.
ولأنها دمشق و"شامة الدنيا"، كما وصفها شاعرها وابنها الراحل نزار قباني، حرصت كلّ الحضارات التي مرّت عليها على تشييد صروحٍ ومعالم فيها، أو على الأقل إعادة بناء بعضها لتؤكّد أنها مرّت في واحدة من أعرق وأقدم مدن الأرض .
وتعرف دمشق بأسماء متعددة مثل: "ذات العماد" و"إرم ذات العماد"، و"حبر" و"نورام" و"بت رامون" و"ديمترياس و"جلق" و"درة الشرق" و"شامة الدنيا" و"شام شريف" و"كنانة الله" و"دامسكا و"الفيحاء" و"تيماشكي" و"ديماس" و"يماسكوس" و"الدار المسقية" و"مدينة الياسمين".
وبينما تشكّل دمشق القديمة 5% من مساحة سوريا، إلا أنها تتميّز بوجود الأماكن الأثرية والتراثية، والمقامات والأضرحة والخانات والأسواق والشوارع التي تحتوي على الحجارة المرصوصة بشكلٍ جميل جداً، وغيرها الكثير من المعالم التاريخية.
أقدم المساجد والكنائس
زوّار دمشق الكثر يعاينون بشغف قبب الكنائس ومآذن المساجد التي يتعانق فيها الهلال والصليب معاً لتشكّل نسيجاً متماسكاً للعيش المشترك، ولوحة تحكي عن عراقة المكان وأهله.
أما الجامع الأموي الكبير الذي شيّد في القرن الثامن،فيعتبر الأروع بين 125 نصباً ترقى إلى مراحل تاريخية مختلفة. وبمآذنه الثلاث التي تنتصب كشواهد تاريخية وتحف معمارية تحلّق في سماء الفيحاء غدت دمشق أنموذجاً فريداً يحتذى به في الحفاظ على التراث والتاريخ المجيد التليد.
وعندما نتحدّث عن دمشق علينا ألّا ننسى كنائسها القديمة، فالكنيسة "المريمية" تُعدّ من الكنائس الأثرية العريقة، لا في دمشق فحسب، إنما في بلاد الشام أيضاً، وارتبط تاريخهما، وهي مقرّ بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.
وتُعتبر كنيسة "حنانيا" في حي باب توما الأقدم في دمشق بعد الكنيسة المريمية ومن أقدم الكنائس في العالم تعود للحقبة الرومانية، وتقع الكنيسة القديمة تحت الأرض ينزل إليها بدرج يفضي إلى تحفة تاريخية تعود إلى أكثر من 2000 عام.
"قصر العظم" وساحات دمشق
وهناك "قصر العظم" في النهاية الشمالية لـ "سوق البزورية" بمساحة تبلغ 6400 متر مربّع، حيث تمّ بناؤه في العام 1749، ويُعدّ نموذجاً للبناء الشامي العتيق القديم بحجارته الملوّنة وأقسامه وحدائقه الداخلية.
وبينما تشكّل ساحة الأمويين أكبر ساحات العاصمة السورية دمشق، أعيد تجديدها ووضعت نوافير مياه في وسطها. حيث يوجد في طرفها نصب لسيف دمشقي كرمز لقوة المدينة ومنعتها، وهو ينتصب حاملاً إرثها الحضاري ومختزلاً تاريخاً، ودليلاً على مهارة الحرفيّ الدمشقيّ.
قلعة وأسوار
أمّا قلعة دمشق المحصّنة فقد أُنشئت في العصور الوسطى، وتعدّ من أهم معالم فنّ العمارة العسكرية والإسلامية في سوريا في العصر الأيوبي، وقد أدرجت على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي عام 1979.
وتقع القلعة في الركن الشمالي الغربي من أسوار مدينة دمشق عاصمة سوريا، ويحيط بها خندق عرضه نحو 20 متراً.
البيوت الشامية مع "بَحرتها"
وبسبب تاريخها الضارب في القدم، أُدرجت دمشق في عام 1979 على قائمة التراث العالمية، ثم تلتها بصرى القديمة وموقع تدمر في العام 1980، وحلب القديمة عام 1986 وفي عام 2006، قلعة الحصن وصلاح الدين الأيوبي، وكذلك مدن شمال سوريا في العام 2011.
وذاع صيت منازل الشام المميّزة من ناحية البناء المعماري، وأهمها البيوت العربية، والتي تختلف عن غيرها من البيوت، بوجود بحيرة (تسمّى بالعامية بَحرة) جميلة في وسط البيت، وحولها العديد من الغرف، وتتكوّن من طابق أو طابقين أو 3 في الأغلب.
يعود تاريخ البيت الدمشقي إلى القرن السابع عشر، واستمرّ بناؤه على هذا النمط حتى دخلت دمشق في العصر الحديث، وبدأت تتأثر نهضتها العمرانية بالنمط الغربي بعد منتصف القرن التاسع عشر، وانفرد الفن المعماري في البيوت الدمشقية بأسلوب هندسي بسيط، وتكوين دقيق.
ولكم أن تتخيّلوا كم تحوي هذه البيوت من نباتات زينة وورود وأزهار، بالإضافة إلى الأشجار ومنها الحمضيات، وعلى رأسها شجرة "النارنج" و "الكبّاد"، وكذلك "الأكي دنيا" والكرمة، فضلاً عن الجماليات التراثية العتيقة.
وتعرّضت المعالم الأثرية في دمشق إلى الكثير من محاولات التدمير والطمس، بسبب الحروب (كان آخرها القصف الإسرائيلي الذي تعرّضت له قلعتها في شباط/فبراير 2023) والعوامل الطبيعية وأهمها الزلازل، ولكن تمّت إعادة ترميم هذه المناطق بعد فترة قصيرة.
ومن الجدير بالذكر أنّه في فترة الانتداب البريطانيّ والحرب العالميّة الثانية تعرّضت الأسواق والأوابد للدمار قبل ترميمها.
ويشكّل "خط سكة حديد الحجاز" أو "السكة الحديدية الحميدية"، إنجازاً هندسياً أنشئ في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أوائل القرن التاسع عشر، واستمرّ العمل فيه 8 سنوات.
ويلج الزائر دمشق من كلّ أنحاء العالم عبر بوابات قديمة وهي: باب توما،. باب الجابية، باب كيسان، باب السلام،.باب الفرج، باب شرقي، باب الصغير،. باب الفراديس: وهو باب العمارة.
أسواق عريقة وحمامات تراثية
ومن المعالم التراثية التي ما زالت حتى هذا اليوم: سوق مدحت باشا. متحف الخط العربي. مرقد السيدة رقية، معبد جوبيتر الدمشقي، مكتب عنبر، الشارع المستقيم، تكية السلطان سليم، المكتبة الظاهرية. حمام نور الدين الشهيد وغيرها..
أمّا عن أحياء مدينة دمشق فهي: القيمرية. الشاغور. حي الميدان. حي الصالحية. حي باب توما. حي العمارة. حي القنوات. حي باب شرقي. حي ساروجة. حي الأمين.
ولا يملّ الزوّار والسيّاح من أسواق دمشق القديمة العريقة،ويكاد صيت سوق الحميدية يرقى إلى العالمية!
وجميع هذه الأسواق تمتاز ببضائعها التي لم تتبدّل جودتها رغم مرور العقود والسنوات، وكذلك بتخصّصها في عرض السلع والمنتجات السورية العريقة واللذيذة التي شكّلت تراثاً سورياً أخّاذاً.
وعبقت أسواق دمشق بروائح الحمّامات الشعبية المنعشة. وقُدِّر عددها بأكثر من 167 حمّاماً منذ العصر الأموي، لم يبقَ منها اليوم أكثر من 10 حمامات تمتاز جمعيها بنمط بناء واحد من حيث الزخرفة والمواد المُستخدَمة وتختلف في طريقة البناء والمساحة.
وتحافظ حمّامات الشام القديمة على طابعها التقليديّ وترسُم لوحة تاريخية بزخرفها وجلسات السمر فيها، وهو إرثٌ يميّز أسواق وحارات الشام العتيقة.
الكاتب: عبد الله ذبيان