
حيس اليمنية... مدينة التراث والحلوى
اكتسبت مدينة حيس التابعة لمحافظة الحديدة غرب اليمن أهمية تاريخية لكونها قديمة حديثة معاصرة، وعبر الزمن احتفظت بشهرة من وجود بعض الصناعات والحرف التقليدية فيها، فأبنائها يعملون في حياكة حصير النخيل ببراعة موروثة منذ قرون، ويصنعون الفخاريات والحلوى المعتقة بزيت السمسم اليمني.
ولا تزال تلك الصناعات والمشغولات اليدوية تقاوم عوامل الزمن الضاغطة حتى يومنا هذا، وتتمسك عشرات الأسر بها كمصدر دخل يسير.
مدينة متنوعة
المتجول في أزقتها وسوقها الشعبية يمكن أن يلاحظ عشرات المعامل التقليدية والمتاجر والبسطات المتخصصة في صناعة وبيع الحلوى، نسوة إلى جانب رجال يحيكون سعف النخيل، حرفيون يبيعون الفخاريات في بسطات ودكاكين صغيرة، وفتيات صغيرات يرتدين القميص التهامي المزركش، ورجل يعزف المزمار (الناي)، وجمع من الناس يمارسون رقصات شعبية.
الحلوى رمز تاريخي
وحيس موطن الحلوى الشهيرة والمسماة بـ"الحيسية"، وهي صنف من الحلوى تصنع من مكونات طبيعية محلية وطحين ومكسرات، وتطبخ بزيت السمسم، مما يعطيها نكهة وجودة ومذاقاً متفرد، ومن أنواعها المشبك والسمسم والحلوى العادية.
ففي معمل تقليدي يعمل سالم متيله (35 سنة) على صناعة أصناف متنوعة من الحلوى الحيسية، لكنه يشكو من ضعف الإقبال على شرائها،
ويقول "كنا نصدر الحلوى كهدايا في المناسبات والأعياد والأفراح إلى جميع المحافظات والمديريات والمناطق الجبلية والريفية اليمنية والسعودية، لكننا توقفنا حالياً. وبسبب قطع الطرق وغلاء المعيشة والتدهور الاقتصادي بما في ذلك سعر العملة، أصبحنا ننتج كميات قليلة".
وأوضح "مكاسب الحلوى قلت، فالزبون الذي كان يشتري كمية كبيرة أصبح يشتري كيلوا واحد، والذي يشتري كيلوا واحد حالياً يشتري ربع كيلو".
الفخاريات
تشتهر تلك النقطة الجغرافية بـ"الحياسي"، وهي فناجين القهوة والأوعية المصنوعة من الفخار، التي كانت تصدر إلى الجانب الأفريقي من البحر الأحمر وإلى بلاد الأناضول.
أضف إلى ذلك، الأدوات المصنوعة من حصير النخيل ومنها الحبال والمسارف ومكامن الجمال، وصناعة الأصباغ، والحجر الجيري المحروق (النورة)، والأجر التي تبنى به معظم المنازل في تهامة.
معالم تاريخية وأثرية تقاوم الاندثار
ومن المعالم التاريخية والأثرية التي لا تزال باقية في حيس حتى اليوم، ولكنها مهددة بالاندثار نجد السوق القديمة، والجامع الكبير المظفري، وقلعة حيس التاريخية.
واكتسبت حيس أهميتها بدرجة أساسية من كونها حلقة وصل ومركز تسوق تجاري مفتوح يتوسط ثلاث محافظات، تعز وإب والحديدة، وتعد السوق القديمة أحد أبرز معالم المدينة.
سكان القرى المجاورة ومنها شرعب وشمير ووصاب والجراحي وزبيد يتسوقون إليها، ويبيعون ما لديهم من منتجات ويشترون أخرى حيسية.
وفقاً لسكان محليين فإن السوق التاريخية تحتاج إلى عملية صيانة وإعادة تأهيل، ورصف وتبليط وإصلاح اسقف المتاجر الداخلية والخارجية.
مدينة مهملة
يقول الكاتب والمؤرخ اليمني عبدالجبار باجل إن "مدينة حيس التاريخية تعاني على الصعد كافة، فمعالمها التاريخية والأثرية تعرضت إلى الإهمال وتوشك أن تندثر، والصناعات الحرفية تكاد تختفي لولا صمود أصحابها،
فضلاً عن تكدس القمامة والمواد الصلبة في أزقتها وشوارعها"،
وذكر "إذا لم يحصل تطبيب صحيح وسرعة في عملية الصيانة والترميم لتلك الشواهد التاريخية ستندثر".
وتعد قلعة حيس من أبرز المعالم التاريخية في المدينة، وهي حميرية في الأصل بنى الرسوليون على أثرها مقراً عسكرياً للجند وداراً للضيافة وبيت مال للمسلمين ومدافن للغلال، وفي عهدهم أيضاً تهدمت.
وأثناء الاحتلال العثماني لليمن كانت القلعة التاريخية عبارة عن مجمع إداري وحكومي وحامية سياسية، وفي عهد الأئمة لعبت دوراً كبيراً في صد جيش الإمام المهدي الذي قدم إلى منطقة حيس بهدف السيطرة عليها.
اعتداء سافر
وأشار باجل إلى أن "القلعة التاريخية تهدمت نوباتها وبواباتها ومخازن الغلال ودار الضيافة فيها"، مضيفاً أنه تم السطو عليها من هيئة الواجبات في المحافظة،
وشيد فيها مكتب من أسمنت في اعتداء سافر على المعالم التاريخية والأثرية التي تحدد هويتنا كيمنيين، كما سطا عليها المواطنون وأخذو ما فيها من أخشاب وغيره.
وفي حيس يوجد كثير من الآثار والمساجد ذات الطابع التاريخي المهددة بالاندثار، ففيها 25 مسجداً بنيت أيام الدولة الرسولية والعثمانيين، ويعد الجامع الكبير أبرزها. وشيد في عهد الأمير المبارز بن برطاس الكردي بأمر من الملك المظفر الرسولي في منتصف القرن السابع الهجري،
وصمم معماره آنذاك ليكون مسجداً للصلاة ومركزاً للتعليم، ولا يزال كذلك إلى يومنا هذا.
خلفية تاريخية
وحيس آخر معاقل تهامة وسميت كذلك نسبة إلى الأمير والقائد العسكري "حيس بن يريم بن ذو رعين"، أحد قادة الملك "أسعد الكامل" الذي تصدى معية والده وجده، لفلول الأحباش وطردهم منها، وحكمت من الحميريين.
وبحسب إفادة الكاتب والمؤرخ اليمني باجل فقد "لعبت حيس دور الوسيط التجاري والسياسي في العصر الحميري فكانت مركزاً يتوسط ميناء موشج الحميري وعاصمة الحميريين ظفار (إب)، والتحصين الأول لمواجهة غزو الفلول الحبشية التي كانت تهدد اليمن واستعمرتها".
وأشار المتحدث إلى أنها "لعبت الدور نفسه في عهد الدولة الرسولية، وكانت هي الوسط والتحصين والحامية للعاصمتين زبيد وتعز. فمثلاً كان عندما لا يصل أمير زبيد لاستقبال الوالي الرسولي في حيس، يعتبر متمرداً ويضرب بالقوة العسكرية الموجودة في حيس".
محمد الخطيب
صحافي يمني