
مبادرات للحدّ من ظاهرة إطلاق الرصاص في الأعراس اليمنية
يعدّ إطلاق الرّصاص خلال الأعراس إحدى الظواهر المنتشرة في المجتمع اليمني باعتبارها عادةً اجتماعيةً تتعلّق بالموروث القَبَلي، إذ يرمز السّلاح إلى الرجولة والفخر، لكنّ هذه الظاهرة باتت محلّ رفض من كثيرين مع تزايد سقوط ضحايا لإطلاق الرصاص العشوائي.
لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد ضحايا إطلاق الرّصاص في الأعراس، نتيجة عدم التبليغ عن الحوادث إلى الجهات الأمنية، والتي تُحلُّ عرفياً بعد أن تُحوِّل الأفراح إلى أحزان، لكنّ الضحايا يقدّرون بالعشرات سنوياً ما بين قتيل وجريح.
وساهمت الحرب الدائرة منذ سنوات في ظهور الكثير من المجموعات والكيانات المسلّحة في البلاد، كما أسهمت في توفر الأسلحة والذخائر كثيراً،
حتى أصبحت في متناول كثير من الأفراد، الذين يستخدمون ما في جعبتهم من رصاص خلال الأعراس نوعاً من الاستعراض أو التباهي، وهي ظاهرة منتشرة في الأرياف والمدن على حد سواء.
ورغم أن الأجهزة الأمنية تنفذ بين الحين والآخر حملات لمكافحة ظاهرة إطلاق الرّصاص في الأعراس، إلّا أنها تظلُّ عاجزة عن إنهائها،
إذ يستدعي ذلك تحرّكاً من داخل المجتمع، كما يحتاج إلى زيادة الوعي أكثر مما يحتاج إلى الضبط الأمني في مجتمع تزيد أعداد قطع السلاح فيه عن عدد السكان.
شهدت مديرية مشرعة وحدنان بريف محافظة تعز، عدداً من الحوادث الناتجة عن إطلاق الرّصاص في الأعراس، تسببت بسقوط قتلى وجرحى،
ما جعل مدير عام المديرية جمال النقيب، يبادر إلى تأسيس مبادرة مجتمعية لمحاربة تلك الظاهرة، تشمل التوقيع على وثيقة شرف تتضمن التزام أفراد المجتمع بعدم المشاركة في أي حفل زواج يُطلَقُ الرّصاص فيه، وفرض غرامة مالية على أي عريس يُطلَقُ الرّصاص في عرسه.
يقول النقيب "إطلاق الرّصاص في الأعراس عادةٌ خطيرة تهدّد أرواح الأبرياء، وتسبب العديد من المآسي التي تصل إلى حدّ حصول وفيات أو إصابات بالغة، خاصّة بين الأطفال والنساء،
كما تؤدي إلى نشر الذعر بين أفراد المجتمع، وتعريض الممتلكات للخطر، فضلاً عن أنها مظهر غير حضاري يسيء إلى قيمنا الاجتماعية".
يضيف: "تزايد الحوادث الناتجة عن ظاهرة إطلاق النار في الأعراس والمناسبات الاجتماعية دفعنا إلى مبادرة أطلقنا عليها اسم (مبادرة الشرطة والسلامة المجتمعية)،
تهدف إلى توعية المواطنين بمخاطر هذه الظواهر التي تؤثر على سلامة المجتمع، وتعزيز الوعي القانوني بعقوبات المخالفين،
وجرى تدشين المبادرة بالتعاون والتنسيق مع مشايخ وأعيان المديرية، وبدعم من الجهات الأمنية بالمحافظة، وعدد من منظمات المجتمع المدني، كما جرى التنسيق مع المكاتب ذات الصلة بالمديرية، مثل التربية والتعليم والأوقاف والثقافة".
يتابع النقيب: "حقّقت المبادرة نتائج إيجابية، إذ لاحظنا انخفاضاً ملحوظاً في حالات إطلاق الرّصاص خلال المناسبات، وزيادة الوعي العام حول مخاطرها،
ما يعكس التزام المجتمع بتحقيق الأمن والاستقرار، ونأمل أن تستمر الجهود حتى يجري القضاء التام على هذه الظاهرة حفاظاً على الأرواح وحمايةً للسلم الاجتماعي".
وانتشرت مبادرات مجتمعية مماثلة في أكثر من منطقة يمنية، ما كان له أثر إيجابي في ترسيخ الوعي، وبات الكثير من أصحاب الأعراس يرفقون بدعوة الزفاف عبارة: "لطفاً... يُمنع إطلاق الرّصاص"،
كما أن انتشار محالّ بيع الألعاب النارية، التي تباع من دون تراخيص مسبقة، ساهم في الحدّ من ظاهرة إطلاق الرّصاص، إذ تمثل الألعاب النارية بديلاً مقبولاً لدى كثيرين.
ورغم أن المبادرات المجتمعية حدّت من انتشار الظاهرة، إلّا أنها تعجز عن القضاء عليها، خاصّة وأن لها ارتباطاً بالموروث الاجتماعي وبالتركيبة القَبَليّة للمجتمع اليمني.
يقول الباحث الاجتماعي عارف الشميري، إن "إطلاق الرّصاص في الأعراس ظاهرة متوارثة ومترسّخة في اليمن،
فالمواطن اليمني يرى أنّ السلاح رمز للقوة والمكانة والحضور الاجتماعي، ويحضر السلاح في جميع المناسبات، خاصّة التي تجمع القبيلة باعتبارها الأسرة الكبيرة،
ومن العادات أيضاً إطلاق الرّصاص في مناسبات الصلح بين المتخاصمين، أو ما يسمى بالتحكيم، ضمن رد الاعتبار للشخص المعتدى عليه نوعاً من الاعتذار".
يضيف الشميري: "ظاهرة إطلاق الرّصاص في الأعراس كانت شبه معدومة في المجتمعات الأكثر تمدُّناً في محافظات الجنوب ومحافظة تعز،
لكن الحرب التي تشهدها البلاد أعادت تفعيل هذه الظاهرة، وقد غزت أعراس معظم المدن، بما فيها المناطق الأكثر تمدّناً مثل عدن وتعز، وهذا ناتج عن كون لغة القوة باتت متحكّمة، ليس بالمشهد السياسي فحسب، بل بالمشهد الاجتماعي والثقافي أيضاً".
فخر العزب
صحافي يمني