
"المشاقر"... زهرة الجمال والمقاومة في وجه الحرب والحداثة
كثيراً ما عرفت تعز بمكانتها الثقافية البارزة في اليمن، وامتازت عن غيرها من المحافظات بموروثها الشعبي اللافت، لا سيما في مجال المظهر والزينة،
حيث يحرص الرجال والنساء على التزين في المناسبات الاجتماعية بباقات من الورد والزهور العطرية، المعروفة بـ"المشاقر"، باعتبارها موروثاً شعبياً يجسد ثقافة الجمال والسلام والهوية اليمنية الأصيلة.
قلق وخوف
الوصول إلى مدينة تعز، التي تشهد انقساماً في السيطرة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في الجزء الغربي، وجماعة الحوثي التي تسيطر على الجزء الشرقي، لا يزال محفوفاً بالخوف والقلق، بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي يفرضها طرفا الصراع على الداخلين والخارجين منها.
ولا تزال آثار الحرب ماثلة للعيان في شوارع وأحياء المدينة، حيث تقبع مبان مدمرة، وتبدو آثار القذائف والرصاص محفورة على الأرصفة وواجهات المنازل وأبواب المحال، شاهدة على حجم الدمار الذي خلفه الصراع.
مصدر رزق متواضع
في هذه المدينة المحاصرة منذ نحو 10 أعوام، تعتمد نساء يمنيات مكافحات على بيع الورد والزهور العطرية أو "المشاقر" كمصدر دخل يسير يتيح لهن فرصاً ضئيلة للحياة، وسط حرب أنهكت البلاد.
واحدة من هؤلاء النسوة هي حسن محمد (77 سنة)، التي تنطلق يومياً إلى جبل صبر – أعلى قمة جبلية في تعز – لجمع أصناف من الزهور العطرية وتنسيقها في باقات صغيرة وبيعها في السوق المركزية وسط المدينة.
تقول حسن إنها تمارس هذا العمل منذ أكثر من 30 عاماً، وتؤكد أن المشاقر بالنسبة إليها "تعني الجمال والسلام والتراث والهوية"، على رغم تراجع الإقبال عليها بسبب تدهور الأوضاع المعيشية.
بين الماضي والحاضر
وتتحدث حسن بنبرة حزينة "قبل الحرب، كان هناك إقبال كبير على المشاقر، وقد استطعت إعالة أولادي منها، أما اليوم فلم يعد يشتريها سوى القليل، وأحياناً أعود إلى المنزل من دون أن أبيع شيئاً".
ويظهر هذا التغير انعكاس التدهور الاقتصادي الحاد على الحياة اليومية في تعز، حيث أصبحت لقمة العيش شحيحة.
تعز... موطن المشاقر
تحمل المشاقر في تعز رمزية ثقافية واجتماعية عميقة، فهي تعد رمزاً للجمال والسلام والانتماء والهوية. وفي الأول من يونيو (حزيران) من كل عام، يحتفل أبناء تعز بـ"عيد المشاقر"، في محاولة للحفاظ على هذا الموروث الشعبي.
ويرى محمد عبدالله أن هذا العيد يحمل رسائل عدة، منها أن "اليمنيين قادرون على صناعة الفرح على رغم الألم، وأن الوطن يتسع للجميع، وأننا كشعب نستحق العيش والحياة".
المشاقر بين الجمال والأسطورة
تتكون باقة المشاقر من توليفة زهور عطرية، مثل: الريحان، والفيجل، والشذاب، والكاذي، والنرجس، والرند. تتباهى النساء بوضعها على خدودهن رمزاً للأنوثة، بينما يثبتها الرجال في عماماتهم أو في الشال كدليل فخر بالهوية.
وتراوح أسعار الباقة الواحدة بين 100 و500 ريال يمني (أقل من ربع دولار).
ويقول نايف الوافي، أحد سكان تعز "ترعرعت في بيت لا يخلو من المشاقر. زرعتها في منزلي وأسعى دائماً إلى اقتناء عطور تشبه رائحتها، إنها جزء من هويتي ومصدر إلهامي".
بين الروح والجسد
يستخدم "الشذاب" شعبياً للحماية من العين والسحر. وتروي لمياء البعداني، من محافظة إب، أنها في يوم زفافها كانت تحتفظ بـ"شذاب" في حقائبها لحمايتها من الأرواح الشريرة.
وتضيف "في حفلة يوم الغسل، يعطى للعروس مشقر شذاب، تقبض عليه حتى انتهاء الحفلة، للحماية من الحسد. وعند الولادة نضعه إلى جانب المولود للغرض نفسه".
استخدامات أخرى
إلى جانب الزينة، تدخل بعض أنواع المشاقر مثل "الخوعة" و"النعناع" في إعداد أطعمة يمنية شعبية، مثل السحاوق، أو لإضفاء نكهة مميزة على الشاي اليمني، مما يجعل للمشاقر مكانة في الحياة اليومية، تتجاوز بعدها الجمالي لتلامس العادات والتقاليد والغذاء والمعتقد.
محمد الخطيب
صحافي يمني