أزمة الدفاتر والسمسرة تعيق الحصول على جواز السفر في اليمن
تزايدت شكاوى اليمنيين من صعوبة الحصول على الوثائق الشخصية والاستغلال في المعاملات والإجراءات المتبعة في مصلحة الأحوال المدنية وفروعها، في ظلّ صعوبات وتعقيدات واسعة،
واستغراق الإجراءات لمدة طويلة ومنهكة على المستويات كافّة، مع استفحال الأزمة خلال الفترة الماضية بسبب انعدام الدفاتر، والتفشي الكبير للفساد والسمسرة.
ورغم انعكاس ذلك على إنعاش بعض القطاعات مثل الفنادق، إلّا أنها أدت إلى ارتفاع تكاليف الحصول على جواز السفر بحسب ما رصد "العربي الجديد"، إذ يقطع المواطن مسافات طويلة وشاقة للوصول إلى عدن أو تعز بهدف الحصول على جواز السفر أو البطاقة الشخصية أو تجديدهما، وأحياناً لا يتحصل على الجواز بحجة انعدامه،
هذا الأمر دفع بالمواطنين خاصة المضطرين للحصول على وثيقة السفر اللجوء إلى السماسرة الذين لديهم علاقات مع الجهات الحكومية المعنية، ودفع مبالغ مالية كبيرة مرتبطة بالفترة الزمنية تبدأ من 200 وتتدرج إلى 500 و800 ريال سعودي لاستلام جواز السفر، فكلما زاد المبلغ قلت مدة الانتظار.
ويضطر المواطن لقضاء أيام عدّة في الفنادق ودفع مبالغ طائلة موزعة بين مبيت ووجبات في المطاعم وغيرها من الاحتياجات اليومية قبل استلام الوثيقة الشخصية التي قدم لأجلها من مناطق بعيدة مثل صنعاء، حجة، ريمة، الحديدة، أو إب للحصول عليها،
فالحصول على مثل هذه الوثائق محصور بعدن أو المدن الرئيسية الواقعة تحت إدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، خاصة في حالة السفر عبر الخطوط الجوية اليمنية من المطارات الواقعة في المناطق الحكومية.
رحلة وتكلفة الجواز
وقال المواطن خالد الجرادي، أنه سافر من محافظة ذمار إلى عدن، للحصول على الوثيقة الشخصية بهدف السفر للعلاج، إذ ظل لحوالى 15 يوم في مدينة عدن بانتظار استلام جواز السفر بعد استكمال المعاملات المتبعة ودفع الرسوم.
ولقضاء هذه الفترة لجأ الجرادي لأحد الفنادق واستأجر غرفة تكلف في الليلة الواحدة نحو 100 ريال سعودي، (نحو 40 ألف ريال يمني بسعر صرف العملة المحلية)، وهو السعر المتبع في أغلب هذه المرافق باستثناء عدد محدود من الفنادق التي تصنف نفسها من الفئات الأعلى، إذ تفرض تكلفة مرتفعة تزيد على 300 ريال سعودي.
في الوقت الذي وصل فيه إنفاق الجرادي على الفندق الذي اضطر للنزول فيه بانتظار استلام جواز السفر نحو 1500 ريال سعودي وهو مبلغ كبير على مواطن بدخل محدود عمل على الاستدانة لتوفيره، لجأ سامي حيدر إلى أحد الفنادق الواقعة في المناطق الشعبية في عدن مثل الشيخ عثمان حيث يختلف سعر الليلة الواحدة والذي يتراوح ما بين 25 و30 ألف ريال.
وهو نفس المبلغ الذي تعتمده الفنادق في مدينة تعز جنوب غربي اليمن التي تستقطب الكثير من المواطنين الباحثين عن الوثائق الشخصية،
وقال حيدر ، إنه كان محتاجاً بشدة للحصول على جواز السفر، فلجأ إلى خيار السماسرة ودفع مبلغ من المال قال إنه وصل إلى 500 ريال سعودي، مقابل استلام الجواز بعد انتظار لمدة 7 سبعة أيام.
بيروقراطية
ويشير المحلّل الاقتصادي في عدن رضوان فارع، إلى أن أزمة دفاتر الجوازات مشكلة تتكرر منذ أن جرت إعادة إصدار وثائق السفر من الحكومة المعترف بها دولياً،
كاشفاً أن من أهم أسبابها هو "الفساد الحاصل في وزارة الداخلية ومصلحة الهجرة والجوازات، إذ اتضح عدم وجود تنسيق مع الحكومة من مصلحة الهجرة عند قيامها بطباعة الجوازات"، وهذا الأمر اتضح مؤخراً من خلال تدخل رئيس الحكومة سالم بن بريك لهذا الغرض.
إضافة إلى أن هناك "أعمال سمسرة في الطباعة، إذ تذهب جزء من العمولات إلى أشخاص وهي مبالغ كبيرة في ظل إقبال كبير من اليمنيين للحصول على الجواز حيث تجد جميع فروع مصلحة الهجرة والجوازات مزدحمة يومياً".
وقال المحلل الاقتصادي نبيل الشرعبي، إن المشكلة تبدأ من "الحكومة التي تعلن بين فترة وأخرى، إما إجراءات جديدة تربك معاملة الحصول على الهوية، أو تعلن نفاد دفاتر الجوازات ما يفتح الباب للسمسرة والمتاجرة بها"،
وفي أقل تقدير ومن خلال إطلاع عن قرب يحتاج الشخص القادم من صنعاء إلى عدن للحصول على جواز السفر يحتاج للبقاء في عدن لمدة لا تقل عن سبعة أيام، "هذا في حال جرى اللجوء للسماسرة ودفع ما يطلبونه من مبالغ بالريال السعودي".
بينما قد تطول المدة إلى أسبوعين وأكثر عند امتناع الشخص عن الدفع، وفي الأخير سيدفع مرغماً وإلّا لن يحصل على جواز، فضلاً عن أن الإقامة بعدن تكلف الشخص لأسبوع ما لا يقل عن 500 ريال سعودي، ناهيك عن تكاليف السفر.
في حال قرّر الشخص الحصول على وثيقة السفر عبر مكتب سفريات كما يجري التداول لا يختلف الأمر، وفي حالات كثيرة يتعرض للنصب والابتزاز فيضطر للدفع مرتين أو ثلاث مرات ما لا يقل عن 2000 ريال سعودي،
إذ يؤكد الشرعبي أن كثير من مكاتب السفر يعمل دون ترخيص أو بهويات مزورة أو عبر سماسرة بارعين في الاحتيال وتسويق الوهم.
ولا تزال أزمة الدفاتر قائمة، بالرغم من إعلان مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية لكافة المواطنين أن أزمة دفاتر الجوازات التي تسببت في تأخير طباعة الجوازات خلال الأشهر الماضية في طريقها للانتهاء، بعد وصول أولى الدفعات إلى المركز الرئيسي في عدن، على أن تتوالى دفعات إضافية بأعداد كبيرة لتغطية احتياجات كافة فروع المصلحة في المحافظات،
مؤكدةً أن العمل جارٍ بوتيرة عالية لطباعة الجوازات المتراكمة خلال فترة الأزمة.
دور الحكومة
ويرى فارع أن بإمكان الحكومة وضع حلول لهذا العجز والفساد والتأخير والتكاليف التي يتحملها المواطن، من السفر إلى المعاملات إلى الحصول على الجواز، وذلك من خلال تعبئة الاستمارات عبر موقع إلكتروني مخصّص لهذا الغرض.
بالمقابل، هناك تكاليف أخرى باهظة يتحملها المواطنين ، سببها الرئيسي شبكات من المكاتب في المحافظات التي تقع في مناطق سيطرة الحوثيين،
إذ تقوم هذه المكاتب بفرض مبالغ مالية بالريال السعودي على كل طالب جواز، والقيام بتوفير باصات نقل إلى عدن أو محافظة حكومية أخرى حيث يعمل لصالحها سماسرة في فروع مصلحة الهجرة هم من يتولون المعاملات والمتابعة من أجل حصول المواطنين على الجوازات وقبلها شرطاً أساسياً الحصول على البطاقة الشخصية.
ويوضح فارع أن هذه الإجراءات تجري باتفاق بين أصحاب المكاتب، مع الراغبين في الحصول على الجوازات قبل تحركهم من مناطقهم إلى محافظات تقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
كل هذه الإجراءات من المكاتب في مناطق نفوذ الحوثيين إلى السماسرة في مناطق الحكومة ومصلحة الهجرة والجوازات، وبين هذه الأطراف مجتمعة يقع المواطن ضحية للفساد والجشع وعدم الجدية من الجهات المعنية في وزارة الداخلية ومصلحة الهجرة والجوازات.
محمد راجح