تسارع الأحداث في بلاد الرعب
تتسارع الأحداث في عالمنا العربي الكسير بشكل لا يمكنك ملاحقتها كتابةً؛ فكلُّ يوم هناك حدثٌ جديد في بقعة جغرافية جديدة، تهدأ الأحداث في أرض غزة فتندلع معارك الفاشر في السودان ضمن حربه المنسية من الإعلام العربي.
لقد توقفت معركة طوفان الأقصى مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 9 أكتوبر/تشرين الأول هذا الشهر الجاري، بيد أنَّ الشكوك لم تتوقف في نيات دولة الاحتلال، لماذا؟ لأنَّها ببساطة لا تزال سلطة محتلة! هكذا تقول البديهة.
ولا أظن أنَّ حكومة إسرائيل التوراتية راضية عن هذا الاتفاق، لكن الضغوط الداخلية والخارجية أوصلتهم إلى ذلك، ويلوح أنَّها وافقت عليه في استراحة محارب، ولها مآرب أخرى من ورائه،
أهمها استعادة الرهائن، وتصعيد مشكلة حكم غزة مستقبلًا، تلك العقدة الموضوعة في المنشار، فضلًا عن موضوع نزع سلاح المقاومة.
كلُّ هذه القنابل المتفجرة ضمن الاتفاق تجعل حكومة الاحتلال تستطيع نقضه في أيِّ مرحلة بسهولة، ولا تحدثني عن وجود الضامنين ولا الرئيس الأميركي؛ فمعركة طوفان الأقصى علَّمتنا أنَّها حكومة لا يهمها ضامنون ولا أعراف ولا قانون دولي، ولا شيء أبدًا.
أمّا البرتقالي القابع في البيت الأبيض، فهو رجل متقلِّب المزاج، ولا يقرُّ له قرار، كأنَّه قطرة زئبق لا تستطيع الإمساك بها.
وهذا ما يدفعني للاعتقاد أنَّه يمثل الوجه الحقيقي لأميركا السياسية.
إذ تقول لنا الأحداث إنَّه لن يأتي رئيس أميركي بمثل صفاقته، ولا بمثل وضوحه في التعبير عن أطماعه بما لدى الآخرين من ثروات، وما قناة بنما وجزيرة غرينلاند الدنماركية إلا نماذج، ولا أظن أنَّ آبار النفط العربي بمنأى عن أطماعه.
فها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعود من كلِّ زيارة إلى منطقتنا العربية وحقائبه محمَّلةً بخيرات العرب من نقود وعقود ونفوذ في المنطقة، وبالمقابل ماذا يقدِّم للحكَّام والحكومات العربية؟
لا شيء، مجرَّد كلام معسول ومجاملات أنَّهم رائعون وشركاء لأميركا في عملية السلام.
فهذا (الكاوبوي) يتعامل مع كلِّ الأنظمة السياسية الأخرى بعقلية التاجر لا السياسي، التاجر الذي يريد أن يربح كلَّ صفقة ينافس عليها مهما كانت الطرق لذلك.
وأستغرب أنَّ حكَّامنا العرب لم يدركوا هذا؟
مع أنَّهم تجَّار بطبيعتهم، فلِمَ لم يدلَّهم حسُّهم التجاري على كيفية التعامل مع الرئيس ترامب؟
أظنهم أدركوا إلاّ أنَّهم عاجزون عن فعل شيء، لأنَّهم – للأسف – مجرَّد دُمًى تحركها الدول العميقة المتجذِّرة في دولنا الكرتونية التي نحيا على أراضيها، دول المال والفساد والصفقات المشبوهة وتكديس الثروات،
إلى جانب أنَّ تجارة حكَّامنا الأشاوس مقصورة على شعوبهم ومستقبلها وثروات تلك الشعوب، في لا مبالاة منقطعة النظير.
وماذا عنَّا، نحن الشعوب العربية؟
نحن شعوب مُدَوِّخة، نحيا خارج الزمان والمكان، نعيش كيفما اتفق لنا العيش، في الوطن، في المنفى، لا فرق.
صار همُّنا كيفية تقضية اليوم حتى آخره، وتوفير لقمة العيش في (عُلب السردين) المسماة مجازًا دولًا.
شعوب تعيش اليوم لليوم، تقتات الملهيات كي تنسى همومها المتراكمة، تختصم فيما بينها على مباراة في كرة القدم، وتغتمُّ حزنًا من أجل موت مطرب مشهور أو ممثلة غانية.
شعوب مُسَلِّمَة بما تجري بها الأقدار، لا عن تديُّن منها، لكن عن سلبية بلغت قرارة النفوس البائسة مما آلت إليه الأحداث الأخيرة في عالمنا العربي الكسير.
في عالمنا العربي ستجد كلَّ فرد هائمًا في فلكه يسبح فيه على غير هدى، فاقدًا الإحساس بما يدور حوله، إلا النَّزْرَ القليل.
فلتتسارع الأحداث أو تبطئ، لا يهم.
وليأتِ الطوفان أو لِتهب العاصفة، لا أحد يلتفت لذلك.
هنا أرض الزيف الموهومة باسم (الوطنية)، تلك الكلمة التي لاكها الجميع وأولهم السياسيون الأفَّاقون ومطبِّلوهم من خلفهم في كلِّ محفل.
فمن أشهر المقولات التي راجت: "الوطنية للفقراء والوطن للأغنياء".
ونحن لا نزال نعيش هذا الوهم المطاطي في وطننا العربي (الكسير) لا الكبير.
شكرًا سميح القاسم وأنت تنشد:
بلاد "الرعب" أوطاني / من القاصي إلى الداني.
ومن جهلٍ إلى فقرٍ / ومن سجنٍ إلى ثانِ
بلاد الرعب أوطاني!
عبد الحفيظ العمري
كاتب يمني