توسع حرب السفن يفاقم الركود في اليمن
بينما تستمر حرب السفن بالتصاعد في باب المندب شمال غربي اليمن، يخيم ركود واسع في الأسواق المحلية التي تترقب اتجاهات الأحداث الناتجة عن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وتبعات ما يجري في البحر الأحمر على الشحن التجاري الدولي والتوريد إلى اليمن.
وينشغل اليمنيون في مختلف مناطق البلاد خلال الفترة الماضية بالبحث عن طرق وخيارات جديدة للتكيف مع الظروف الراهنة، وما فرضته مستجدات الأحداث المشتعلة في المنطقة، خصوصاً في البحر الأحمر، والتوقعات التي يرجح أن يكون لها تبعات جسيمة تضاعف تدهور الاقتصاد الوطني، وتفاقم الأزمة المعيشية والإنسانية المتردية، والتي صنفتها الأمم المتحدة سابقاً بالأكبر على مستوى العالم.
وترصد "العربي الجديد"، في هذا الصدد ما تشهده الأسواق المحلية من ركود نتيجة الأحداث الراهنة، وتصاعد أزمة الشحن التجاري وتهديدها للمعروض السلعي.
في السياق، يوضح تاجر مواد غذائية، محمود السعيدي، أن هناك تبعات مكلفة لاضطراب أوضاع الشحن التجاري بسبب ما يحدث في البحر الأحمر وممرات اليمن المائية، حيث من المتوقع أن تزيد تكاليف الشحن والتأمين بصورة تفوق قدرات القطاع التجاري الخاص في البلاد، الأمر الذي يتطلب تعاون وتكاتف الجهات المختصة لدراسة الأوضاع الراهنة والتحديات والصعوبات المستجدة، والبحث في كيفية مواجهتها ومساعدة القطاع الخاص على التعامل معها.
ويفيد متعاملون في الأسواق أن هناك أزمة في المعروض السلعي، بسبب الركود وهامش الربح الذي يرى تجار وباعة أنهم يعانون من تضييق السلطات المعنية التي تلزمهم بتسعيرة محددة قد تعرضهم لعقوبات في حال مخالفتها، في الوقت الذي لا تزال فيه كثير من الإتاوات المفروضة قائمة دون أي إزالة أو تغيير، مع بروز صعوبات واسعة يواجها التجار المستوردون في ميناء الحديدة، وتكبدهم خسائر فادحة جراء تأخر وصول بضائعهم أو بقائها لفترات طويلة في غاطس الميناء.
بالمقابل، تؤكد السلطات المعنية في صنعاء أنها تبذل جهودا واسعة لتذليل الصعوبات والتحديات في الشحن التجاري بميناء الحديدة، إذ تضمنت آخر الإجراءات المتخذة تنفيذ مشروع النافذة الواحدة من قبل الهيئة العامة للاستثمار بإشراف هيئة الشؤون البحرية، وفقا لمعايير المنظمة البحرية الدولية التي ألزمت جميع موانئ العالم بالعمل بالنافذة البحرية ابتداء من أول يناير/ كانون الثاني 2024.
ويهدف المشروع إلى تبسيط وأتمتة تبادل المعلومات بين كافة الجهات المعنية في القطاع البحري، والمتعلقة بوصول السفن ومغادرتها وحركة البضائع والحاويات وتسريع إجراءات نقلها، وتعزيز الأمن والسلامة في سلسة التوريد البحرية.
ويقول تاجر مواد غذائية بالتجزئة، عبدالباقي الوصابي، إن هناك ركودا بالأسواق في ظل اكتفاء المستهلكين بشراء احتياجاتهم الضرورية اليومية، في حين يشير تاجر آخر إلى عدم القدرة على رفع هامش الربح والاكتفاء بتكاليف الشراء لبعض السلع حتى يتسنى تصريفها، لافتاً إلى أن ذلك كان له تأثير على رفد متاجرهم ببعض السلع حتى لا تتعرض للكساد أو تعرضهم لخسائر بسبب البيع بسعر التكلفة.
وواجهت الأنشطة التجارية في اليمن تحديات متعددة خلال السنوات الماضية لأسباب متعلقة بالصراع الداخلي ومشاكل التوريد، والتضخم المرتفع وتكلفة التخليص الجمركي وانخفاض الطلب على المنتج، وعدم استقرار أسعار الصرف وارتفاع أسعار الوقود وتحديات الوصول ونقص خدمات قروض الائتمان، كما تضمنت بعض التحديات الخاصة بالصراع منها إغلاق ميناء الحديدة قبل أن يعاد فتحة مطلع العام الماضي 2023 وإغلاق الطرق بين المحافظات.
أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، محمد قحطان، يؤكد، أن اليمن يمر بظروف صعبة للغاية بسبب تأثيرات الصراع المدمرة على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، بينما سيكون الشعب اليمني ضحية لتصاعد الأحداث الأخيرة في الممرات المائية من خلال المزيد من صعوبة الاستيراد في بلاد تعتمد بدرجة رئيسية على ما يصلها من الواردات من الأسواق الخارجية.
يشير قحطان إلى أن هناك ارتفاعا كبيرا للعجز في ميزان المدفوعات اليمني، وصعوبة في الاستيراد وتدهورا غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية والإنسانية، لافتاً إلى عدم قدرة المواطنين اليمنيين على مواجهة أي ارتفاعات محتملة في أسعار السلع والخدمات مع تآكل قيمة المداخيل المحدودة لغالبية السكان في اليمن.
يضيف: "التضييق على حركة المرور الدولية عبر باب المندب يعني مزيدا من انهيار وضع التجارة الخارجية لليمن، في حين قد تفرض إطالة فترة الحرب معوقات جديدة في مجال التجارة الدولية بين اليمن والعالم الخارجي، وتبديد أمل وضع نهاية للحرب وتحقيق السلام وعودة الحياة الطبيعية لسكان هذه الدولة الفقيرة والمنهارة".
في هذا الصدد، دعت حكومة الحوثيين (غير معترف بها دولياً) شركات الشحن البحري التي تسلك مسار البحر الأحمر لاستمرار عملياتها بشكل طبيعي طالما أنها لن تتجه إلى إسرائيل أو الموانئ الفلسطينية المحتلة.
وقالت مصادر مسؤولة في صنعاء، إن الملاحة في البحر الأحمر آمنة لكافة السفن التجارية، وليس هناك أي استهداف للسفن الأخرى ما دامت تتبع التعليمات التي تؤكد أنها غير تابعة لإسرائيل أو متعاونة معها.
وتؤكد صنعاء أن الهجمات الأميركية والبريطانية على اليمن لن تغير من موقفها الثابت، كونه يجسد تطلعات الشعب اليمني وكل أحرار العالم.
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي علي قايد، أن اليمن بحاجة إلى استقرار سياسي يسمح بتحسين المناخ الاقتصادي، وفتح الموانئ بدون قيود أو عراقيل واستقرار العملة المحلية وتوفير آلية تمويل لتغطية الديون سواءً العامة أو الخاصة.
وأشار إلى ضرورة ترقب ما ستضيفه الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر على الاقتصاد الوطني والتجارة الداخلية والخارجية، حيث يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه اليمن من تبعات الصراع المحلي الذي تركز جزء كبير منه طوال السنوات الماضية في السيطرة على الممرات التجارية والموانئ، ومنشآت إنتاج النفط والغاز وطرق التجارة الرئيسية.
الجدير بالذكر، أن مسؤولا في البنك المركزي اليمني التابع للحكومة المعترف بها دولياً في عدن أكد على تحويل الدفعة الثانية من الوديعة السعودية المخصصة لدعم البنك المركزي اليمني إلى حساب المركزي في البنك الأهلي السعودي، مشدداً على أهمية هذا الدعم الذي يخصص غالباً لتغطية فاتورة توريد السلع الأساسية، كونه يأتي في ظرف استثنائي وعصيب يمر به اليمن.
* محمد راجح