
أكبر قفزة لعملة اليمن منذ 2018.. وتمويل سعودي إماراتي مأمول لدعمها
أحدث التحسن المفاجئ في سعر صرف الريال اليمني، مطلع أغسطس 2025، تحولاً بارزاً في المزاج العام للسوق النقدية في المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية، بعد شهور من الانهيار المتسارع الذي دفع الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، متجاوزاً حاجز 2,800 ريال في بعض المناطق.
هذا الانهيار ترافق مع أزمات معيشية حادة وارتفاع في أسعار المواد الأساسية، ما أثار مخاوف جدية من انهيار اقتصادي شامل.
وكشفت وسائل إعلام يمنية أن التحسن مرتبط بتدخل أمريكي عبر اجتماعات مباشرة وعقوبات محددة، وهو ما كان العامل الأكثر تأثيراً في عكس الاتجاه السلبي، في حين لعبت الإجراءات الحكومية دوراً تنظيمياً دقيقاً ساهم في تهدئة الأسواق.
قرارات وتحركات
كان رئيس الوزراء اليمني قد أصدر قراراً، في 22 يونيو 2025، بتشكيل "اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات"، وهي لجنة جديدة تختص بإدارة السوق النقدية وتمويل استيراد السلع الأساسية.
عقدت اللجنة أول اجتماعاتها في 17 يوليو، ومع بداية أغسطس بدأ سعر الصرف يتحسن بوضوح، إذ تراجع سعر الدولار من 2,838 ريالاً إلى نحو 1632 ريالاً، فيما انخفض سعر صرف الريال السعودي من 755 إلى 428 ريالاً يمنياً، وفق مصادر مصرفية (6 أغسطس).
ويُعد هذا التحسن من أكبر القفزات التي شهدها الريال منذ عام 2018، ما أعاد بعض الثقة إلى السوق التجارية المحلية، رغم استمرار الحذر في التعاملات.
اللجنة الجديدة تضم في عضويتها محافظ البنك المركزي ونائبه، ووزير الصناعة والتجارة، وممثلين عن البنوك وشركات الصرافة والقطاع التجاري، وتُعد أداة رقابية مالية بيد الحكومة لضبط الطلب على النقد الأجنبي، ومنع شراء العملات من السوق السوداء، وتنظيم أولويات الاستيراد بحسب الضرورات الغذائية والدوائية والصناعية.
ووفقاً لقرار تشكيلها، تتولى اللجنة إدارة موارد النقد الأجنبي بما يتناسب مع حجم التدفقات المتوفرة، وتحدد أولويات الاستيراد عبر قوائم تصنيف دقيقة تشمل السلع الأساسية والأدوية والمواد الخام.
تحركات أمريكية
تزامن تحرك اللجنة مع سلسلة خطوات أمريكية مهمة، فقد عقدت وزارة الخزانة الأمريكية اجتماعات مع البنك المركزي اليمني وعدد من البنوك المحلية، نظمتها سفارة واشنطن في اليمن، بهدف مناقشة آليات امتثال البنوك اليمنية للعقوبات المفروضة على كيانات مالية حوثية، وتعزيز الشفافية وضمان الالتزام بالمعايير الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب.
كما فرضت واشنطن عقوبات سابقة على محافظ البنك المركزي الحوثي هاشم إسماعيل، وعدة بنوك مرتبطة بالجماعة، بتهم تسهيل عمليات مالية لمصلحتها.
واعتبرت الإدارة الأمريكية هذه الخطوات جزءاً من دعمها لاستعادة الثقة بالنظام المالي الرسمي للحكومة اليمنية، في مواجهة أنشطة الحوثيين غير القانونية.
الدعم السعودي الإماراتي
وبينما لم تُعلن السعودية أو الإمارات عن أي دعم مالي جديد للحكومة اليمنية خلال الفترة التي أعقبت تشكيل اللجنة، فإن المحلل الاقتصادي محمد أحمد سلامة يرى أن استمرار نجاح هذه الآلية الحكومية يتطلب تمويلاً مباشراً بالدولار، لضمان تدفق العملة الصعبة في السوق الرسمية وتلبية طلبات الاستيراد.
ويشير إلى أن صمت الرياض وأبوظبي حتى الآن قد يُفسّر بترقب نتائج الإصلاحات الحالية، أو بانتظار آليات دولية لضمان الشفافية في استخدام الأموال.
ويؤكد أن اللجنة باتت المسؤولة عن إدارة كل دولار يُضخ في السوق، مؤكداً أن التحكم في السيولة يتطلب شفافية مطلقة وتنسيقاً دائماً مع القطاع المصرفي.
واعتبر أن تعليق عمليات شراء العملة من السوق السوداء من قبل المستوردين ساهم في كبح الطلب ورفع قيمة الريال، لكنه شدد على أن التحسن سيبقى مؤقتاً إذا لم يُدعم بإصلاحات مستدامة.
ويضيف: "يتجه المشهد النقدي في اليمن إلى مفترق طرق جديد، حيث يمكن لجهود الحكومة والتحركات الأمريكية أن تؤسس لاستقرار طويل المدى، لكن ذلك مرهون بإرادة خليجية لم تُعلَن بعد، لدعم اللجنة الجديدة مالياً وضمان عدم عودة السوق إلى فوضى المضاربة التي سبقت أغسطس 2025".
وأكمل: "كما يتطلب الأمر بناء آلية رقابة مستقلة على تدفقات النقد الأجنبي، وتحسين مستوى التنسيق بين السلطات المالية في عدن والقطاع الخاص، لتحقيق استدامة الإصلاحات وتعزيز الثقة في الجهاز المصرفي الوطني".
وكان آخر دعم سعودي مباشر في ديسمبر 2024 بمبلغ 500 مليون دولار، خُصص جزء منه للبنك المركزي وعدد من القطاعات الحكومية.
لماذا انهارت العملة؟
على الرغم من توقف القتال إلى حد بعيد مع جماعة الحوثي في شمال اليمن خلال العامين الماضي والحالي، فإن حكومة عدن، المدعومة سعودياً، تعاني بسبب تراجع قيمة العملة، ونقص الاحتياطيات الأجنبية، وارتفاع الأسعار.
وفي مايو الماضي، كشفت الحكومة اليمنية عن خسارتها قرابة 7.5 مليار دولار منذ أكتوبر 2022 بسبب توقف صادرات النفط إثر هجمات جماعة الحوثي على مرافئ وناقلات النفط، إضافة إلى استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وشنت الجماعة هجمات على ثلاثة موانئ نفطية، هي الضبة والنشيمة وقنا في محافظتي حضرموت وشبوة شرق البلاد، وتسبب ذلك في توقف تصدير النفط في أكتوبر 2022، وحتى اليوم.
كما يستهدف الحوثيون، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومعظم المناطق المأهولة بالسكان في البلاد، الشحن الدولي في البحر الأحمر.
وتقول الجماعة إن هجماتها تأتي تضامناً مع الفلسطينيين في ظل الحرب مع "إسرائيل"، ونتيجة لذلك نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل" هجمات انتقامية لعدة أشهر.
ويوجد في البلاد بنكان مركزيان متنافسان؛ أحدهما خاضع للحكومة المعترف بها في عدن، والآخر لجماعة الحوثي في صنعاء.
ووفقاً لمراكز اقتصادية، انخفضت قيمة الريال اليمني بأرقام كبيرة عما كانت عليه قبل الحرب عندما كان سعر الصرف مستقراً عند نحو 214 ريالاً أمام الدولار في 2014.