
استبشار مصحوب بالقلق والترقب بعد تعافي الريال اليمني
يتصاعد القلق والترقب في الأوساط اليمنية حول تأثير تحسن العملة المحلية اليمنية المفاجئ والقياسي أمام العملات الأجنبية خلال أقل من أسبوع، فبينما تحسنت أسعار بعض السلع والخدمات، تزداد التساؤلات حول قدرة السلطات المحلية على تثبيت صمود الريال وخفض أسعار السلع والخدمات.
واستعاد الريال اليمني ما يقارب 45 في المائة من قيمته خلال الأيام الماضية في تطور لافت ومفاجئ، أدى إلى استبشار السكان بإمكانية تحسن الأوضاع المعيشية المتدهورة، ورغم أن أسواق الصرافة في العاصمة المؤقتة عدن شهدت، الأحد، ارتفاعاً طفيفاً في أسعار العملات الأجنبية، فإن هذا الارتفاع لم يكن مؤثراً أو ملحوظاً.
وبلغ سعر الدولار يوم الأحد، 1617 ريالاً يمنياً للشراء و1632 ريالاً يمنياً للبيع، بعد أن وصل إلى 1600 ريال في اليوم السابق، متراجعاً من حدود 2900 ريال قبل قرابة أسبوع.
ومما يثير قلق السكان والخبراء الاقتصاديين أن شركات صرافة كثيرة لا تزال تمتنع عن بيع العملات الأجنبية، ويقتصر نشاطها على عمليات الشراء فقط.
يبدي عامر حمود، وهو اسم مستعار لخبير مصرفي يقيم في مناطق سيطرة الحوثيين، مخاوف من أن يكون التحسن الكبير لأسعار الريال اليمني غير حقيقي، نظراً للسرعة الكبيرة والقياسية التي حدث بها، مع غيابات الضمانات الفعلية لاستمرار هذا التحسن، مثل مصادر ثابتة للنقد الأجنبي.
ويذهب الخبير المصرفي الذي طلب حجب بياناته الحقيقية خوفاً على سلامته من الحوثيين، إلى أن امتناع شركات الصرافة عن بيع العملات الأجنبية برغم تراجع أسعارها، يخفي أمراً ما، كأن يكون هذا التراجع مجرد فخ لدفع السكان لبيع مدخراتهم من هذه العملات، قبل أن تعود أسعارها للارتفاع مجدداً.
ولفت إلى أن الجماعة الحوثية لديها خلايا تنشط في مناطق سيطرة الحكومة، وشركات تتعاون معها من مختلف القطاعات، محذراً من أن يكون هناك مخطط لسحب مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية إلى مناطق سيطرتها، رغم ما يبدو عليه حالياً أن هذا التراجع نتيجة إجراءات وقرارات حكومية.
ويشدد مختصون اقتصاديون على أن تعافي الريال اليمني لن يتحقق فعلياً في ظل توقف تصدير النفط والغاز وغير ذلك من السلع والمنتجات المحلية، وتشجيع الإنتاج المحلي لتخفيف فاتورة الاستيراد الباهظة.
ضغوط أميركية
تقول مصادر مطلعة إن جزءاً كبيراً من التحسن الذي تشهده العملة المحلية اليمنية أمام العملات الأجنبية، يأتي بعد اجتماع عقده مسؤولون أميركيون مع مسؤولين حكوميين وجهات مصرفية واقتصادية يمنية في العاصمة السعودية الرياض، ضمن المساعي الأميركية لمواجهة نفوذ وممارسات الجماعة الحوثية ودعم الحكومة الشرعية.
وبحسب المصادر، فإن المسؤولين الأميركيين، وجهوا تحذيرات إلى البنوك والشركات المصرفية والتجارية اليمنية التي تنشط في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، باتخاذ عقوبات اقتصادية ضدها في حال عدم التعاون مع الحكومة الشرعية والبنك المركزي، وعزمها إصدار قائمة جديدة بأسماء الجهات التي تتعاون، من هذه المناطق، مع الجماعة الحوثية.
كما يعود هذا التحسن الكبير في سعر الريال اليمني بحسب مصادر رسمية، إلى القرارات الحكومية وإجراءات البنك المركزي الصارمة، وإلى المهام التي تقوم بها «اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات»، التي أصدر رئيس الحكومة اليمنية قراراً بتشكيلها منذ قرابة أسبوعين، لتعمل على تنظيم عمليات بيع وشراء العملات للتجار والموردين.
وتتكون لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد من الجهات الحكومية ذات العلاقة بالتمويل والتجارة والضبطية الجمركية والقضائية، ويترأسها محافظ البنك المركزي اليمني، وينوبه وزير الصناعة والتجارة، إلى جانب عضوية 8 آخرين من ممثلي البنوك وشركات الصرافة والقطاع التجاري.
وينوه فارس النجار المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية بفاعلية قرار اللجنة بتنظيم استيراد عددٍ من السلع الأساسية، وفي مقدمتها الوقود، الذي جاء بعد توجيه سابق وصريح من البنك المركزي بوقف بيع العملة الصعبة لتجار هذا القطاع خارج النظام المصرفي، ما تسبب في حدوث تحول واضح في حجم الطلب على العملة الأجنبية.
كما يرجع النجار أسباب هذا التحسن إلى الغطاء السياسي والأمني الذي بدأ يتشكل خلال الأشهر الأخيرة، ودعم مجلس القيادة الرئاسي للإجراءات النقدية والمالية، وتوحيد الموقف في التعامل مع الملفات الاقتصادية الحساسة، ومراجعة أداء المؤسسات، وتقييم سلوك البنوك، واستكمال متطلبات الرقابة الفعلية.
ويؤكد أن هذه العوامل أثبتت أن هذا التحسن ليس مفاجئاً، بل كان معطلاً لأشهر بفعل تعقيدات سياسية وإدارية، وما إن بدأ الانفراج التنظيمي حتى تحركت السوق في الاتجاه الصحيح.
تحسن غير صحي
بدأت يوم السبت، تسعيرة جديدة للوقود بالمناطق اليمنية المحررة تدخل حيّز التنفيذ، بعد إعلان شركة النفط اليمنية تخفيض أسعار مادتي الديزل والبنزين، لينخفض سعر اللتر الواحد من الديزل إلى 1550 ريالاً بدلاً من 1900 ريال، بفارق 350 ريالاً.
وبينما يرى عدد من السكان ومالكي المركبات أن هذا التراجع في أسعار الوقود لا يتناسب مع التحسن الكبير في سعر العملة المحلية، التي تراجعت من قرابة 2900 ريال للدولار الواحد إلى 1600،
بينما يذهب آخرون إلى أن أسعار الوقود لم ترتفع خلال الفترة الماضية بارتفاع سعر العملات الأجنبية نفسه.
ويعدّ الديزل أكثر أنواع الوقود أهمية لدى مختلف القطاعات، لارتباطه بعمليات الإنتاج الزراعي والصناعي والنقل البري وصناعة الخبز.
يصف الباحث الاقتصادي اليمني رشيد الآنسي هذا التحسن المتسارع للريال اليمني بغير الصحي، مرجعاً ذلك إلى عدم انعكاسه على تكلفة السلع، ما يؤدي إلى استنزاف مدخرات السكان،
فعندما يلجأ السكان إلى بيع العملات الأجنبية التي يتلقونها بوصفها مساعدات من أقاربهم المغتربين، يفقدون فارقاً كبيراً عند التوجه لشراء السلع التي لم تتراجع أسعارها.
ويخلق هذا التحسن ارتباكاً عاماً وفق حديث الآنسي لـ«الشرق الأوسط»، فالسكان الذين يمتلكون عملات أجنبية يرغبون في بيعها والتخلص منها، وبالمثل يحدث لدى التجار الذي يريدون بيع بضائعهم التي استوردوها قبل هذا التحسن،
بينما لا يشعر السكان الذين لا يملكون عملات أجنبية بفوائد التحسن على أسعار السلع.
وينتقد السياسة النقدية للبنك المركزي الذي يتأخر في تحديد أسعار العملات، ما يوحي بغياب رؤيته وعدم قدرته على اتخاذ قرار يواكب هذا التحسن، الذي ينبغي أن يكون تدريجياً ضمن سياسة نقدية تمكن من حدوث الاستقرار، في ظل مطالبة المستوردين بضمانات الاستقرار لعدم الإضرار بمصالحهم.
ووجّهت الحكومة اليمنية، السبت، بتكثيف جهود الرقابة على الأسواق وأسعار السلع، وتفعيل الحملات الميدانية لضبط الأسعار بما يتماشى مع التغيرات الإيجابية في سعر صرف العملة الوطنية.