
ما الذي يخبئه القرار الحوثي بإعدام نجل الرئيس صالح؟
أصدرت محكمة عسكرية مركزية تابعة لميليشيات الحوثي أمس الخميس، حكماً يقضي بإعدام نجل الرئيس الراحل، أحمد علي عبدالله صالح، المقيم في الخارج والذي يشغل منصب نائب رئيس حزب المؤتمر (الكتلة التي تقيم شراكة مع الحوثيين في حكومة صنعاء) ومصادرة جميع أمواله وممتلكاته، بعد إدانته بتهم "الخيانة والعمالة والتخابر مع العدو" إضافة إلى "الفساد".
ويأتي الحكم الذي تزامن مع أحكام تكميلية، تشمل استرداد الأموال التي وصفت بالمختلسة وحرمانه من تولي أي منصب عام، في ظل تصعيد قضائي من جانب سلطة الجماعة التابعة لإيران ضد شخصيات محسوبة على نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، في حين لم يصدر أي تعليق من مكتب العميد أحمد علي حتى اللحظة.
وقالت وكالة "سبأ" للأنباء التي يديرها الحوثيون ضمن بيان مساء أمس، إن "المحكمة العسكرية المركزية أصدرت حكمها بحق أحمد علي عبدالله صالح "، إذ قضى الحكم بإدانته بـ"جرائم الخيانة والعمالة والتخابر مع العدو،
وكذا إدانته بجريمة الفساد ومعاقبته بعقوبة الإعدام ومصادرة ممتلكاته".
كرة ثلج أخرى
واعتبر مراقبون الإجراء الحوثي تصعيداً جديداً تجاه من بقي من شركائهم في حزب المؤتمر، ربما يعيد تحريك كرة ثلج الخلافات بين الطرفين بعدما دفعتها الخلافات نحو اصطدام وشيك يشبه ذلك الذي جرى خلال ديسمبر (كانون الأول) 2017،
وانتهى بمقتل زعيم الحزب ومؤسسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتفرد الجماعة بمقاليد السلطة في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها،
وهو ما جرت قراءته في سياق المحاولات الحوثية لاجتثاث ما بقي من شركائهم في "المؤتمر" الذي أسسه صالح عام 1982،
مما ينذر بانتهاء "زواج المصلحة" الذي جمع الطرفين عام 2014 عقب تشكيلهما كياناً تشاركياً ضمن ما سمي "حكومة الإنقاذ الوطني"، ضد الرئيس الجنوبي السابق عبدربه منصور هادي خلال الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وشملت عدداً من الوزراء المنتمين لحزب المؤتمر بلا صلاحيات حقيقية،
واتخذتهم وفقاً لمراقبين واجهة شكلية لـ"الشراكة الوطنية" في مسعى لإضفاء شرعية على سياساتها المستمدة من النظام الإيراني،
في حين تتركز الصلاحيات المدنية والعسكرية كافة في قبضة قادة الميليشيات وارتباطها المباشر بزعيم الجماعة وفي طليعتها مؤسستا الرئاسة والمجلس السياسي (أعلى هيئة إدارية تشاركية)، إضافة إلى القوات الميلشياوية والاستخبارات وغيرها.
وفي قراءة لأبعاد الإجراء الحوثي، اعتبره الصحافي في حزب المؤتمر الشعبي محمد الصعر إيذاناً بفصل جديد من القمع، سيقوم به الحوثي للقواعد المؤتمرية العريضة التي ضجت من الأوضاع المتردية،
ومحاولة لاستهداف من تبقى من قيادات حزب المؤتمر الموجودين داخل صنعاء.
قطع الطريق
يرى الصعر أن الحكم الحوثي يهدف أيضاً إلى "قطع الطريق عن العميد أحمد علي عبدالله تزامناً مع مؤشرات عن انفتاح وتقارب سياسي ودولي معه، بعد رفع العقوبات الدولية عنه العام الماضي، مما قد يؤهله ليصبح شخصية توافقية للحكم مستقبلاً".
وهذا الانفتاح "أقلق الميليشيات التي استبقته بإدراجه على قائمة الإعدام لقتل أي تأييد شعبي له في المستقبل، ومنحها شرعية لقمع مؤيديه، لعلمها بالقاعدة الشعبية التي ورثها من والده".
ويهدف "إلى اختبار ردود فعل قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، تمهيداً لتنفيذ حملة واسعة من الاعتقالات والمحاكمات ضدهم".
و"المؤتمر الشعبي" هو أحد أكبر الأحزاب اليمنية، تأسس بقيادة علي عبدالله صالح وعبدالله بن حسين الأحمر خلال الـ24 من أغسطس (آب) 1982 وسيطر على الحياة السياسية اليمنية رسمياً حتى عام 2011،
إذ كان يفوز في جميع الانتخابات ويشكل زعيمه صالح الحكومة ويضم خليطاً من التيارات القبلية والعسكرية والتجارية وذوي النفوذ، ويفتقد بحسب محللين سياسيين أيديولوجيا وبرنامجاً سياسياً واضحاً.
الابن المنكفئ
وعلى رغم رفع العقوبات الدولية عن الرجل الذي شغل منصب سفير لدى دولة الإمارات من قبل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن خلال الـ31 من يوليو (تموز) 2024،
توقعت قواعد وكوادر حزب المؤتمر أن يحمل النجل الأكبر للرئيس الأطول حكماً في اليمن راية والده،
ولكنه آثر الاستمرار بالصمت والنأي بنفسه دون أن يحدد موقفاً معيناً حتى من الجماعة الحوثية التي قتلت والده ونكلت به خلال الرابع من ديسمبر 2017،
كما لا يعرف له وجهة سياسية واضحة ومعلنة، ولهذا يحاط بكثير من الروايات التي تتحدث عن انكفائه بعد مقتل والده وتراجع أية بوادر لطموحاته السياسية،
في حين تتحدث روايات أخرى عن اختياره النهج التوافقي دون تحديد موقف معلن من طبيعة الصراع الجاري، بعد مرحلة والده التي اشتهرت خلال آخر عهدها باقتراب تجهيزه لخلافته في حكم البلاد، خصوصاً أنه شغل لأعوام طويلة منصب قيادة قوات "الحرس الجمهوري" أعتى الفصائل اليمنية المسلحة التابعة لصالح،
قبل أن تأتي أحداث عام 2011 وتعمل على تفكيك هذه القدرة المتطورة عداً وعتاداً وإقالته بقرار الرئيس هادي وتعيينه سفيراً لدى دولة الإمارات عام 2012، قبل عزله عام 2015.
ومع ذلك لا تزال أسرة الرئيس الراحل صالح تراهن على رصيد والدها للحصول على نصيب سياسي مستقبلي يخولها العودة لقصر الحكم عبر الابن الأكبر، سواء في إطار أية تسوية سياسية مقبلة أو عبر الحسم العسكري،
إضافة إلى ما حققه العميد طارق محمد صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل وقائد حراسته السابق)، الذي يشغل اليوم عضو مجلس القيادة الرئاسي،
وما حققه من وجود عسكري وتنموي داخل المناطق الساحلية غرب اليمن علاوة على تجهيزه قوة قتالية ضاربة لها ثأر وجودي مع ميليشيات الحوثي، باتت تتحين الفرص للقضاء عليها واستعادة الدولة، فيما تتفاوت حظوظ بقية الأنجال الأصغر سناً والأقل خبرة.
وعلى رغم شعبية "المؤتمر" خصوصاً بعد المتغيرات السياسية الكبيرة التي شهدها اليمن خلال الأعوام الماضية، فإن خلافات قياداته تهدد مستقبله على أحقية كل طرف في الرهان على ما تبقى من جسده المنهك الذي يتهدده الشتات والتلاشي.
ومنذ عام 2012 خلال المرحلة التوافقية عقب تنحي الرئيس صالح وتسلم الرئيس عبدربه منصور هادي السلطة، يتوزع "المؤتمر" إلى أجنحة عدة انشطرت لعدة كيانات، واحد في صنعاء موال للحوثيين،
وكيانين في الأقل خارج اليمن أحدهما يوالي الحكومة الشرعية، والآخر يقف على الحياد. وتتباين حوله ملاحظات تنظيمية وأخرى تخص مستقبله السياسي، تأتي مسألة رئاسة الحزب في مقدمها.
اختبار حزبي
وأثار الحكم الحوثي ردود فعل واسعة خلصت إلى اتهام الحوثيين بتكريس نهجهم الإقصائي القمعي، الذي ندد به عدد من القوى السياسية واعتبرته استمراراً لنهج التصفية الجسدية ضد خصومهم. ودعت منظمات حقوقية دولية إلى إلغاء الحكم،
محذرة من تداعياته الخطرة على الوضع الإنساني داخل اليمن.
وفق الكاتب الصعر سيكون "لزاماً على ’المؤتمر‘ في صنعاء هذا العام الاحتفال بذكراه الـ43 (التي تحل بعد أسابيع قليلة) وأحمد علي ليس في قوام الحزب،
وسيكون ذلك بمثابة اختبار لـ’المؤتمر‘ نتاج ضغوط كبيرة سيتعرض لها صادق أبو راس (رئيس كتلة صنعاء المتحالفة مع الحوثيين)، وهذا هو الإجراء الفعلي الذي قد يستهدف نجل صالح في الواقع، مع اتهام الجماعة له بالضلوع في أحداث معركة صنعاء التي اندلعت بين الطرفين،
خصوصاً وأحمد علي مهتم كثيراً بالحفاظ على وجود ’المؤتمر‘ في صنعاء وسلامة قياداته واستمرار دوره كي لا يُمحى كبقية الأحزاب".
ومنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات عام 2014، حاولت الجماعة تقديم نفسها للمجتمع اليمني والإقليم والعالم بأنها تنتهج خيار الشراكة الوطنية في صناعة القرار،
إلا أن واحدة من أهم أسباب الخلاف الماضي والحالي بين الجماعة وشركائها تتمثل في سياسات الإقصاء والتهميش ومصادرة حق التعبير والرأي والعيش بحرية في مناطق سيطرتها، وفق كل القيادات المؤتمرية التي غادرت صنعاء.
توفيق الشنواح
صحافي يمني