
غزو غير وجه الخليج.. 35 عاماً مضت على تحرير الكويت
تحلّ اليوم الموافق 2 أغسطس الذكرى الـ35 للغزو العراقي للكويت، الذي مثّل أحد أكبر الأخطار التي تعرضت لها الكويت والمنظومة الخليجية آنذاك.
مرت 35 سنة على بدء حملة جوية لتحرير الكويت من غزو النظام العراقي بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين لها عام 1990، في حرب غيرت المشهد كلياً في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.
غيرت تلك الحرب -التي أحدثت هزة عربية كبيرة- وجه المنطقة، تخللها قدوم مئات آلاف الجنود العرب والأجانب، وفتحت الطريق أمام توسع انتشار القوات الأمريكية في الخليج، وهو ما حمل انعكاسات مباشرة على المنطقة والإقليم.
وعي خليجي
أثر الغزو العراقي للكويت على العلاقات العربية الاستراتيجية منها وحتى الشعبية، في خطوة رأى كثيرون أنها لم تكن في مصلحة البلدين، يحاول الزمن أن يمحو آثارها شيئاً فشيئاً.
وبالتزامن مع الذكرى الـ 35 للغزو، اعتبر أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي، أن تلك اللحظة شكّلت وعياً حاسماً لجيل كامل في الخليج العربي، مشدداً على أهمية ترسيخ هذا الوعي في نفوس الأجيال الجديدة.
وأضاف قرقاش في تغريدة له: "غزو دولة الكويت الشقيقة واحتلالها الغاشم شكّل لحظة وعي حاسمة لجيلٍ كامل في الخليج العربي، تعلّمنا أن الوطن أولاً وأبداً، وألّا ننخدع بالشعارات، وأن نعوّل على التضامن الخليجي، فهو السند الحقيقي".
غزو دولة الكويت الشقيقة واحتلالها الغاشم شكّل لحظة وعي حاسمة لجيلٍ كامل في الخليج العربي، تعلمنا أن الوطن أولاً وأبداً، وألا ننخدع بالشعارات، وأن نعوّل على التضامن الخليجي، فهو السند الحقيقي.
كما شدد في الذكرى الـ35 للغزو، على "الحاجة لترسيخ هذا الوعي في نفوس الأجيال الجديدة".
من التصعيد إلى الاجتياح
وفي عودة إلى تاريخ الأحداث، يبدو أن التصعيد السياسي بصوته المرتفع بدأ بعد القمة العربية التي عُقدت في العاصمة العراقية بغداد (28 مايو 1990)، حيث اتهمت الحكومة العراقية نظيرتها الكويتية بشن حرب اقتصادية عليها عبر زيادة إنتاج النفط عن الحصة المقررة لها من طرف منظمة "أوبك"، وهو ما يؤثر على اقتصاد العراق ويخفض أسعار النفط (وهو ما نفته الكويت)، وفي إطار ذلك تقدمت بغداد بشكوى رسمية إلى الجامعة العربية في يوليو من ذات العام.
وأدت السجالات بين الجانبين إلى تدخل السعودية وملكها آنذاك، فهد بن عبد العزيز، بدعوة الطرفين لمباحثات في جدة لحلّ الخلافات، إلا أن الاجتماعات ومساعي الرياض لم يحالفها النجاح في تخفيف حدّة التوتر والتصعيد بين البلدين.
وفجر 2 أغسطس 1990، اجتاحت القوات العراقية الحدود الكويتية من 4 محاور، وبعد ساعات تمكنت من السيطرة على العاصمة الكويت مدعومة بسلاح الطيران العراقي؛ حيث استيقظ الكويتيون في ذلك اليوم على وقع آليات العراق العسكرية وقد أصبحت في شوارع البلاد.
وخلال يومين أطبق الجيش العراقي سيطرته على البلاد، معلناً "تحرير الكويت من حكم آل الصباح"، ثم نصب حكومة جديدة موالية لبغداد برئاسة العقيد الكويتي علاء حسين الخفاجي.
تسببت تلك الأحداث بضجة سياسية عربية وعالمية، حيث انعقد مجلس الأمن الدولي بشكل طارئ، وأصدر قراراً يطالب بانسحاب القوات العراقية من الكويت "من دون قيد أو شرط"، ثم أتبع ذلك بجلسة أخرى أقرّ فيها عقوبات اقتصادية شاملة على العراق، ثم تتابعت القرارات الأممية بعد ذلك لتشديد الخناق على العراق.
وفي 9 أغسطس 1990، ورداً على تلك التحركات الدولية، أعلن العراق ضم الكويت إلى محافظاته الـ18، وأغلق جميع السفارات الموجودة فيها، وأطلق اسماً جديداً على العاصمة الكويت هو "كاظمة".
في المقابل أسس أمير الكويت حينها، الشيخ جابر الأحمد الصباح، حكومة منفى في مدينة الطائف بالسعودية، ضمت ولي العهد الكويتي حينها سعد العبد الله الصباح، وعدداً من الوزراء وقيادات القوات المسلحة، عملت بنشاط دبلوماسي واسع كحكومة شرعية للبلاد المحتلة.
واستمرت الإنذارات العربية والدولية تتوالى إلى النظام العراقي، وقررت جامعة الدول العربية، بتأييد من 12 دولة، إرسال قوات لتحرير الكويت، وخلال أيام وصلت قوات مصرية وسورية للإسهام في عملية استعادة الكويت.
وفي 25 أغسطس من ذات العام، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يقضي بفرض حصار بحري على العراق والسماح للقوات البحرية الدولية باتخاذ "التدابير اللازمة"، تلاه بعد شهر قرار بفرض حصار جوي عليه، مخولاً الدول الأعضاء في المجلس اتخاذ "جميع التدابير اللازمة لضمان نفاذه وتأثيره".
كما شكلت الولايات المتحدة تحالفاً من أكثر من 38 دولة يحق له استخدام كل الوسائل، ومنها القوة العسكرية ضد العراق، ما لم يسحب قواته من الكويت، نال شرعية دولية واعتمده مجلس الأمن في 29 نوفمبر 1990، وحدد يوم 15 يناير 1991 آخر موعد للانسحاب.
معركة التحرير
أرسل التحالف الدولي لتحرير الكويت نحو 750 ألف جندي (75% منهم أمريكيون، أي قرابة 500 ألف جندي يمثلون القوات البرية والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية، و30 ألف بريطاني، و13 ألف فرنسي، يضاف إليهم نحو 200 ألف عنصر يشكلون الوحدات العربية التي انضمت إلى التحالف).
وضمت القوة العسكرية 3600 دبابة، و1800 طائرة، و150 قطعة بحرية، استخدمت جميعها لإرغام العراق على الانسحاب من الكويت.
وفي 17 يناير 1991، أعلن عن المعركة باسم "عاصفة الصحراء"، فيما أطلق عليها الرئيس صدام حسين "أم المعارك"، وبدأت أولى فصولها بحملة جوية مكثفة شملت كل الأراضي العراقية.
في 24 فبراير، توغلت قوات التحالف فجراً في الأراضي الكويتية والعراقية، وقسم الجيش البري إلى 3 مجاميع رئيسية؛ حيث توجهت المجموعة الأولى لتحرير مدينة الكويت، والثانية لمحاصرة جناح الجيش العراقي غربي الكويت، أما المجموعة الثالثة فكانت مهمتها التحرك في أقصى الغرب والدخول جنوبي الأراضي العراقية لقطع كل الإمدادات عن الجيش العراقي.
وفي فجر 26 فبراير 1991، انسحب الجيش العراقي من الكويت، بعد أن أشعل النار في حقول النفط الكويتية، ثم أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في اليوم التالي تحرير الكويت بعد مرور 100 ساعة من انطلاق الحملة البرية، قائلاً جملته الشهيرة: "الكويت اليوم حرة".
قتل في المعركة نحو 570 كويتياً، و605 بين أسرى ومفقودين، فيما قتل 505 عناصر من قوات التحالف، وقدرت أعداد الضحايا من العراقيين بين 70 ألفاً و100 ألف، وجرح قرابة 300 ألف جندي وأسر 30 ألفاً آخرون؛ وخسر العراق آلاف المركبات في حين كانت خسائر التحالف قليلة.
وفي 14 مارس 1991 تمكن الأمير جابر الأحمد الصباح من العودة إلى الكويت بعد أشهر من عمل حكومته في السعودية بشكل مؤقت.
وبلغت مساهمات دول التحالف في حرب تحرير الكويت 53 مليار دولار، كان نصيب ألمانيا منها 6 مليارات و572 مليون دولار، واليابان 10 مليارات و72 مليون دولار، وكوريا الجنوبية 355 مليون دولار.
وبلغت مساهمة الكويت 16 ملياراً وستة ملايين دولار، والسعودية 16 ملياراً و839 مليون دولار، والإمارات 4 مليارات و88 مليون دولار، ودول أخرى 30 مليون دولار.
في الوقت الذي خسرت فيه الكويت نحو 80 مليار دولار، وأُحرقت أكثر من 727 بئراً نفطياً من أصل 1080 أخرى في البلاد.
استغرق إصلاح العلاقات بين البلدين 20 عاماً، ولم ترفع الأمم المتحدة العقوبات التي فرضتها في العام 1990 على العراق، إلا في العام 2010، أي بعد سبع سنوات من سقوط نظام صدام حسين على يد الولايات المتحدة عام 2003.
ورغم ذلك لا تزال الخلافات الحدودية قائمة؛ إذ إن العراق يعترف بالحدود البرية التي رسمتها الأمم المتحدة في العام 1993، لكنه يعتبر أن حدوده البحرية تمنعه من الوصول إلى الخليج، وهو أمر حيوي لاقتصاده، ولذلك تعتقل البحرية الكويتية الصيادين العراقيين بانتظام.
كما يعتبر "خور عبد الله" أحد أبرز الملفات المتعلقة بقضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وصدق عليه بالعراق في 2013 تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لعام 1993، الذي ينص على تقسيم مياه الخور بالمناصفة بين البلدين، لكن المحكمة الاتحادية العليا في العراق صادقت على بطلان الاتفاقية عام 2023، ولا تزال قيد التداول حتى اليوم.
المفقودون أيضاً لا يزالون بالآلاف من الجانبين، وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر لم تتم إعادة سوى 215 كويتياً و85 عراقياً.
لكن بالمجمل، تحسنت العلاقات بشكل كبير بين البلدين، وفي العام 2018 استضافت الكويت مؤتمراً للمانحين لإعادة بناء العراق، وكانت أوّل من ساهم بمبلغ ملياري دولار.