
من ناصر القصبي إلى حياة الفهد… «الميمز» تصنع ذاكرة الجمهور
«أستمتع بمشاهدة الجمهور وهو يتداول صوري، يقصّها، ويجعلها تعبّر عن كل حدث».
بهذه الكلمات علَّقت الممثلة الكويتية حياة الفهد على تربعها على عرش الـ«ميمز» (meme) في الوسط الفني الخليجي، وذلك خلال ظهورها هذا الأسبوع في مقابلة تلفزيونية على قناة «سامراء» العراقية، متناولة حضورها الرقمي من خلال صور الـ«ميمز» بتعابيرها المختلفة ما بين لحظات القهر، والحزن، والسخرية، أو الصدمة، وجميعها مشاعر تترجمها لقطات مختلفة لأعمالها، يستخدمها الجمهور لوصف حالة مزاجية أو مشاعرية معينة.
وأبدت الفهد سعادتها ورضاها بهذا التفاعل، كما اعترفت بأنها لا تملك أي حساب خاص على منصات التواصل الاجتماعي، مبرّرة ذلك بصعوبة مواكبة متطلبات هذه المنصات، ورغبتها في توجيه طاقتها نحو أعمالها الفنية.
لكنها تؤكد في الوقت نفسه أنها على دراية تامة بما يُتداول من صور الـ«ميمز» الخاصة بها على تلك الشبكات؛ إذ تصلها بعض الصور من المقربين فتضحك عليها.
قصة «ميمز»
حديث الفهد، الملقبة بـ«سيدة الشاشة الخليجية»، رغم عفويته، يفتح الباب أمام وجه جديد من التداول الفني الذي يتجاوز حدود الشاشة، ليتجسد رقمياً في ملايين الصور والتعليقات الساخرة، الحزينة، أو المستفزة، التي تُتداول يومياً تحت مسمى «ميمز»، وهو مصطلح مُشتق من اليونانية «Mimema»، أي «ما يُقلَّد»،
وظهر لأول مرة في كتاب عالم البيولوجيا ريتشارد دوكينز «The Selfish Gene» عام 1976، حين استخدمه للإشارة إلى وحدات الثقافة التي تنتقل من شخص إلى آخر، ومن ثم تطوُّر المفهوم ليشير إلى الصور أو المقاطع أو النصوص التي تنتشر بسرعة عبر الإنترنت، وغالباً ما تحمل طابعاً ساخراً أو نقدياً.
وقد راج استخدام الـ«ميمز» على الإنترنت بشكل واسع في بداية الألفية الثانية، مع صعود المنتديات الإلكترونية آنذاك، وقبل الانتقال إلى عصر شبكات التواصل الاجتماعي (تويتر، وفيسبوك، وإنستغرام وغيرها).
ومع دخول الثقافة العربية إلى هذا الفضاء، بدأت موجة الـ«ميمز» المحلية بطابع اجتماعي، ترفيهي، وحتى رياضي، وكان للفن والدراما نصيب الأسد منها.
القصبي والسدحان
في السعودية، يتصدر ناصر القصبي المشهد بوصفه أكثر وجه يُستخدم في الـ«ميمز»، بتعبيراته الساخرة أو الحادة أو المندهشة، خصوصاً من أعماله القديمة مثل «طاش ما طاش» و«سيلفي»، التي تحوَّلت ردوداً جاهزة تمثل لسان حال المتابع، إلى جانب الممثل عبد الله السدحان الذي قدّم شخصيات بسيطة ومحبوبة،
وتُستخدم تعبيراته أيضاً بكثرة في مواقف الحيرة أو الشعور بالإحباط والرغبة في الاستسلام.
وفي مصر، تحمل عبلة كامل الراية نفسها، وتُعدّ صورها في مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» الأكثر شهرة بين جميع أعمالها، بشخصية «فطنة» التي كانت تغضب وتثور وتضحك في آنٍ واحد، وبربطة شَعرها الملونة وحُليّها الذهبية الثقيلة التي ميزتها في ذلك الدور.
ورغم غياب عبلة كامل لسنوات طويلة عن الظهور، فإن صورها في «ميمز» تعيدها إلى المشهد والذاكرة من وقتٍ إلى آخر.
اللافت، في هذه الظاهرة أن الجمهور هو من يصنع هذه الـ«ميمز»، وهو من يحدد من يدخل ذاكرته ومن يخرج.
ولم تعد شهرة الفنان تُقاس بعدد الجوائز أو بطول العمر الفني فقط، بل أحياناً بعدد الـ«ميمز» التي يُعاد تدويرها يومياً، ليتحوّل كل فنان «أيقونة رقمية» إذا نجح في ترك تعبير لا يُنسى، أو عبارة جريئة، أو صرخة حزينة.
ظاهرة عالمية
لا تقتصر ظاهرة الـ«ميمز» على العالم العربي، بل تمتد لتشمل نجوماً عالميين تحوّلوا أيقونات بصرية في الفضاء الرقمي، أحياناً بمعزل عن إرادتهم.
ومن أبرز هؤلاء أسطورة كرة السلة مايكل جوردان، الذي انتشرت له صورة شهيرة وهو يبكي خلال حفل تكريمه، وتحولت لاحقاً واحدة من أكثر الـ«ميمز» استخداماً للتعبير عن الخيبة أو الانكسار.
وفي السينما، كان للممثل ليوناردو دي كابريو نصيب الأسد من الـ«ميمز»، بتعابير وجهه المختلفة، سواء وهو يضحك في «The Great Gatsby»، أو يُلقي بتعليقات ساخرة في «Django Unchained»، أو يركض بجنون في «The Wolf of Wall Street».
وتتقاطع هذه المشاهد كلها في كونها تتجاوز الانتشار اللحظي، ليعيش الـ«ميم» في الذاكرة البصرية للجمهور، ربما أكثر من العمل الفني نفسه.