
الهجرة اليمنية إلى الخليج.. تسهيلات ونزيف مستمر للكفاءات
تشهد قضية الهجرة اليمنية إلى دول الخليج العربي تحولات ملحوظة في السنوات الأخيرة، أبرزها ما أعلن عنه مؤخرًا القنصل اليمني في السفارة اليمنية بالكويت، عمار المخلافي، حول تسهيلات جديدة أقرتها السلطات الكويتية لاستقدام العمالة اليمنية، والسماح للمقيمين اليمنيين بجلب عائلاتهم، شريطة ألا يقل الراتب الشهري للمقيم عن 800 دينار كويتي.
هذه التسهيلات تمثل انفراجة ملموسة بعد سنوات من القيود التي كانت مفروضة على دخول اليمنيين إلى الكويت، والتي كانت تتطلب موافقة مباشرة من وزير الداخلية، وفق ما ذكره المخلافي.
يأتي هذا التحول نتيجة لمساعٍ دبلوماسية حثيثة قادها السفير اليمني لدى الكويت، علي منصور بن سفاع، أسفرت عن اتفاق رسمي مع السلطات الكويتية على تسهيل إجراءات الدخول والإقامة، وهي خطوة لقيت ترحيبًا واسعًا في أوساط الجاليات اليمنية والمهنيين اليمنيين في الداخل والخارج، خاصة في ظل ما تشهده اليمن من أزمات إنسانية واقتصادية متفاقمة منذ اندلاع الحرب عام 2015.
لقد تسببّت الحرب التي تشهدها اليمن على مدى عشر سنوات، بنزوح داخلي وخارجي واسع النطاق، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 4.5 مليون يمني قد نزحوا داخليًا، فيما اضطر مئات الآلاف إلى مغادرة البلاد بحثًا عن الأمان والفرص الاقتصادية والمعيشية في الخارج، وخصوصًا في دول الخليج.
ووفقًا لإحصاءات غير رسمية وتقارير دبلوماسية متفرقة، يُقدّر عدد اليمنيين في دول الخليج بما لا يقل عن 3.5 مليون يمني، يتوزعون بشكل رئيسي في السعودية (2.5 مليون)، والإمارات (200 ألف)، وقطر والبحرين وسلطنة عمان بنسب أقل، في حين يُقدر عدد اليمنيين المقيمين في الكويت بنحو 10 آلاف شخص، معظمهم من الكفاءات المهنية أو العمالة النظامية.
ولعل أحد أبرز الآثار السلبية للحرب يتمثل في نزيف الكفاءات من مختلف التخصصات، بما في ذلك الأطباء، والمهندسين، والأكاديميين، والكوادر الإدارية والفنية.
هذه الهجرة القسرية لم تأتِ نتيجة دوافع اقتصادية فحسب، بل كانت في كثير من الأحيان هروبًا من انعدام الأمن، وانهيار مؤسسات الدولة، وتدهور الخدمات الأساسية.
وقد أصبحت دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات وقطر، محطات استقطاب رئيسية لهذه الكفاءات، لما توفره من بيئات عمل مستقرة نسبيًا وفرص معيشية أفضل، مقارنة بالوضع الكارثي داخل اليمن.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى التسهيلات الكويتية الجديدة كفرصة ثمينة للآلاف من العائلات اليمنية الراغبة بالاستقرار في بيئة آمنة، واستئناف حياتها الطبيعية بعيدًا عن ظروف الحرب.
ورغم الإيجابيات، تبقى الهجرة اليمنية إلى الخليج محفوفة بالتحديات، خاصة مع انتشار مكاتب السفر غير القانونية التي تستغل ظروف الشباب اليمني، وتبتزهم ماليًا مقابل وعود كاذبة بالتوظيف أو الحصول على تأشيرات.
ولهذا، دعا القنصل اليمني في الكويت اليمنيين إلى الحذر، والامتناع عن التعامل مع هذه المكاتب، والتأكد من صحة التأشيرات عبر القنوات الرسمية فقط.
كما أن هناك حاجة ماسة إلى سياسات وطنية شاملة لإدارة ملف الهجرة، تضمن حماية حقوق اليمنيين في الخارج، وتعزز الاستفادة من العقول المهاجرة في دعم اقتصاد البلاد مستقبلًا، خاصة إذا ما تم العمل على ربطهم بمشاريع التنمية وإعادة الإعمار في المدى البعيد.
ولا شك أن التسهيلات التي أقرتها الكويت لاستقدام العمالة اليمنية وعائلاتهم تمثل تطورًا إيجابيًا في مسار العلاقات اليمنية الخليجية، كما تعكس إدراكًا خليجيًا متزايدًا لحجم المعاناة التي يعيشها اليمنيون؛ غير أن هذه الخطوات، مهما كانت مهمة، تبقى معالجة جزئية لأزمة أكبر عنوانها "الهجرة القسرية بسبب الحرب".
وحتى يتمكن اليمن من استعادة كفاءاته، وإيقاف نزيف هجرة العقول، لا بد من العمل الجاد لإرساء السلام، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وتوفير بيئة آمنة تُغني المواطن عن الهجرة، وتجعل من الكرامة والفرص الممكنة في وطنه الخيار الأول وليس الأخير.
ياسر الجابري