
بين الجوع والخطر.. الفلسطينيون بغزة يرفضون خطة "إسرائيل" للمساعدات
أبدى فلسطينيون في قطاع غزة رفضهم الحصول على المساعدات الغذائية التي تقترب شركة أمريكية من توزيعها عبر نقاط محددة في مدينة رفح جنوب القطاع، وذلك خوفاً من تعرّضهم للاستهداف من جيش الاحتلال الإسرائيلي أو الاعتقال أثناء ذهابهم لاستلام المعونات.
وأكد فلسطينيون ، أن آلية توزيع المساعدات غير واضحة، وتحيط بها شكوك أمنية خطيرة، في ظل غياب أي تفاصيل معلنة حول كيفية التوزيع أو الطرق التي سيسلكها المواطنون للوصول إلى نقاط الاستلام.
وكانت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أكدت أن آلية جديدة لتوزيع المساعدات ستبدأ الاثنين، في غزة، عبر شركة أمريكية خاصة.
وتشمل الخطة تشغيل أربعة مراكز توزيع: ثلاثة في مدينة رفح وواحد في وسط القطاع، ويُستثنى سكان شمال غزة من النظام الجديد.
وأوضحت الإذاعة أن كل مركز يتكون من منطقتين: واحدة لوجستية لتفريغ الشاحنات، وأخرى يدخلها السكان لاستلام سلة غذائية تكفي عائلة لمدة أسبوع.
تخوف شعبي
محمود النجار، رب أسرة نازحة في خيمة غرب مدينة خان يونس، أوضح أنه يرفض الذهاب إلى منطقة مورج شمال رفح لتسلُّم المساعدات من الشركة الأمريكية، رغم معاناته الشديدة من الجوع وافتقار أسرته لأدنى مقومات الحياة.
وقال النجار : "منذ أكثر من 40 يوماً نفد الدقيق وعندي أربعة أطفال وزوجتي، ونعيش بلا خبز ولا غذاء، لكن الطريقة التي يتحدثون بها عن توزيع الطعام مرعبة. لن أُغامر بحياتي لأجل صندوق غذاء في منطقة يسيطر عليها جيش الاحتلال".
وأضاف: "الذهاب إلى رفح مغامرة خطيرة، لا نعرف ماذا ينتظرنا هناك. ربما يطلقون النار علينا. لن نحفر قبورنا بأيدينا".
من جهته، قال محمود عمران، وهو نازح آخر من شمال قطاع غزة: "لا شيء مضمون في هذه الحرب، ونعيش أقسى أيام المجاعة، لكني أفضل أن أموت بين أطفالي على أن أخاطر بحياتي في مناطق تنتشر فيها دبابات الاحتلال".
وأكد عمران أن الحل الأمثل هو تسليم المساعدات إلى وكالة الأونروا لتقوم بتوزيعها وفق الآليات التقليدية التي تحفظ كرامة الإنسان وتوفّر له الحد الأدنى من الأمان.
أم محمد أبو جربوع، نازحة من خان يونس، أكدت أنها لن تذهب إلى مراكز التوزيع الأمريكية في رفح مهما اشتد الجوع.
وقالت: "نحن لا نثق لا بالأمريكان ولا بالإسرائيليين، هذه مساعدات مشبوهة، وسمعنا أن البعض قد يُعتقل أو يُقتل في الطريق، ونحن أمهات لدينا أطفال نرعاهم".
وأضافت جربوع أن "هذه ليست مجرد مساعدات، وهناك خوف حقيقي من أن تكون هذه المراكز مصائد أمنية أو وسائل لتمرير أجندات استخباراتية، ونحن لا نثق بالجهات التي تمول وتدير هذه الآلية".
واجهة استخباراتية
من جانبه، أوضح الكاتب والمحلل السياسي، إياد القرا، أن "ما يجري في الخفاء هو فضيحة إنسانية-أمنية تقودها إسرائيل تحت غطاء المساعدات، وذلك من خلال مؤسسة مشبوهة تدعى مؤسسة غزة الإنسانية".
وقال القرا، في منشور عبر حسابه في موقع "فيسبوك": إن "المؤسسة فرضت على ملف المساعدات بطريقة سرية، دون رقابة رسمية أو مناقصة، وبإشراف مباشر من مقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
وأضاف أن الشركة الأمريكية المتعاقدة معها (SRS) هي شركة حديثة العهد، لا تملك أي بنية تحتية، وتحظى بدعم مباشر من جيش الاحتلال، وتنفّذ مهام استخباراتية؛ كتحليل الصور الجوية وتشغيل الحواجز والتعرف على النشطاء.
وأشار القرا إلى أن الأمم المتحدة رفضت التعاون مع هذه المؤسسة، في وقت تكشفت فيه تفاصيل المشروع عبر تقارير في وسائل إعلام دولية، من بينها نيويورك تايمز وواشنطن بوست، حيث أكدت الصحيفتان أن المشروع برمّته ليس سوى غطاء أمني استخباراتي إسرائيلي.
وكشف أن الشركة توظف عناصر أمنية بلهجات عربية غير فلسطينية، ولها ارتباطات مع شركات أمنية إسرائيلية معروفة، كما أن المحامي السويسري الوحيد في إدارتها قد استقال، فيما نفى المؤسس المسجل نيت موك أي علاقة له بها، ما زاد من الغموض.
وأكد القرا أن المشروع واجه اعتراضاً حتى من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بسبب شبهات فساد، وتهديد للأمن القومي، وتكلفة باهظة بلغت 200 مليون دولار خلال ستة أشهر فقط.
وأضاف أن الضغوط الإعلامية والدولية أسهمت في إفشال المشروع قبل تنفيذه بالكامل، كاشفاً عن شبكة فساد وتجسس مغلّفة بطابع "إنساني" هدفها الحقيقي هو تعميق السيطرة الأمنية على غزة تحت ستار المساعدات.