شيوخ الطرب يودعون العام في بيروت: قدود حلبية
تزامناً مع أعياد نهاية السنة، أحيا فريق شيوخ الطرب حفلاً على مسرح المونو وسط بيروت، بحضور جمهور من اللبنانيين ومتذوّقي هذا الفن من سورية، الذين شاركوا في أمسية امتدت لساعتين.
قبل ثلاثين عاماً، راجت في بيروت حفلات ومهرجانات تقيمها فرق تُعرف باسم "شيوخ الطرب"، وهي مجموعات تضمّ أهم الأصوات القادمة من مدينة حلب السورية، أسّست لفرق متخصّصة في الغناء الشرقي، والأدوار، والقدود الحلبية.
وقد لاقت هذه الفرق نجاحاً كبيراً، على الرغم من تغيّر المغنّين داخل كل فرقة، وانقسام المتعهدين، غير أن محاولة الحفاظ على هذه "الثروة" التي تختزل تاريخ حلب الموسيقي ظلّت هي الأهم والأبقى.
تعتمد فرقتا "سلاطين" أو "شيوخ الطرب" على التخت الشرقي في الموسيقى، حيث يشكّل الكمان مكوّناً أساسياً، إلى جانب العود، والدف، والإيقاع، والقانون.
قاد الفرقة المايسترو عبود غفرجي، الذي اعتمد مبدأ المزج بين أعضاء فرقته الموسيقية وبين الأصوات. جاءت البداية مع معزوفة مقدّمة "قارئة الفنجان" للموسيقار الراحل محمد الموجي، التي شكّلت مدخلاً لحماس الجمهور،
ليدخل بعدها فريق المنشدين: شادي الأصيل، وعمران روبي، وشادي الصغير.
اللون الأندلسي في "يا ليل الصب متى غده"، من ألحان توفيق الباشا، وهي من روائع السيدة فيروز، خطف التفاعل بين الحاضرين والواقفين على المسرح بعباءات خاصة.
أصوات تفوّقت في الأداء وتداخلت مع العزف الموسيقي المتقن، قبل أن يدخل شادي الأصيل ملعب الـ"سولو" في المواويل، وتحديداً في "يا ويل حالي"، بصوته الأصيل الذي أفلت من قبضة الميكروفون أكثر من مرة، فوقف بعيداً عنه يغنّي ببساطة، حاصداً تفاعلاً كبيراً،
ومظهراً قدرة الصوت على الوصول إلى الناس من دون مكبّرات.
بين ذاكرة الجمهور، وتعلّق جيل في العشرينيات حضروا الأمسية الحلبية، أخذ المغنّون الثلاثة وقتهم في الغناء. ساعتان ربما كانتا كافيتين لتعزيز حضور "حلب"، المدينة التي تُعرف بالطرب الأصيل، وللخروج برمزية تمثّل انتقال هذا الإرث إلى بيروت،
المدينة التي تهوى هذه الألوان في الغناء والموسيقى، وتبحث عن العودة إلى الأصالة في عصر الاستهلاك، وهيمنة المنصّات البديلة على السمع.
في عالم آخر، أظهرت "شيوخ الطرب" أن هذا الفنّ لا يمكن أن يطاوله الزمن، مهما ارتفع صوت المنصّات والمواقع و"نجوم" العالم الموازي،
إذ من المتوقّع أن تحيي فرقة "شيوخ الطرب" حفلات جديدة في لبنان خلال الأسابيع المقبلة.
وتشير المعلومات إلى أن الطلب على هذا النوع من الفعاليات يشكّل حافزاً لدى المتعهدين، نظراً إلى بساطة هذا الفن وقدرته على إرضاء الذوق العام في لبنان، من دون أن يقتصر على فئة عمرية محدّدة، وهو ما أكّده الجمهور المتنوّع الذي حضر في "المونو" في بيروت.
قبل أيام، ألقت موسيقى الطرب بظلّها على مدينة تكاد تختنق من شدّة الحروب، وتبحث في كل مرة عمّن ينقذها أو يعيدها إلى زهوها.
غاص المغنّون في "البنت الشلبية" وعيونها، و"ميل يا غزيّل"، و"خمرة الحب"، وحملوا "عزّك يا حلب" إهداءً إلى بيروت،
وردّدوا ذلك أكثر من مرة. تراقصوا مع جمهور ترك المقاعد واتجه إلى حافة المسرح، مزهوّاً بما يسمع ويشاهد؛ لحظة طرب تشبه نشوة الهارب إلى عالم آخر،
عالم الطرب الأصيل، وأيام الزمن الجميل التي حملت الفن الحلبي إلى العالم، لكن هذه المرّة بموسيقى محترفة، وسلاح وحيد هو الصوت.