
«سجن النسا»... مسرحية تراجيدية تجسّد «مظلومية المرأة» في قالب عصري
بصوت «شفيقة» المطربة الشعبية التي تتداخل في أغانيها مشاعر الحزن والشجن، مهّد صناع العرض المسرحي «سجن النسا» الأجواء للجمهور حتى يستقبل قصصاً مأساوية لعشر نساء يجمعهن مكان واحد، هو السجن.
النص المسرحي الذي كتبته واحدة من رموز الإبداع والكتابة النسوية في مصر، وهي فتحية العسال (1933 - 2014)، دونت فيه تجربتها بسجن القناطر حين تعرضت للاعتقال أكثر من مرة لمواقفها السياسية في سبعينات القرن الماضي،
ولكنها اختارت أن تقدم هذه المسرحية عن أحوال النساء ومشاكلهن ومآسيهن الاجتماعية بعيداً عن التعقيدات السياسية.
تبدأ المسرحية بروح عصرية لفتاة تحاول كسب أموال عن طريق «السوشيال ميديا» بجذب المتابعين وطلب الهدايا منهم على أحد التطبيقات، وتحاول إقناع صديقتها بالدخول معها في هذا المجال لكسب المال،
ثم تكتشفان أن الموقع الذي تدخلان عليه مشبوه، ويستدرج الفتيات لأفعال غير لائقة، فينتهي بهن المطاف خلف القضبان.
في عالم السجن تظهر القصص المأساوية لنحو 10 سيدات، كل واحدة منهن تحكي قصتها في مشهد مؤثر، ليصبح العرض أقرب للاسكتشات التراجيدية،
وتتراوح قصص النساء السجينات بين تعرضهن للخيانة، أو الغدر، أو الاتهام بأعمال منافية للآداب، أو الاتجار بالمخدرات، أو اضطرارهن للقتل دفاعاً عن العِرض، أو إشعال الحرائق وادعاء الجنون.
العرض الذي تقدمه «فرقة المسرح الحديث» على «مسرح السلام» (وسط القاهرة) يومَي الخميس والجمعة من كل أسبوع، من إخراج يوسف مراد منير، يحتوي على مقاطع موسيقية من تأليف محمد عزت.
ويشارك في العرض الفنانات هايدي عبد الخالق، وهنادي عبد الخالق، وشريهان الشاذلي، وآية أبو زيد، ونشوى حسن، وصافي فهمي، ورندا جمال، ودعاء الزيدي، وليلة مجدي، وليلى مراد، وجنى عطوة، وإيريني مجدي، وولاء الجندي، وإكرامي وزيري.
مخرج العرض يوسف مراد منير أكد أنه دائماً ما يميل إلى اختيار نصوص للكتّاب الكبار،
مضيفاً : «قدمت من قبل مسرحية (ياسين وبهية) لنجيب سرور في (مسرح الشباب)، وفازت بخمس جوائز في مهرجان المسرح القومي، من بينها أفضل مخرج صاعد، وأفضل ممثل وممثلة»،
وتابع: «اخترت (سجن النسا) لشعوري أن الاهتمام بقضايا النساء رائج عالمياً في الوقت الراهن، لكن لا يتم تناولها محلياً بطريقة مناسبة أو موضوعية، ومن ثم لا يستمع المجتمع لقضاياهن».
وحول استخدام نماذج لقضايا عصرية مثل «التيك توك» يوضح: «حين اخترت نماذج مثل استدراج الفتيات على (التيك توك)، فهذا يتماس مع قضايا حيوية في المجتمع،
فقد رأينا قضية إحدى الفتيات التي دخلت على تطبيق واكتشفت أن الغرض منه استدراج الفتيات، وضاع مستقبلها بسبب هذا الخطأ غير المقصود».
ولفت إلى أن الأجيال الجديدة «جيل زد» ليس لديهم «فيسبوك» فقط، بل «تيك توك» و«إنستغرام»...
ومضى إلى القول: «أسعدني جداً أنه منذ بداية عرض المسرحية حضر لمشاهدتها عدد كبير من أبناء هذا الجيل الذي لم يعتد على الذهاب إلى المسرح من قبل، وهو ما يستدعي مناقشة قصص هذا الجيل وقضاياهم».
وتضمنت المسرحية الكثير من الأغاني والاستعراضات التي جاءت بمناسبات مختلفة، مثل مشهد السبوع لرضيع إحدى السجينات، ومشهد عيد الميلاد.
وكان من العروض اللافتة مشهد «شفيقة»، وهي شخصية راقصة في «شارع محمد علي» تم سجنها لقتلها زوجها بسبب خيانته لها.
وأضاف منير أن «(فرقة المسرح الحديث) ورئيسها الفنان محسن منصور تحمسوا جداً للعرض، واختار له نخبة من الممثلات (14 ممثلة) قدمن أداء رائعاً،
وبعضهن أساتذة في معهد الفنون المسرحية مثل هايدي عبد الخالق وهنادي عبد الخالق وشريهان الشاذلي وآية أبو زيد وغيرهن.
وقد بذلنا مجهوداً كبيراً حتى نخرج بشخصيات متباينة، وقصص مختلفة غير مكررة».
وتضمن العرض المسرحي رؤية سنوغرافية تمثلت في الإضاءة التي تعكس روح المشهد سواء كان مأساوياً أو احتفالياً أو حواراً عادياً، كما جاء أداء الممثلات في تناغم واضح، يعكس روح العمل الفني.
وهو ما تقول عنه الفنانة الشابة إيريني مجدي: «رغم اختلاف الأجيال التي شاركت في العرض، لكن كان هناك تناغم وتفاهم وحميمية تربط بيننا جميعاً،
واستفدنا كثيراً من أساتذة الفنون المسرحية اللائي شاركننا العرض مثل الدكتورة هايدي عبد الخالق، والدكتورة هنادي عبد الخالق، والدكتورة شريهان الشاذلي».
وأضافت إيريني أن «دور (زينب) الذي قدمته تم تطويره تدريجياً مع المخرج يوسف مراد الذي شاهدت له من قبل عرض (ياسين وبهية)، وعملنا معاً في أحد العروض بالجامعة.
وتعد شخصية (زينب) أقرب للشخصية الفصامية، المضطربة نفسياً؛ فهي ترى أشخاصاً غير موجودين، وتتلبسها حالة البنت التي تكرهها، والتي أحرقت منزل أهلها، وتم اتهام (زينب) ظلماً بحرق المنزل».
وتتبدى مظلومية النساء في العرض المسرحي بشكل لافت؛ فكل قصة خلفها امرأة أو فتاة مظلومة، وقد تمت معالجة هذا النص المسرحي أكثر من مرة على خشبة المسرح وفي الدراما التلفزيونية،
من بينها مسلسل «سجن النسا» للمخرجة كاملة أبو ذكري عام 2014، من بطولة نيللي كريم.