مؤسسات حكومية في تعز تحت سيطرة المسلحين
الرأي الثالث - متابعات
بعد ضغوط سياسية وإعلامية وشعبية وصلت إلى أعلى مستوى قيادي في الدولة، ممثلة برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، رضخت قيادة أمن النجدة وأمن الطرق في تعز لمطالب إخلاء مبنى مقر وملعب نادي الصقر الرياضي والثقافي.
وتسلمت إدارة نادي الصقر الرياضي، السبت الماضي، مقر إدارة النادي والملعب من شرطة النجدة وأمن الطرق، بحضور العميد عبده فرحان رئيس اللجنة المكلفة من محافظ تعز، وعدد من القيادات العسكرية والأمنية، ومدير مكتب الشباب والرياضة.
وجاءت عملية التسليم بعد سنوات من رفض الإخلاء، حتى قام العليمي، خلال زيارته نهاية أغسطس/آب الماضي إلى تعز، بإصدار توجيهاته بإخلاء المؤسسات المدنية من المظاهر المسلحة، من ضمنها نادي الصقر.
وكان العليمي قد أعلن، خلال زيارته الأخيرة إلى تعز، تشكيل لجنة رئاسية تتولى مهمة إخلاء المؤسسات العامة، والمباني الحكومية، والممتلكات الخاصة من قوات الأمن والجيش، برئاسة المحافظ الأسبق علي المعمري.
غير أن الأخير غادر تعز إلى القاهرة عقب أسبوع واحد فقط من تعيينه من دون أن ينجز شيئاً.
وعقب إخلاء مقر نادي الصقر، قامت قوات النجدة وأمن الطرق باحتلال مقر بريد الحصب واتخذته مقراً لها، وهو ما أثار حالة من الاستياء والغضب الشعبي.
وكشفت وثيقة صادرة نهاية يناير/كانون الثاني الماضي عن تورط محافظ تعز نبيل شمسان بمخاطبة مدير الأمن وقائد المحور بنقل مقر قوات النجدة من نادي الصقر الرياضي الذي تحتله منذ 2015 إلى مقر فرع الهيئة العامة للبريد بمنطقة الحصب.
وأشار المحافظ، وقتها، إلى أن تمكين قوات النجدة من مبنى البريد سيكون بصورة مؤقتة، على حد قوله، وهو ما أثار استياء رئيس الهيئة العامة للبريد سامي صالح البرطي الذي وجّه مذكرة إلى القائم بأعمال وزير الاتصالات واعد باذيب، أشار فيها إلى أن توجيهات المحافظ جاءت من دون إبلاغ الهيئة أو الوزارة،
معتبراً ذلك سابقة خطيرة ومخالفة صريحة لنصوص القانون واللوائح، حيث إن المبنى ضمن أصول الهيئة.
رفض إخلاء مقرات في تعز
مبنى وملعب نادي الصقر ومبنى الهيئة العامة للبريد ليسا المقرات الحكومية الوحيدة التي يتم احتلالها من الوحدات العسكرية والأمنية في تعز، بل إن قوات محور تعز لا تزال ترفض إخلاء وتسليم مبنى المعهد التقني بالحصب والذي تتخذه مقراً للشرطة العسكرية منذ 9 سنوات، على الرغم من التوجيهات المتتالية بإخلائه، وتنظيم الطلاب عشرات الوقفات الاحتجاجية المطالبة بإخلاء المعهد وتمكينهم من الدراسة فيه.
وتكشف وثيقة رسمية عن توجيهات لمحافظ تعز نبيل شمسان صادرة إلى مستشار قائد المحور العميد عبده فرحان، بإلزام قوات الشرطة العسكرية إخلاء المعهد التقني الصناعي بمنطقة الحصب في مدينة تعز.
وأشار المحافظ، في مذكرته، إلى التوجيهات السابقة لقيادة المحور والشرطة العسكرية التي صدرت خلال السنوات الماضية بإخلاء المعهد من قبل السلطة المحلية، بناءً على توجيهات من رئيس الوزراء السابق، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة، ووزير التعليم الفني والتدريب المهني.
كما أشار المحافظ إلى قرار المكتب التنفيذي في المحافظة بشأن ضرورة إخلاء المباني وورش ومعامل المعهد التقني الصناعي بالحصب من أفراد الوحدات التابعة للشرطة العسكرية ولغرض إعادة تفعيل التعليم الفني،
مشيراً إلى أن ذلك يعد شرطاً أساسياً من قبل الجهات الداعمة للبدء في عملية التأهيل والترميم للمباني المتضررة من المعهد.
ولفت المحافظ إلى وصول معدات وتجهيزات عملية حساسة للمعهد مؤخراً والمقدَمة كمنحة من جمهورية كوريا الجنوبية، وتركها في ممرات المعهد المحتل من قبل قوات الشرطة العسكرية،
محذراً من أن ذلك سيؤدي إلى تلفها. ويأتي رفض الشرطة العسكرية تسليم مبنى المعهد التقني على الرغم من قيام السلطة المحلية بإعادة تأهيل وترميم وتجهيز وتأثيث المقر الرسمي للشرطة العسكرية في منطقة العرضي شرق المدينة.
أضف إلى ذلك أن قيادة محور تعز لا تزال ومنذ بدء الحرب تحتل مدرسة سبأ وسط المدينة وتتخذها مقراً لها، وترفض إخلاءها وتسليمها، كما ترفض تسليم مكتب الزراعة في عصيفرة.
سيطرة على منازل النازحين
ولا تقتصر سيطرة الألوية العسكرية في تعز على المؤسسات الحكومية، بل تتعداها للسيطرة على منازل أشخاص نزحوا خلال الحرب، وقامت مجموعات مسلحة تابعة لمحور تعز باحتلالها وترفض الانسحاب منها وإعادتها إلى أصحابها، على الرغم من صدور أحكام قضائية بإخلائها.
المتحدث باسم محور تعز العقيد عبد الباسط البحر قال إن "تعز تؤمن بالمؤسسات وبالدولة، وزيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي كانت شاهدة على ذلك، وكل ما يجري في تعز يعالَج وفق الدستور النافذ والنظام والقانون والمؤسسات المعنية الرسمية، وهي تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لإعطاء كل ذي حق حقه سواء عام أو خاص، وهذا بشهادة رئيس مجلس القيادة والطاقم الحكومي وأعضاء مجلس القيادة الذين زاروا تعز ووجدوا فعلاً أن الأمر عكس ما يقال،
فالنظام والأمن موجودان والحقوق مصانة والكرامة مؤطرة. وفي تعز هناك التزام بكل القرارات والأوامر والتوجيهات الرسمية من دون تردد".
وأضاف البحر أن "هذه التصريحات تندرج ضمن المكايدات السياسية وفي إطار المناكفات والتقارير الكيدية والإشاعات والموقف من مؤسستي الجيش والأمن، فتأتي مثل هذه الاستفسارات، وهذا لعدة اعتبارات، فهذا الكلام يقول احتلال المؤسسات، وكأن الجيش والمقاومة غزاة وليسوا من أبناء تعز وليسوا من أبناء الجامع والمدرسة والجامعة، مع أن المقاومة كانت قرارا تعزياً بامتياز".
وأضاف: "بالتالي اليوم من يفترض أن الجيش والأمن ليسوا من أبناء تعز وأنهم غازيون ومحتلون هذه مسألة فيها نظر، فالجيش والأمن حين يحرر مباني خاصة وعامة ويؤمّنها يقوم فوراً بتسليمها إلى أهلها".
الناشط الحقوقي أحمد طه المعبقي قال إن "القانون الدولي الإنساني يوفر العديد من المعايير والقواعد التي تستوجب حماية المدنيين وحماية الأعيان المدنية من استهدافها أو استخدامها، والقانون الدولي الإنساني، أو ما يسمى بقانون النزاع المسلح، ملزم لجميع أطراف النزاع، سواء كانت قوات عسكرية رسمية، أو قوات مسلحة غير رسمية".
وأضاف الناشط الحقوقي أن "القانون الدولي الإنساني يحظر استهداف الأعيان المدنية، ويحظر تحويل الأعيان المدنية إلى عسكرية، لذا يتطلب على جميع أطراف النزاع، بما فيها القوات الحكومية، أن تكون أكثر تقيداً بقواعد القانون، واتخاذ تدابير سريعة لمعالجة سوء استخدام الأعيان المدنية.
وتأتي المعالجة هنا من خلال إخلاء الأعيان المدنية من الثكنات العسكرية".
ورأى الناشط رامز الشارحي، أن "تشكيل اللجنة الرئاسية المعنية بحل قضايا المنازل والمؤسسات قفز على الواقع، فنحن نسيطر على مربع في قلب المدينة ونتزاحم عليه، بينما نحن نحتاج إلى فسحة لنتنفس وتتنفس مؤسسات الدولة أيضاً، والخيار الأول لنا هو التحرير، ولأن هذا الخيار معطل حالياً نحن بحاجة إلى بديل، وهو إعادة تنظيم مع مراعاة الوضع العسكري والأمني.
وأعتقد أن هناك بدائل ممكن أن تزيح من حالة الخناق إلى وضع أفضل يسمح للناس وللدولة بممارسة مهامها".
وأضاف الشارحي، مثلاً، قوات أمن الطرقات التي كانت تسيطر على نادي الصقر وتم إزاحتها إلى مبنى حكومي هام، مشيراً إلى أن عمل هذه القوات معروف ويمكن أن تنقل مقرها إلى أطراف المدينة، وتمارس مهمتها في تأمين الطرق بدلاً من الإصرار على البقاء في منفذ المدينة الغربي.
وتابع الشارحي: "نعرف من يقاتل ومن استغل هذا الأمر لممارسة أعمال شوهت المشروع المقاوم. هذه الممارسات عطلت مصالح الناس، وضاعفت من الخناق الذي تعيشه المؤسسات بفعل حصار مليشيا الحوثي.
من غير المقبول أن تشاهد مسلحين يقتحمون مؤسسات حكومية بسلاح وأطقم الدولة، أو لفرض إتاوات على الأسواق، ومنع البناء، والتدخل في الأراضي والقضايا التي هي من اختصاص القضاء، ومن المفروض أن هذه القوات وجدت لتحمي الناس والدولة".
وأكد الشارحي أن "الوضع يحتاج إلى فسحة وإعادة تنظيم القوات العسكرية والأمنية في المديريات المحررة، وتحديد مقرات تواجد وتدريب لهذه القوات، ومناطق نفوذ وتحرك محددة للتخفيف من الحالة الراهنة، من أجل بناء نموذج على مستوى عودة مؤسسات الدولة، وعلى مستوى قيام عمل عسكري لاستكمال تحرير المحافظة. نفس الأمر ينطبق على قوات الأمن والأمن المركزي لتقوم هذه الأجهزة بمهامها الحقيقية".
فخر العزب