عراقيل تؤخر تشكيل الحكومة اللبنانية وسط تمسّك سلام بـ"المعايير"
الرأي الثالث - وكالات
لا تزال التجاذبات السياسية تؤخر إعلان تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وتعقد مهام رئيس الوزراء المكلف نواف سلام المصمّم على عدم التراجع عن المعايير التي وضعها للتأليف، والمتمسّك في الوقت نفسه بالعمل مع مختلف الأطراف بلا إقصاء أو إبعاد لأي فريق سياسي.
وبعد مرور أكثر من أسبوعين على تكليف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية في 13 يناير/كانون الثاني الجاري، بدأت الأصوات تعلو بوجهه لتسريع العملية، مع انتقادات وضغوط جمّة تطاوله خصوصاً من قبل الأوساط المعارضة لحزب الله وحركة أمل (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، لعدم منح وزارة المال للثنائي، والرضوخ لمطالبه.
وبينما يصرّ الفريق المعارض على التمسّك بالحقائب السيادية خصوصاً تلك التي اعتراها الفساد وتسبّبت بهدر المال العام، أكد سلام مساء أمس الأربعاء، بعد لقائه الرئيس اللبناني جوزاف عون، أنه لن يتراجع عن المعايير التي وضعها منذ اليوم الأول لتكليفه بتشكيل الحكومة، وهي "حكومة تفصل بين النيابة والوزارة، حكومة من دون أي مرشحين للانتخابات البلدية أو النيابية، حكومة لا تمثيل فيها للأحزاب، وحكومة كفاءات وطنية".
وشدد على أنّ "هذه المعايير تسري على الجميع دون استثناء، ولن أحيد عنها، لكنني في الوقت نفسه أحرص على العمل بمرونة مع مختلف الأطراف، على أمل الوصول قريباً إلى حكومة تنال ثقة اللبنانيين، التواقين إلى الإصلاح وانتشال لبنان من الأزمات، حكومة تستعيد رصيد لبنان العربي، وتحشد الدعم الدولي له".
سلام يكثّف مشاوراته
في الإطار، قال مصدر من قصر بعبدا الجمهوري ، إنّ "رئيس الوزراء المكلف أكد أمس للرئيس عون أنه لن يتراجع عن مهامه، وسيكثف عمله ومشاوراته من أجل تشكيل حكومة تكون قادرة بالدرجة الأولى على القيام بالإصلاحات المطلوبة دولياً، والمشترطة لدعم لبنان في إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي".
وشدد الرئيس المكلف على أنّ الكثير من التسريبات والأخبار تخرج حول المسودة أو التشكيلة الوزارية، على صعيد توزيع الحقائب أو الأسماء، وكلها عارية عن الصحة، وتندرج في إطار الشائعات والتكهنات يهدف بعضها إلى إثارة البلبلة، فلا أسماء ولا حقائب نهائية بعد.
وبحسب مصادر، فإنّ أبرز العقد التي تؤخر تشكيل الحكومة اللبنانية هي وزارة المال وتوزيع الحقائب السيادية، بحيث إن حركة أمل بالدرجة الأولى متمسّكة بوزارة المال، والأقرب لتوليها النائب السابق ياسين جابر، لكن القوى المعارضة ترفض منحها لحركة أمل، أو لشخص محسوب عليها، ما يعني برأيها العودة إلى المسار نفسه السابق، والنهج ذاته،
كما من شأنه أن ينعكس سلباً على المساعدات الدولية المرتقبة للبنان.
وفي المقابل، يتمسّك حزب الله بوزارة الصحة، بيد أنّ هناك خلافاً حول الأسماء التي يطرحها، بحيث إنّ الرئيس المكلف يصرّ على عدم تسمية أشخاص مستفزين أو على علاقة مباشرة بالأحزاب،
مستنداً في الوقت نفسه إلى الكفاءة والقدرة على العمل في ظلّ الظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد. ورغم إعلان القوى والأحزاب السياسية ألا مطالب لديها أو شروط إبان الاستشارات غير الملزمة التي أجراها سلام عند تكليفه بتشكيل الحكومة، بيد أنّ كل فريق من مختلف الانتماءات السياسية والطوائف، يصرّ اليوم على تمثيل وزاري وازن،
وقد انسحب ذلك أيضاً على المناطق مع مطالبة النواب من الطائفة السنية، تمثل مدينة طرابلس، شمالي لبنان، بحقيبة وزارية، في مشهدية تعقّد كثيراً عمل سلام، وتؤخّر إنجاز تشكيلته الوزارية.
في الإطار، قال مصدر نيابي في حركة أمل ، إنّ "كل الأحزاب تضع شروطها ومطالبها على طاولة سلام، بما في ذلك "التغييريين"، وعندما يتعلّق الموضوع بحركة أمل وحزب الله، يعلو الصوت بوجههما"،
مشدداً على أنّ "حزب الله وحركة أمل ليسا الطرف المعرقل، إنما القوى المعارضة، وخصوصاً القوات اللبنانية، التي تلعب على وتر الإيحاء بأنّ أي دور للثنائي في الحكومة من شأنه أن يعرقل عملية النهوض ويقطع المساعدات عن البلد،
واستندت في ذلك إلى سحب رجل أعمال إماراتي استثماراته من لبنان، وهي كلّها للضغط على سلام ودفعه لإقصائنا وهو أمر لن يحصل". وشدد المصدر ذاته على أنّ "هذه البلاد لا تقوم إلا بالتوافق لا بالإقصاء ولا بالإبعاد، وعلى الأحزاب المعرقلة فعلاً أن تسهل عملية سلام وتتوقف عن الضغط عليه ووضع العصي في الدواليب".
عراقيل بوجه الحكومة اللبنانية
من جهته، قال عضو كتلة القوات اللبنانية، النائب نزيه متى ، إنّ "أبرز العراقيل التي تؤخر تشكيل الحكومة هي وزارة المالية، حيث إن الإشكال كبير عليها، ليس فقط داخلياً، والموقف لا يقتصر على القوات، بل مجموعة نيابية كبيرة، تعتبر أنّ هذه الحقيبة يجب ألا تكون من حصة الثنائي، خصوصاً أنه يستخدمها كحق فيتو، مع تكريسه مبدأ التوقيع الثالث، إلى جانب توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة".
وتابع "هذا الأمر الذي لا يمكن القبول به، وإلا نكون أمام تكرار للحكومات المتعاقبة والسيناريوهات التي يفترض أن نضع حدّاً لها، بالإضافة إلى مطالبة الثنائي أيضاً بخمس وزارات للطائفة الشيعية تكون حكراً عليه، ما يعيدنا إلى قدرته على تعطيل الحكومة بالميثاقية التي يتسلح فيها".
وشدد متى على أنّ "المجتمعات الدولية تريد مساعدة لبنان، ولكن هي عبّرت في أكثر من مناسبة وتصريح بأنّ المطلوب تغيير الأسلوب والنهج، من هنا تمسّكنا بأن تكون الحكومة مختلفة وتواكب التغييرات التي حصلت في لبنان والمنطقة، وتكون دافعة قوية لانطلاقة العهد الجديد".
وحول الضغط الذي تقوم به القوات اللبنانية والقوى المعارضة على نواف سلام، ومطالبتها بدورها بحقائب وزارية، أوضح متى "منذ اليوم الأول لتكليف سلام، لم تطلب القوى المعارضة أي طلب أو تضع أي شرط، ولأول مرة ينتخب رئيس جمهورية ويكلف رئيس حكومة بلا شروط مسبقة، ولكن الوضع اختلف عندما وجدت الأطراف المعارضة التي كانت لها اليد والدعم الكبير بالتغيير الذي حصل، أن الفريق الممانع يتعاطى بالطريقة نفسها وعلى النهج ذاته، محاولاً فرض الشروط والمطالب، رغم أنه لم يسمِّ رئيساً للحكومة وقاطع الاستشارات غير الملزمة، من هنا إما وحدة المعايير بالتعاطي مع الجميع أو لا، ونحيي هنا موقف سلام الأخير".
رغم التأخير يصمّم متى على البقاء متفائلاً بقرب تشكيل الحكومة، معتبراً أنّ "انطلاقة العهد تتطلب تشكيل حكومة بوقت سريع، ولكن في الوقت نفسه تشكيلها وفق الأصول والأسس المطلوبة للتغيير، خصوصاً أنّ المجتمع الدولي الذي أبدى تأييده لانتخاب الرئيسين عون وسلام، وسارع إلى إعلان نيته دعم لبنان، وعودة الاستثمارات إليه، ينتظر نهجاً مختلفاً وإدارة جديدة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة والنهوض بالبلاد اقتصادياً".
"رايتس ووتش" تراسل سلام
على صعيدٍ ثانٍ، وجّهت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم رسالة إلى نواف سلام، دعته فيها إلى تقديم التزامات ملموسة بتحقيق التقدم وإصلاحات أساسية للناس في لبنان، تشمل المساءلة عن جرائم الحرب المرتكبة على الأراضي اللبنانية، وانفجار بيروت في أغسطس/آب 2020، والانهيار الاقتصادي، والقضاء المستقل حقاً، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى إلى إنشاء مؤسسات للدولة تخضع للمحاسبة، والحماية التي تعزز حرية التعبير وحقوق المرأة وحقوق جميع الأشخاص، بمن فيهم السجناء والموقوفون.
وشددت المنظمة على أن برنامج حقوق الإنسان يجب أن يعطي الأولوية للمجالات الرئيسية، التالية: إعادة الإعمار والتعافي، والمساءلة عن الهجمات غير القانونية وجرائم الحرب المفترضة، واستقلالية القضاء، والمساءلة عن انفجار بيروت، وإصلاحات اجتماعية وسياسية تحترم الحقوق، وحرية التعبير، وحقوق المرأة، وإصلاح السجون، وحقوق اللاجئين، وحقوق المهاجرين.