
مناقشة أميركية في الكونغرس لتعديل قانون قيصر بدل إلغائه
الرأي الثالث - وكالات
صوتت اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب الأميركي الثلاثاء الماضي على تمرير مشروع قانون لتمديد قانون قيصر بدل إلغائه.
وحظي مشروع القانون، المقدَّم من النائب الجمهوري مايك لولار، رئيس اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التابعة للشؤون الخارجية في المجلس، بدعم 31 نائباً، في حين عارضه 23 نائباً.
ويهدف مشروع القانون إلى مراجعة القيود المصرفية، وتعزيز القدرة على مكافحة غسل الأموال.
كما يفرض شروطاً تتعلّق بحقوق الإنسان من أجل إلغاء القانون نهائياً، ويُحدِّد إطاراً زمنياً لرفع العقوبات بشكل نهائي بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2029، شرط التزام الحكومة السورية بسلسلة من المعايير الصارمة تتعلّق بحقوق الإنسان، ووقف الاعتقال السياسي، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، وإيقاف استهداف المرافق الطبية والتعليمية، وإنهاء إنتاج وتهريب الكبتاغون.
ومشروع القانون لا يزال في مرحلته الأولى، إذ لا بدّ من مرور بأربع مراحل تشريعية قبل أن يُصبح نافذاً، وهي تصويت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، ثم التصويت الكامل في المجلس،
تليه لجنة الشؤون المصرفية في مجلس الشيوخ، ثم تصويت مجلس الشيوخ بأكمله، وأخيراً توقيع الرئيس دونالد ترامب.
انتقاد الإبقاء على قانون قيصر
ولا يتماشى توجّه اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب الأميركي مع أجندة ترامب، وفق عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري جو ويلسون، الذي حذّر، على منصة إكس الثلاثاء الماضي، من أن إبقاء قانون قيصر سارياً سنوات سيؤدّي إلى إعاقة إعادة الإعمار في سورية على المدى الطويل،
ما قد يُسهم في عودة تنظيم داعش. وكان ويلسون أعلن، في 12 يونيو/حزيران الماضي، أنه قدم تشريعاً إلى الكونغرس لإلغاء قانون قيصر وعقوباته على سورية بالكامل.
وكان ترامب قد وقّع، في 30 يونيو الماضي، أمراً تنفيذياً لإنهاء العقوبات على سورية، من بينها عقوبات مفروضة منذ العام 1979 (صنفت واشنطن سورية وقتها دولةً راعية للإرهاب نتيجة لدعمها لجماعات فلسطينية معارضة لإسرائيل، ومواقفها المناهضة للولايات المتحدة، وتقاربها مع الاتحاد السوفييتي وقتها).
ولم يُسقِط ترامب قانون قيصر الذي أقرّه الكونغرس في 2019، إذ لا يمكن لرئيس أميركي تعديل أو تعليق قانون صادر عن الكونغرس. وخفّفت الولايات المتحدة العقوبات عن سورية لمنحها "فرصة" لتُصبح "دولة مستقرة تنعم بالسلام"،
وفق إدارة ترامب، التي قالت، في حينه، إنها ستواصل مراقبة تقدّم سورية في الأولويات الرئيسية، بما في ذلك "اتخاذ خطوات ملموسة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتصدّي للإرهابيين الأجانب، وحظر الجماعات الإرهابية الفلسطينية".
وخلال سنوات الثورة السورية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مشدّدة على نظام بشار الأسد المخلوع، وفق أوامر رئاسية وتنفيذية من صلاحيات الرئيس الأميركي إلغاؤها من دون العودة إلى مجلس النواب.
كما فرضت عقوبات مشدّدة على النظام المخلوع عبر قوانين صدرت عن مجلس النواب، أبرزها قانون قيصر، الذي دخل حيّز التنفيذ في العام 2020، بعدما استغرق إنجازه نحو ست سنوات،
ونصّ على فرض عقوبات على الأسد وأركان حكمه، وعلى أي جهة تقدّم الدعم أو تتعامل مع النظام المخلوع.
تأثير أحداث السويداء
وتعليقاً على النقاش الدائر في مجلس النواب الأميركي حول تعديل قانون قيصر، بيّن الباحث السياسي المقيم في واشنطن، رضوان زيادة، أن أحداث السويداء "كان لها تأثير سلبي جداً على قدرة الحكومة على إدماج الأقليات"،
مضيفاً: كانت من ضمن الأسباب التي دفعت مجلس النواب للبحث في تعديل قانون قيصر بدلاً من إلغائه. وتابع: مسؤولية إسرائيل في أحداث السويداء واضحة، ولكن حُمّلت الحكومة السورية المسؤولية. وقلّل زيادة من أهمية النقاش الدائر حالياً في مجلس النواب حول قانون قيصر،
موضحاً: "هذا إقرار أولي من اللجنة، ونسبة تحوّله إلى قانون ضعيفة"، مضيفاً: لكنه جرس إنذار للحكومة السورية، التي دعاها إلى إظهار "انفتاح سياسي أكبر"، مضيفاً: عليها طرح خطة سياسية تُظهر قدرتها على إدماج الأقليات عبر الحوار والمشاركة السياسية.
وكان للجرائم التي ارتكبت في الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، بحق المدنيين وأدّت إلى مقتل المئات وإصابة آخرين عقب الحملة التي شنتها السلطات ضد عناصر من النظام السابق،
ولاحقاً تكرار مشهد الجرائم في السويداء عقب اندلاع الاقتتال الأهلي فيها أخيراً تأثير سلبي على الإدارة السورية التي تُتَّهم بعدم القدرة على إشراك مكوّنات الشعب السوري كافة في القرار السياسي للبلاد. وتلحّ مكونات عدة على ضرورة مشاركتها في القرار بالبلاد، وتدعو إلى عقد حوار وطني موسّع، بدلاً من الذي عقدته الإدارة على عجل على مدى يومين في فبراير/شباط الماضي.
كما تُطالب بتعديل الإعلان الدستوري، الناظم القانوني للمرحلة الانتقالية، والذي صدر في مارس الماضي، وسط اعتقاد يرى أن هذا الإعلان لم يلبِّ تطلّعاتها، وكرّس حكم الفرد في البلاد، ولم يعترف بحقوقها، ولا سيّما الأكراد في سورية، الذين يُطالبون بنصوص دستورية واضحة تُشرّع اللامركزية السياسية، وهو ما ترفضه دمشق، التي ترى أن هذا التوجّه يُهدّد وحدة البلاد،
وتُصرّ على نظام مركزي في هذه المرحلة التي تواجه فيها البلاد تحديات أمنية، هدّدت، أكثر من مرة، الاستقرار الهشّ، وكادت أن تنزلق بالبلاد إلى اقتتال أهلي واسع النطاق.
وكرّر المبعوث الأميركي إلى سورية توم برّاك دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تقويم سياساته، وتبنّي نهج أكثر شمولاً، بعد جولة الاشتباكات الدامية في السويداء جنوب البلاد، وإلا سيكون مهدّداً بفقدان الدعم الدولي وتفتيت البلاد.
وقال برّاك، في مقابلة مع وكالة رويترز الثلاثاء الماضي، إن الحكومة الجديدة يجب أن تفكّر في أن تكون "أكثر شمولاً على نحو أسرع"، فيما يتعلّق بدمج الأقليات في هيكل الحكم، مشيراً إلى أن الغارات الإسرائيلية زادت "الارتباك" في سورية.
مشروع القانون قد يستغرق عاماً من النقاش
وأوضح الدبلوماسي السوري السابق، والمقيم في الولايات المتحدة، بسام بربندي، أن الإدارة الأميركية "لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالحراك الحاصل في مجلس النواب حول تعديل قانون قيصر بدلاً من إلغائه".
وأضاف: من طرح التعديل نواب أميركيون، هناك دروز في المناطق التي يُمثّلونها. وأوضح أن المشروع ربما يستغرق عاماً من النقاش لكي يتحوّل إلى قانون،
معتبراً أن مجرّد طرح فكرة التعديل بدلاً من الإلغاء بشكل نهائي "جرس إنذار للحكومة السورية"، مضيفاً: لا بدّ من حوار وطني شامل وجامع، وتنظيم مؤسسات الدولة بشكل حقيقي، وإلا فإن المشكلات في سورية ستستمر، ما يدفع باتجاه اعتماد مشروع القانون المطروح. أعداء سورية كُثر، وما يحدث فيها اليوم يُعطيهم ما يريدون لاستخدامه ضدّ مصالحها.