ستة أيام أمام أوكرانيا لقبول خطة "السلام" الأميركية
الرأي الثالث - وكالات
تحاول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض خطة "سلام" على أوكرانيا، التي لديها "خطوط حمراء" للتوصل إلى اتفاق مع روسيا يوقف الحرب التي تقترب من العام الرابع، رغم انفتاح كييف على مناقشة خطة أميركية من 28 بنداً لا تزال في إطار التسريبات.
وقال مصدران مطلعان لوكالة رويترز، أمس الجمعة، إن أوكرانيا تواجه ضغوطاً أكبر من واشنطن للموافقة على إطار اتفاق سلام مع روسيا بوساطة أميركية، مقارنة بجهود التفاوض السابقة، بما في ذلك التهديدات بوقف تقديم المعلومات المخابراتية والأسلحة.
وقال أحد المصدرين، الذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إن الولايات المتحدة تريد من أوكرانيا التوقيع على إطار الاتفاق بحلول الخميس المقبل.
وأظهرت التسريبات المتواصلة منذ الأربعاء الماضي لمضمون خطة ترامب، في بنودها الـ28، أن على كييف تقديم تنازلات كبيرة لموسكو، بما في ذلك التنازل عن مساحة كبيرة من الأراضي الشرقية وتقليص حجم جيشها.
الخطة التي وصفتها المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، مساء أول من أمس الخميس، بأنها "جيدة" وينبغي أن تكون مقبولة لكلا الطرفين، تبدو أنها تلبي العديد من مطالب الكرملين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يقترب من العام الرابع.
مناقشات أوروبية
ولم يترك الحديث عن المقترح الأميركي انطباعاً إيجابياً في بروكسل، إذ شدّدت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كايا كالاس خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أول من أمس الخميس، على أن تحقيق السلام في أوكرانيا غير ممكن إلا بمشاركة الأوروبيين والأوكرانيين.
وعادت وأكدت أمس الجمعة، في كلمة ألقتها في جوهانسبرغ حيث تشارك في قمة مجموعة العشرين (اليوم السبت وغداً الأحد) أنه "يمكن لأوكرانيا أن تعتمد علينا لأن هذا ليس عدواناً (الغزو الروسي) على أوكرانيا فحسب، بل هو عدوان على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
وفي تصريح لاحق، قالت كالاس إنه "ليس لروسيا الحق في الحصول على تنازلات من أوكرانيا"، مشددة على أن "أي اتفاق سلام يعود لأوكرانيا أن تقرر بشأن شروطه".
واعتبرت أن "هذه لحظة خطيرة جداً"، مضيفة:"أوروبا وأوكرانيا تريدان السلام، لكن لا يمكنهما الاستسلام للعدوان ببساطة".
وبينما أعلن الاتحاد الأوروبي، أمس، أنه لم يتسلم رسمياً المقترح الأميركي، ويعتزم بحثه خلال قمة مجموعة العشرين، لم تنتظر أبرز القوى الأوروبية القمة، إذ حضرت الخطة الأميركية في اتصال هاتفي بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وزعماء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أمس.
وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية، أمس، إن الزعماء الأوروبيين الثلاثة؛ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرز أكدوا لزيلينسكي في المكالمة الهاتفية أن القوات الأوكرانية يجب أن تظل قادرة على الدفاع عن سيادة البلاد.
ووفق المتحدث، "رحب الزعماء الأربعة خلال الاتصال، بجهود الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، خصوصاً الالتزام بسيادة أوكرانيا والاستعداد لتزويدها بضمانات أمنية قوية".
وبدت كييف منفتحة على مناقشة الخطة مع الولايات المتحدة وحلفائها، إذ أعلنت الرئاسة الأوكرانية، أول من أمس، أن زيلينسكي تلقى رسمياً مشروع خطة من الولايات المتحدة "يمكن، وفقاً للتقييم الأميركي، أن يحيي (المساعي) الدبلوماسية".
وأوضحت أن زيلينسكي يعتزم أن يناقش مع نظيره الأميركي "خلال الأيام المقبلة الإمكانات الدبلوماسية المتاحة وأبرز النقاط الضرورية من أجل السلام".
وكان الرئيس الأوكراني قد شدد بعد لقائه في كييف أول من أمس وفداً من البنتاغون (وزارة الحرب الأميركية) برئاسة وزير الجيش الأميركي دانيال دريسكول، على أن أي اتفاق يرمي إلى وضع حد للغزو الروسي يجب أن يرسي "سلاماً مشرفاً" يكفل "احترام استقلالنا وسيادتنا".
وأكد زيلينسكي، في كلمة مصورة أمس، أن "الأسبوع المقبل سيكون صعباً جداً على أوكرانيا"، مضيفاً: "سنعمل بسرعة وبشكل بنّاء مع الولايات المتحدة".
واعتبر أن "بلادنا تمرّ بإحدى أصعب مراحل تاريخها وتواجه خياراً بين فقدان الشريك الرئيسي أو كرامتها". وقال: "سأطرح حججاً، سأقترح بدائل"، واعداً بعدم "خيانة" أوكرانيا.
أما على المقلب الآخر، فأكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) دميتري بيسكوف، أمس، أن موسكو لم تتلق بعد موافقة كييف على التفاوض بشأن خطة ترامب للسلام.
ونقل الصحافي الروسي ألكسندر يوناشيف، عن بيسكوف قوله وفق وكالة أنباء سبوتنيك الروسية، إن "موسكو لم يتم إبلاغها بعد باتفاق زيلينسكي للتفاوض بشأن خطة ترامب للسلام".
كما ذكر الكرملين أمس، أن الولايات المتحدة لم تناقش مع روسيا بعد بالتفصيل خطتها المقترحة لإنهاء الحرب، ولم تتلق موسكو بعد أي شيء رسمي بشأنها.
وقال بيسكوف إن التقدم الروسي في ساحة المعركة يقلص قدرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على اتخاذ القرارات، وإن على كييف أن تتخذ "قراراً مسؤولاً" الآن.
وكانت ليفيت قالت من البيت الأبيض، أول من أمس، إنها "خطة جيدة لروسيا وأوكرانيا على السواء، ونعتقد أنها ستكون مقبولة للطرفين".
وأوضحت أن المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف ووزير الخارجية ماركو روبيو "عملا بشكل سري منذ شهر" على هذا المشروع "لفهم ما يمكن أن يكون هذان البلدان مستعدين (لتقديمه) من أجل التوصل إلى سلام دائم".
وذكرت ليفيت أن الولايات المتحدة تواصل مباحثاتها مع روسيا وأوكرانيا، وأن ويتكوف يشارك بنشاط في مسار المحادثات، مضيفة أنها لن تخوض في تفاصيل الخطة الأميركية "لأن العملية لا تزال مستمرة وتشهد تغيّرات"، لكنها أكدت أن ترامب يدعم المبادرة.
وبشأن الأنباء عن وجود اعتراضات أوكرانية على بعض بنود الخطة، ذكرت ليفيت أن وزير الجيش الأميركي دان دريسكول أجرى في هذا الصدد مباحثات مع زيلينسكي (أول من أمس في كييف)، ووصفت اللقاء بأنه "كان جيداً".
بنود الخطة الأميركية
الخطة سربها موقع أكسيوس الأميركي ووكالات أنباء من بينها فرانس برس، وقال مسؤولون أميركيون وفقها إن ويتكوف تشاور مع المبعوث الروسي كيريل دميترييف وكذلك مع عمروف، بشأنها.
وتركز غالبية القراءات لمحتوى هذه الخطة على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين الأراضي التي يسيطر عليها كلٌّ من أوكرانيا وروسيا على الجبهة الشرقية الأوكرانية، وعلى موضوع تنازل أوكرانيا عن جزء من أراضيها احتلتها روسيا منذ 2014 بضم شبه جزيرة القرم وشن حرب شاملة في شتاء 2022،
إذ ستتولى روسيا السيطرة على منطقة دونباس بأكملها (دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا)، في حين سيتم تجميد خطوط السيطرة في خيرسون وزابوريجيا، جنوباً.
علماً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يكرر شروطه لوقف الحرب مطالباً كييف بالتخلي عن خططها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وسحب قواتها من كامل المقاطعات الأربع المذكورة التي تدّعي موسكو أنها جزء من روسيا.
كذلك تركز الخطة على أنه لن تكون هناك قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية، وسيتم تحديد الحد الأقصى لعدد القوات العسكرية الأوكرانية بـ600 ألف جندي، أي أقل مما هو عليه في الوقت الحاضر (حوالي 800 ألف إلى 850 ألف جندي)، ولكنه أكبر بكثير مما كان عليه في السابق في وقت السلم (حوالي 250 ألف جندي).
كذلك ففي حال غزت روسيا أوكرانيا مرة أخرى، فستواجه، وفقاً للمسودة، رداً عسكرياً "منسقا" وستخضع مرة أخرى لعقوبات دولية. وتواجه روسيا في الوقت نفسه قيوداً عسكرية قليلة في الخطة، حيث يتوقع منها "ألّا تغزو دولا مجاورة".
الخطة المسربة تتضمن بنوداً خطيرة قد تشي بأن الولايات المتحدة وروسيا تتجهان نحو تنفيذ عملي لمبدأ تقاسم النفوذ في أوروبا، كما أن تنفيذها يعني انتصاراً لبوتين في أوكرانيا وجهوده لإعادة رسم المشهد في القارة الأوروبية،
إضافة إلى منح الكرملين دوراً أمنياً أوسع في القارة والعالم، إلى جانب ضمان عدم دفعه ثمناً كبيراً للحرب التي تسببت بمقتل مئات الآلاف، وتدمير واسع في البنى التحتية في أوكرانيا، وفرض واقع جيوسياسي جديد في القارة الأوروبية وتغيير الحدود باستخدام القوة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي حين أبدى زيلينسكي انفتاحاً على مناقشة الخطة، فإن قيوداً دستورية تحد من قدرته على الموافقة على البنود من دون تعديلات. ويجد زيلينسكي نفسه في موقف صعب للغاية، فموافقته على التنازل عن قرابة 20% من الأراضي، وتنظيم انتخابات في غضون 100 يوم حسب الخطة قد تنهي حياته السياسية.
وصرح مسؤول أميركي رفيع لوكالة فرانس برس، أمس، بأن كييف طلبت تعديلاً على بند في الخطة يتضمن "تدقيقاً" للمساعدات وعقوبات في حال الكشف عن أي مخالفات، في وقت تعاني أوكرانيا (الحكومة) من فضيحة فساد كبرى.
وتؤكد الخطة في بندها الأول سيادة أوكرانيا. ومن الواضح أن هذا المبدأ لم يعد ينطبق على حدود أوكرانيا المعترف بها في الأمم المتحدة بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتي في نهاية 1991.
ويجب على الرادا العليا (البرلمان) الأوكرانية تعديل الدستور في ما يخص عدداً من القضايا المطروحة في الخطة.
وتؤكد المادة الأولى من الدستور أن "أوكرانيا دولة مستقلة وذات سيادة"، فيما تنص المادة الثانية منه على أن "سيادة أوكرانيا تمتد إلى كامل أراضيها، وهي موحدة ولا تتجزأ".
وتشدد المادة الثالثة على أن "حقوق الإنسان وحرياته مصونة، ويجب ألا تُنتهك، بما في ذلك الحق في تقرير المصير". وتنص المادة 17 من الدستور على "حماية السلامة الإقليمية لأوكرانيا، وأي تغيير في الحدود يتطلب موافقة باستفتاء شعبي".
ولا تقتصر التعديلات الدستورية المطلوبة على موضوع السيادة والتنازل عن الأراضي، بل تتعداه إلى البند السابع من الخطة الأميركية المتعلق بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو".
ويعد التراجع عن هدف الانضمام للحلف خرقاً للدستور، لأن أي اتفاق قد يفرض قيوداً على سياسة أوكرانيا الخارجية أو الدفاعية (مثل حيادها أو عدم انضمامها إلى ناتو) يتعارض مع حق أوكرانيا الدستوري في تحديد سياساتها المستقلة.
ويجب على المشرعين الأوكرانيين شطب المواد المتعلقة بهدف الانضمام إلى "ناتو" في المادة 85، وتعديل المادة 102 التي تلزم الرئيس والحكومة العمل على تنفيذ السياسة الخارجية للدولة ومن ضمنها التوجه نحو الانضمام إلى "ناتو".
وفي ما يخص البند الثاني من الخطة وتوقيع أوكرانيا على اتفاقية عدم اعتداء، فإن ذلك يعد خرقاً لقانون اعتمده البرلمان الأوكراني بعد ضم روسيا القرم في 2014 ينص على أن روسيا "دولة معتدية"، ما يقيّد خوض مفاوضات قد تُفسر على أنها تنازل عن الأراضي الأوكرانية.
ومن الناحية المعنوية، يمكن تفسير توقيع اتفاقية عدم اعتداء متبادلة على مساواة بين الطرف المعتدي والطرف المعتدى عليه.
ويشير البند الخامس من الخطة إلى "حصول أوكرانيا على ضمانات أمنية موثوق بها"، ومن الطبيعي أن هذه الضمانات تحتاج إلى نقاشات ومفاوضات تضم الولايات المتحدة وروسيا و"ناتو" والبلدان الأوروبية.
في المقابل، تكشف البنود اللاحقة حتى البند التاسع عن قيود على أوكرانيا تقلص قدرتها على ضمان أمنها. وبحسب البند السادس، يجب "تحديد حجم القوات المسلحة الأوكرانية بـ600 ألف عنصر".
وبعيداً عن أنه تدخّل في شؤون سيادية لدولة أخرى، فإن الجيش القوي يعد الضمانة الأولى لأمن أي بلد، وفي مقابل جيش روسي يتجاوز 1.5 مليون عسكري، يطلب من أوكرانيا تقليص قواتها.
كما أن موافقة أوكرانيا على تعديل دستوري بعدم الانضمام إلى "ناتو" يعني أنها ستحرم من إمكانية الحصول على دعم بمقتضى البند الخامس من الخطة، وهو البند الذي تراهن عليه غالبية البلدان الأوروبية المنضوية تحت "ناتو" لضمان أمنها.
وبعيداً عن فرض إرادة روسيا بإدراج "ناتو" فقرة في نظامه الأساسي تقضي بعدم قبول أوكرانيا مستقبلاً، والذي يعد تراجعاً عن قرارات القمم (الحلف) السابقة منذ مدريد 2008، فإن "ناتو" ملزم حسب البند الثامن من الخطة بعدم نشر قواته على الأرض.
وفي مؤشر إلى عدم رغبة الولايات المتحدة المشاركة في أي ضمانات على الأرض، ينص البند التاسع على أنه "يتم نشر طائرات مقاتلة أوروبية في بولندا".
وفي حين توكل الخطة دوراً أساسياً لأوروبا بمهمة الضمانات الأمنية، فإنها تهمشها في قضايا مهمة تتعلق بأمن القارة عموماً، والاستقرار العالمي.
ومن المؤكد أن أوروبا المتوجسة من إمكانية غزو روسيا لبلدان البلطيق أو مولدوفا، ترغب في ضمان عدم اعتداء روسيا على أراضيها، وهو ما يتوافق مع البند الثاني من الخطة المسربة أي "إبرام اتفاقية عدم اعتداء شاملة بين روسيا وأوكرانيا وأوروبا".
حلف "ناتو" ملزم حسب البند الثامن من الخطة بعدم نشر قواته على الأرض
في المقابل، فإن أوروبا تنظر إلى روسيا بوصفها طرفاً معتدياً منذ 2014، في حين أن كل إجراءاتها تأتي ضمن الدفاع المشروع عن النفس.
وربطاً بالتجارب التاريخية، تخشى أوروبا أن توقيع اتفاق مع روسيا يتضمن الإقرار القانوني بسيطرتها على مساحات واسعة من أوكرانيا نتيجة الحرب يمكن أن يكرر تجربتها مع الحكم النازي في ألمانيا في 1938 حين تخلت عن أراضي السوديت (غرب التشيك تاريخاً) على أمل إقناع أدولف هتلر بعدم شن الحرب، ولكن هذه الجهود باءت بالفشل،
وبمعنى أوضح فإن أوروبا تخشى أن أي تنازلات للكرملين ستفتح على مطالبات أوسع، تؤجل الحرب لا تنهي احتمال وقوعها.
وينص البند الثالث من الخطة على أن "لا تغزو روسيا الدول المجاورة، وألا يتوسع حلف ناتو أكثر". من الواضح أن هذا البند يربط بين غزو روسيا لأوكرانيا، وتوسع الحلف،
كما أنه يعد رضوخاً للمطالب التي قدمتها الخارجية الروسية للولايات المتحدة وحلف "ناتو" منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2021، في مشروع معاهدة الضمانات الأمنية المتبادلة.
وينص البند الثامن على أن "يوافق ناتو على عدم نشر قوات في أوكرانيا".
وتستأثر الولايات المتحدة بإدارة الحوار مع روسيا في البند الرابع الذي ينطلق من "إجراء حوار بين روسيا وحلف ناتو، بوساطة الولايات المتحدة، لحل جميع القضايا الأمنية وتهيئة الظروف لخفض التصعيد، بما يضمن الأمن العالمي ويزيد فرص التعاون والتنمية الاقتصادية المستقبلية".
ونظراً للهيمنة الأميركية على "ناتو"، لا يوجد ضمان بأن التفاهمات قد تُبنى على حساب المصالح الأوروبية، وضمن تقاسم للنفوذ.
ورغم أن أوروبا هي المعنية الأساسية بعد أوكرانيا في قضية الالتزام بأي اتفاقية، فإن البند 15 ينص على "إنشاء مجموعة عمل أميركية روسية مشتركة معنية بقضايا الأمن لتعزيز وضمان الامتثال لجميع أحكام هذه الاتفاقية".
ومن اللافت أن الخطة تربط بين التسوية في أوكرانيا واتفاق الولايات المتحدة وروسيا على "تمديد سريان معاهدات عدم انتشار الأسلحة النووية وضبطها، بما في ذلك معاهدة ستارت 1".
ويفتح هذا البند الباب على تأويلات بأن ترامب وبوتين ضخما عمداً في الآونة الأخيرة من مخاطر سباق تسلح نووي يهدد العالم وأوروبا بالدرجة الأولى من أجل تبرير أي تنازلات مؤلمة من أوكرانيا وأوروبا على أنها لمنع نشوب حرب عالمية ثالثة بمكونات نووية.
وفي البند 27 من الخطة، وفي استنساخ لدور ترامب في غزة "تكون هذه الاتفاقية ملزمة قانوناً.
وسيُراقب تنفيذها ويضمنها مجلس السلام، برئاسة الرئيس دونالد ترامب. وستُفرض عقوبات على أي انتهاكات". بذلك ينصّب ترامب نفسه حكماً من دون أي التزامات واضحة. ويفتح البند العاشر على فوائد تجنيها الولايات المتحدة من ضمان الاتفاق، فحسب البند المذكور "ستحصل الولايات المتحدة على تعويض عن الضمان".
مكاسب اقتصادية
وفي بنود أخرى، يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة تراهن على مكاسب اقتصادية.
وعلى سبيل المثال، فإن المحافظة على عمل محطة زابوريجيا النووية وتقاسم الطاقة الكهربائية المنتجة مناصفة بين روسيا وأوكرانيا يسمحان لها بتنفيذ اتفاق المعادن النادرة مع أوكرانيا، والعمل مع روسيا على مقترحات سابقة لبوتين ومستشاريه بشأن استثمار المعادن النادرة في الأراضي التي احتلتها من أوكرانيا.
وفي الشق الاقتصادي، لا تبرز الخطة أي دور محدد للولايات المتحدة في إعادة الإعمار، لكنها تفرض قيوداً على الأوروبيين في موضوع استخدام الأرصدة الروسية المجمدة والتي تناهز 200 مليار دولار.
وتنطلق الخطة من استخدام هذه الأموال لأغراض استثمارية، بمعنى أنها لن تكون جزءاً من تعويضات قد تدفعها روسيا لأوكرانيا.
ويتضح ذلك من بند آخر وهو البند 26 الذي يذهب أبعد من عدم فتح محاكمات على الانتهاكات إلى إغلاق الباب أمام تجريم روسيا أو قيادتها بسبب الحرب، وتحملها أي تعويضات.
وحسب النص، "تحصل جميع الأطراف المشاركة في هذا النزاع على عفو شامل عن أفعالها خلال الحرب، وتتفق على عدم تقديم أي مطالبات أو النظر في أي شكاوى مستقبلاً".
ومن المؤكد أن ترامب اختار توقيتاً مناسباً لطرح خطته للسلام في أوكرانيا. ففي القارة الأوروبية لا يوجد إجماع على دعم أوكرانيا عسكرياً، ولا يقتصر الأمر على "رجال ترامب الشعبويين" في المجر والتشيك وسلوفاكيا في القارة العجوز، بل يتعداهم إلى خوف في صفوف حكومات ومواطنين من نشوب حرب عالمية ثالثة إضافة إلى تراجع مستوى المعيشة بسبب طول الحرب.
ميدانياً، ترجح الكفة لمصلحة روسيا التي عملت على أكثر من جبهة لقضم مزيد من الأراضي الأوكرانية بعضها تنوي الاحتفاظ به، وبعضها يمكن أن تساوم عليه لتثبيت خطة تبادل الأراضي التي دعا إليها ترامب منذ بداية جهوده للتسوية في أوكرانيا، والمنطلقة من عقلية "تاجر العقارات".
ورغم التوقيت المناسب، فإن موافقة الطرفين على الخطة سواء بوسائل الترغيب أو الإكراه، لا تعني أن السلام بات أقرب، فشيطان التفاصيل سيخرج من كل بند من التخلي عن الأراضي إلى تبادلها، وصولاً للضمانات الأمنية والقضايا الاقتصادية.