المساعدات الغذائية لليمن: شروط "مجحفة" بذريعة شح التمويل واعتداءات الحوثيين
الرأي الثالث
صار الحصول على سلة غذائية هشة في اليمن مشروطاً بمعايير محددة، إزاء معاناة برنامج الأغذية العالمي من شحّ التمويل، بينما تتفاقم الأزمة لدى سكان مناطق الحوثيين بعد تعليق المساعدات منذ شهرين.
يشكو يمنيّون كُثر من تداعيات إقصائهم عن المساعدات الغذائية الشحيحة، بذريعة نقص التمويل، بينما يبدي سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين امتعاضهم من سياسة التجويع الممنهجة التي تمارسها الجماعة بحقهم، جرّاء الاستهداف المتواصل لموظفي الأمم المتحدة ووكالاتها، رغم أن اليمنيين بمعظمهم، وفق قولهم، يعيشون تحت خط الفقر.
ويُعتبر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة المموّل الأساسي لعملية تقديم المساعدات الغذائية الإغاثية في اليمن، عبر شركاء محليين يتولّون مرحلة التنفيذ، أبرزهم جمعية رعاية الأسرة، ومنظمة الوصول الإنساني، ومنظمة كير.
وأمام الفجوة الناتجة من نقص التمويل، اضطرّ البرنامج إلى استبعاد مديريات بأكملها من قوائم المستفيدين من المساعدات الغذائية، وتقليص أعداد المستفيدين في مديريات أخرى، وفقاً لعملية مسح ميداني ومعايير محددة.
وقال برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 بشأن الوضع الإنساني في اليمن إنه "بسبب نقص التمويل، لن نتمكن من تقديم المساعدات الغذائية إلا لعدد 1.6 مليون شخص فقط في مناطق نفوذ الحكومة اعتباراً من أوائل عام 2026".
وأضاف التقرير أن 1.8 مليون شخص سيُحرمون من المساعدات الغذائية العامة، وهو ما يعادل نحو 53% من إجمالي المستفيدين البالغ عددهم 3.4 ملايين شخص.
"نموت جوعاً، ومع ذلك يريدون حرماننا من المساعدات الإغاثية البسيطة التي تُقدّم لنا وكأنها صدقة، علماً أنها لا تكفي لإطعام أسرة واحدة"، بهذه العبارات تسرد فوزية محمود من سكان مدينة عدن جنوبي البلاد، مأساة حرمانها هي وأسرتها من الإغاثة.
وتقول : "هذه المنظمات تتلقى ملايين الدولارات من الداعمين، وتستكثر علينا كيساً من الطحين وعبوة زيت".
تتألف السلة الغذائية الواحدة من كيس طحين بوزن 50 كيلوغراماً، وأربعة ليترات من الزيت، و3.5 كيلوغرامات من البقوليات، ولا تتعدّى كلفتها 40 دولاراً أميركياً،
ورغم ذلك يعجز برنامج الأغذية العالمي عن تقديمها لعدد أكبر من اليمنيين من جراء نقص التمويل،
إذ أكد، في تقرير صادر في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن عملياته في اليمن لا تزال تعاني فجوةً تمويليةً هائلة، تُقدّر بنحو 77% من إجمالي متطلبات صافي التمويل البالغة 432 مليون دولار للأشهر الستة المقبلة، أي من أكتوبر/ تشرين الأول 2025 ولغاية مارس/ آذار 2026.
ويصف أحمد سيف، وهو رب أسرة من أبناء مديرية القاهرة في تعز جنوب غربي اليمن، الوضع بالمأساوي،
ويقول "نعيش ظروفاً قاسية، لا رواتب ولا فرص عمل، والأسعار في ارتفاع جنوني دائماً، حتى صارت الأسر بمعظمها تُكافح للبقاء من خلال وجبةٍ واحدةٍ في اليوم".
ويضيف: "كنا نعتمد على المساعدات الغذائية أساساً، لكننا فوجئنا بحذف اسمنا من سجلات المستحقين، لقد تُركنا لمصيرنا".
وبالتزامن مع قلة التمويل، أعلن برنامج الأغذية العالمي دليلاً موجزاً لمرحلة تحديد الأسر الأشد احتياجاً من قبل اللجان المجتمعية التي شُكّلت لهذا الغرض، إذ يتعاون البرنامج مع شركائه في تحديد الأسر التي تستوفي الحدّ الأدنى من معايير الحصول على المساعدات الغذائية.
وقد حدّد البرنامج تسعة معايير للاستهداف، تشمل معاناة رب الأسرة من إعاقة تمنعه من العمل، أن يكون عمر معيل الأسرة أكبر من 60 عاماً أو أقل من 15 عاماً، إذا كانت ربة الأسرة مطلقة أو أرملة مع طفل وأكثر بعمر أقل من 15 عاماً،
الأسر التي يبلغ عدد أفرادها ستة أو أكثر لكل معيل، الأسر غير المقيمة (النازحة داخلياً، اللاجئة، أو العائدة)، إذا كانت الأسرة تعاني من ظروف سكن سيئة، إذا كانت من المهمشين، إذا كانت لديها حوامل أو مرضعات أو أطفال دون الخامسة من العمر وتعاني من سوء التغذية الوخيم أو المتوسط،
وإذا كان أحد أفراد الأسرة أو أكثر يعاني من إعاقة تمنعه من العمل، باستثناء رب الأسرة.
كذلك حدّد برنامج الأغذية العالمي عشرة معايير بموجب أحدها تُستبعد الأسرة من كشوفات المستحقين للمساعدة الغذائية، وهي أن تمتلك الأسرة سيارة أو شاحنة أو جرّاراً زراعياً أو قارب صيد للاستخدام الشخصي أو بوصفه مصدراً للدخل، باستثناء العائلات التي يعمل رب الأسرة فيها سائقاً لسيارة أجرة أو لحافلة أو صياداً،
لكنه لا يملك المركبة أو القارب، وإذا كان لدى الأسرة مصدر دخل منتظم بالعملة الأجنبية، وأن تمتلك الأسرة محلّاً أو مشروعاً خاصاً، أو إذا كان أحد أفراد الأسرة مقاولاً أو بائعاً للقات.
ومن ضمن معايير الاستبعاد، إذا كان أحد أفراد الأسرة يدرس في مدرسة أو جامعة خاصة داخل اليمن أو في الخارج، باستثناء الحاصلين على المنح الدراسية،
وأن تمتلك الأسرة أكثر من 20 رأساً من الأغنام أو الماعز أو أكثر من أربع أبقار أو جمال أو ما يعادلها، وأن يكون أحد أفراد الأسرة يعمل بوظيفة منتظمة في القطاع الخاص ويتلقّى راتباً منتظماً وليس عاملاً مؤقتاً أو بالأجر اليومي،
وإذا كان أحد أفراد الأسرة يعمل في القطاع الإنساني مقابل راتب شهري وليس عاملاً مؤقتاً أو بالأجر اليومي.
وتشمل معايير الاستبعاد كذلك، أن تمتلك الأسرة عقارات أو ممتلكات تُستخدم مصدراً للدخل، أو أن تمتلك أكثر من فدّانين أو ما يعادلهما من الأراضي الزراعية المنتجة أو الأراضي المنتجة للقات، سواء المملوكة أو المستأجرة، بمساحة أكثر من 40 متراً مربعاً، أو أن تمتلك الأسرة أربعة أو أكثر من الأجهزة الإلكترونية عالية القيمة، مثل شاشة تلفاز كبيرة، ثلاجة، غسالة، وغيرها.
وتكشف مريم الأثوري أن فريق إحدى اللجان المجتمعية زارهم في المنزل، حيث أفادهم أعضاء الفريق بأنهم تابعون للمنظمة التي تقدّم الإغاثة، وطرحوا عليهم مجموعة أسئلة، قبل أن يبلغوهم بأن اسمهم سيُسقط من قائمة المستحقين للمساعدة الغذائية.
وتقول: "عندما سألناهم عن السبب، أجابوا بأننا نمتلك شاشة تلفاز وغسالة وثلاجة ومكنسة كهربائية، علماً أننا اشترينا هذه الأدوات الكهربائية قبل الحرب، لكن اليوم الوضع اختلف، لا رواتب ولا وظائف ولا أسعار رخيصة ولا شيء، لكنهم يريدون محاصرتنا بلقمة العيش".
ويتحدّث رئيس اللجنة الرقابية المجتمعية في محافظة تعز، هيكل عصيوران، عن إجحاف تشهده البلاد من خلال استبعاد عدد من المديريات وتقليص أعداد المستحقين في مديريات أخرى،
ويقول "مثلاً، استُبعدت مديرية القاهرة بمدينة تعز على الرغم من أنها تضم 17 موقعاً لمخيمات النازحين، وتؤوي أكثر من 2.300 أسرة نازحة في هذه المواقع،
بالإضافة إلى سبعة آلاف أسرة نازحة تقيم في منازل وشقق وغرف ودكاكين وعشش تنعدم فيها مقومات السكن الكريم، وهي قريبة من خط النار، كما أن عدد الأسر العائدة إلى مديرية القاهرة، والتي نزحت سابقاً جراء الحرب، يتخطّى 18 ألف أسرة".
في المقابل، يعاني سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين، والذين يمثلون أكثر من 75% من سكان البلاد، من احتمال توقف المنظمات عن تقديم المساعدات الغذائية نهائياً، بعد تعليقها أكثر من مرة، بسبب عمليات الخطف المتكررة التي تنفذها الجماعة ضد موظفي المنظمات الدولية،
إذ بلغ عدد الموظفين الأمميين المختطفين لدى الجماعة نحو 59 موظفاً، بحسب الأمم المتحدة.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن في سبتمبر الماضي تعليق أنشطته كافة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين شمالي البلاد، على خلفية احتجاز الجماعة مجموعةً إضافيةً من موظفي الأمم المتحدة أواخر أغسطس/ آب الماضي.
وأشار البرنامج الأممي إلى أنه أكمل الدورة الثانية من برنامج توزيع المساعدات الغذائية الطارئة في مناطق الحوثيين أواخر أغسطس الماضي،
والتي استهدفت نحو 803 آلاف شخص في 25 مديرية هي الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي، وأنه "لا توجد حالياً أي مساعدات جديدة يقدّمها".
وأوضح أن عملية استهداف وتسجيل المستفيدين من المساعدات الغذائية، لا تزال معلّقة في مناطق الحوثيين، وكذلك الحال بالنسبة لبرنامج التغذية المدرسية بسبب النقص الحاد في التمويل.
وفي تقرير صادر نهاية أكتوبر الماضي، بشأن "الوضع الإنساني في اليمن"، كشف برنامج الأغذية العالمي أن قوات الأمن التابعة للحوثيين احتجزت 29 من موظفي البرنامج في شمال البلاد خلال العام الجاري.
وأكد التقرير أنّ الوصول إلى مقر البرنامج في صنعاء "لا يزال غير ممكن"، وذلك عقب تعرضه للاقتحام من قبل الحوثيين، في نهاية أغسطس الماضي، وأن أنشطته في مناطق الحوثيين "لا تزال معلقة" للشهر الثاني.
يقيم سيف (اسم مستعار) في مناطق سيطرة الحوثيين، ويتّهم الجماعة بممارسة سياسة تجويع ممنهجة بحق اليمنيين،
ويقول "بعد حرمانها الموظفين من الرواتب المستحقة منذ عام 2016، تحارب جماعة الحوثيين حالياً المنظمات الدولية التي تقدم المساعدات الغذائية من خلال اقتحام مقرّاتها واختطاف موظفيها،
واتهامهم بالعمالة لصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وذلك بهدف دفع هذه المنظمات إلى الانسحاب من البلاد، وترك اليمنيين فريسةً للجوع".
يحتل اليمن المركز الثاني بقائمة أفقر دول العالم، إذ بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 417 دولاراً أميركياً فقط، وفق معطيات البنك الدولي لعام 2024.
وبحسب تقرير سابق لبرنامج الأغذية العالمي، أدى الصراع في اليمن منذ أكثر من عقد إلى وضع إنساني مزرٍ، حيث تأثر أكثر من 18 مليون شخص، بما في ذلك 14 مليون امرأة وطفل، بالصراع وتغير المناخ والأمراض المتكررة والظروف الاقتصادية الحرجة.
كذلك نزح داخلياً ما مجموعه 4.5 ملايين شخص، يعيش الكثير منهم في مخيمات. وعلى الرغم من الهدنة القصيرة عام 2022، غير أن الوضع لا يزال خطيراً،
ويتطلّب اتخاذ إجراءات عاجلة، خصوصاً أن عام 2024 كشف حاجة 18.6 مليون شخص للمساعدات الإنسانية، وبيّن أن 17.6 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، بحسب البرنامج الأممي.
فخر العزب
صحافي يمني