الحوثي يثأر من العقوبات الأميركية الجديدة باعتقالات تعسفية
الرأي الثالث
في إجراء يكشف عن حال التوتر الذي تعيشه سلطات الميليشيات الحوثية في المناطق الخاضعة لسيطرتها جراء التطورات الجارية في سوريا، شن مسلحوها حملة اختطافات واسعة في مناطق مختلفة من اليمن، بما فيها العاصمة صنعاء (شمال) ومحافظة إب (وسط).
واختطف 17 ناشطاً وشاباً في صنعاء بسبب التعبير عن فرحتهم بسقوط نظام بشار الأسد، كما اختطف عدد من أبناء مديرية المخادر في إب للأسباب نفسها.
ومساء أمس الأربعاء دانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات (تضم المنظمات الحقوقية المستقلة في اليمن) الحملات الحوثية، واعتبرت أنها تكشف عن حال "قلق الميليشيات من الوضع في سوريا، وتأثيره في سيطرتها في اليمن".
ودعت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى "التدخل للضغط على الميليشيات للإفراج عن المختطفين ولتصنيفها كمنظمة إرهابية"، كما دعت إلى دعم الحكومة اليمنية لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد.
ضغط دولي
من جانبها، تواصل الولايات المتحدة ضغطها على المليشيا بإدراجها لجنة شؤون الأسرى الحوثية ورئيسها، عبد القادر المرتضى، في قائمة العقوبات "لتورطهم في انتهاكات ضد المختطفين والمحتجزين في السجون التي تديرها الميليشيات المدعومة من النظام الإيراني.
وتضمنت العقوبات تحديد اسم رئيس اللجنة الحوثية لشؤون السجناء، ورئيس فريق التفاوض بشأن الأسرى، عبد القادر المرتضى، كعنوان لمعتقلات الميليشيات عقب سلسلة من الاتهامات المحلية والأممية التي وجهت له ومنها تهم تعذيب السجناء وإساءة معاملتهم واستخدامهم كأوراق ضغط للتكسب السياسي.
والإثنين، أكدت وزارة الخزانة الأميركية، أن لجنة شؤون الأسرى الحوثية ورئيسها القيادي عبد القادر المرتضى شاركا بشكل مباشر أو غير مباشر في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
يقول الصحافي المفرج عنه من سجون الميليشيات المدعومة من إيران، توفيق المنصوري، إنه "على رغم الإحباط الذي يعتري ضحايا المعتقلات الحوثية جراء تجاهل المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والفاعلين الدوليين لانتهاكاتها المريعة، ولكنها خطوة جيدة نحو كشف الغطاء عن تلك المعتقلات التي يجري داخلها أبشع أنواع التعذيب الذي لا يقل عما اكتشفه العالم أخيراً في سوريا".
يوضح المنصوري "سبق وتعرضت للتعذيب الوحشي على يد عبد القادر المرتضى شخصياً بضربات بواسطة آلة حديدية لا تزال آثارها تقسم رأسي نصفين حتى اللحظة، ولهذا كان من المسيء والمخالف للقوانين الدولية والإنسانية أن نراهم يتمتعون بالحرية ويتنقلون من عاصمة إلى أخرى، ولهذا فالعقوبات الأميركية تعطي الأمل للضحايا بتحقق العدالة مهما بدا أنها بعيدة المنال".
يضيف "نتمنى تحقيق خطوات أخرى لتحقيق العدالة لكل الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب على يد المرتضى وتحت إشرافه، وأن تحذوا المنظمات الدولية لحقوق الإنسان التي تملك القدرة على فرض العقوبات والمساءلة حذو الولايات المتحدة لتؤكد أن لا إفلات من العقاب السائد في اليمن".
صيدنايا اليمن
ومع الصدمة التي يعيشها العالم جراء ما كُشف عن أهوال السجون في سوريا بعد انكشاف ممارسات نظام الأسد، وباعتبار ميليشيات الحوثي امتداداً لنفس الخلفية الأيديولوجية المنضوية ضمن "محور إيران"، يؤكد المنصوري أن لدى الحوثيين العديد من السجون، سواء المعروفة أو السرية، التي تُرتكب فيها فظائع جسيمة.
وكما يبدو، فإن التصنيف الأميركي يهدف لإضعاف قدرات الحوثيين وإلحاق المزيد من الضغط عليهم، ويؤدي إلى استمرار تصنيفهم جماعة إرهابية وعزلهم دولياً وإضعاف مستقبلهم السياسي، إضافة لقطع قنواتهم الدبلوماسية الاقتصادية والخارجية.
ولهذا أبدت الجماعة اعتراضها عليه ومهاجمته بشدة، إذ نفى رئيس لجنة الأسرى المرتضى "نفياً قاطعاً" ما وصفها بـ"الاتهامات الكاذبة التي أوردتها الخزانة الأميركية".
ومع تهم الانتهاكات التي تمارس في سجونه التي من بينها حالات الوفاة تحت التعذيب ذكر القيادي الحوثي "أن كافة الأسرى والمعتقلين لدينا يحظون بكامل الحماية والرعاية الإنسانية ويزورهم الصليب الأحمر بشكل دوري".
واعتبر القرار الأميركي "قرار سياسياً بحتاً، وأن له صلة بما وصفه بموقف جماعته المساند لفلسطين".
شهادات دامية
وأشارت إلى أنه وفقاً للأمم المتحدة، فإن المختطفين في سجون الحوثيين يتعرضون للتعذيب وأشكال أخرى من المعاملات الوحشية، من قبل عناصر حوثية من بينهم المرتضى.
إلى ذلك، رحبت الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين في بيان صادر عنها أول من أمس الثلاثاء، بالقرار الصادر عن الخزانة الأميركية فيما راح عدد من الصحافيين المفرج عنهم للإدلاء بشهاداتهم على فترة بقائهم في تلك المعتقلات. واعتبروا القرار خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة، وعدم إفلات منتهكي حقوق الإنسان من العقاب والمحاكمة.
وقال الصحافي المحرر من سجون الحوثي عبد الخالق عمران، على مدى ثماني سنوات من اختطافي، عشت كصحافي تجربة مريرة من الانتهاكات الجسيمة التي تصنف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. حيث تعرضتُ وزملائي الصحافيين لسلسلة مستمرة من الانتهاكات بسبب ممارستنا لمهنتنا الصحافية وتوثيقنا للحقائق.
وأشار إلى أن هذه الانتهاكات الحوثية شملت الاختطاف والإخفاء القسري، التعذيب الوحشي الجسدي والنفسي، والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. كما تم استخدامنا كدروع بشرية في معسكرات ومخازن أسلحة استُهدفت بالقصف، وحُولنا إلى رهائن للمساومة، وإصدار فتاوى دينية بقتلنا،
كما صودرت ممتلكاتنا، وتهجيرنا قسراً من وطننا، وعانى أطفالنا وأسرنا من التشريد والتهجير، فقط لأننا اخترنا أن نكون صحافيين ندافع عن حرية الكلمة.
تهم أخرى
ويواجه المرتضى اتهامات عدة بتعذيب مختطفين على رأسهم الصحافيون المفرج عنهم في أبريل (نيسان) من العام الماضي، أي قبل اندلاع الحرب على غزة وادعاء نصرة فلسطين.
وترأس فريق جماعته في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين الحكومة الشرعية والحوثيين بشأن تبادل الأسرى والمختطفين من الجانبين.
ويعد المرتضى أحد أبرز القيادات الحوثية المتورطة بعمليات تعذيب وحشية بحق الأسرى والمختطفين في سجون وأقبية الجماعة خلال الأشهر والسنوات الماضية، ويدير أحد ملحقات السجن المركزي في صنعاء، والذي يقبع فيه المئات من المختطفين والذين ترفض الجماعة الإفراج عنهم، فيما أفرج عن آخرين بصفقات ورشاوى مالية، تحدث بعضهم عن تعرضهم لعمليات تعذيب عنيفة في تلك السجون التي يشرف عليها المرتضى، والذي شارك أيضاً بتلك العمليات بشكل شخصي.
وكان تقرير فريق الخبراء المعني باليمن، والتابع لمجلس الأمن الدولي، قد كشف في أحدث تقرير له في أبريل من عام 2022 حالات تعذيب وانتهاكات خطيرة ارتكبتها جماعة الحوثي في سجونها، بما في ذلك السجن المركزي بصنعاء، الذي يدير أحد ملحقاته رئيس لجنة الأسرى لدى الجماعة عبد القادر المرتضى.
كذلك كشف التقرير الأممي عن احتجاز النساء والأطفال لأسباب متنوّعة وعن استخدام العنف الجنسي كوسيلة للتعذيب، إضافة إلى أن الابتزاز المالي، ونقص الرعاية الطبية، يشكلان جزءاً من نظام السجون الحوثية، مع دعوة إلى تحقيق دولي، وتدخل فوري لحماية حقوق الإنسان في اليمن.
على خطى المحاسبة
من جانبها، رحبت الحكومة اليمنية بالقرار الأميركي واعتبره وزير الإعلام معمر الإرياني "خطوة هامة على طريق محاسبة المجرمين الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء وارتكبوا أبشع الجرائم والانتهاكات بحق اليمنيين".
وأضاف في بيان على منصة "إكس"، "لقد تعرض اليمنيون داخل معتقلات ميليشيات الحوثي، لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي، شملت الصعق بالكهرباء، والتجويع، والاعتداءات الجسدية، والعزل الانفرادي، وصولاً إلى القتل البطيء، ولم تكتفِ الميليشيات بهذه الممارسات بحق المحتجزين بل حوّلت "لجنة الأسرى" إلى أداة لتعذيبهم وإخفائهم قسراً وابتزاز عائلاتهم".
وأكد الإرياني أن الصمت الدولي لم يعد مقبولاً أمام وحشية الميليشيات الحوثية التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي، وأن قرار إدراج المدعو عبد القادر المرتضى على قائمة الإرهاب يجب أن يكون البداية، فنحن أمام لحظة حاسمة تتطلب إجراءات صارمة لوقف جرائمها المستمرة منذ انقلابها الغاشم على الدولة.
وطالب الوزير اليمني المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات رادعة ضد ميليشيات الحوثي، والشروع في تصنيفها كـ "جماعة إرهابية عالمية"، وملاحقة قياداتها أمام المحاكم الجنائية الدولية عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبوها بحق الشعب اليمني، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
وتطرق المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانز غروندبرغ أمس الأربعاء، للتصعيد الحوثي الأخير.
وفي إحاطة جديدة قدمها لمجلس الأمن الذي عقد جلسة لمناقشة الملف اليمني وجهود عملية السلام المتعثرة منذ أكثر من عام، قال غروندبرغ إن هذا الشهر يصادف مرور ستة أشهر على بدء جماعة أنصار الله (الحوثيين) حملة اعتقالات تعسفية، وهذا يشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، ولا يزال بعض منهم محرومين حتى من أبسط الحقوق الإنسانية المتمثلة في إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم.
وأشار إلى أن أعمال العنف الأخيرة في تعز، بما في ذلك الغارة الجوية القاتلة التي شنتها طائرة من دون طيار على سوق في مقبنة، تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى احترام جميع الأطراف للقانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين.
وأكد المبعوث الأممي أن مثل هذه الحوادث تشدد على الحاجة الملحة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
توفيق الشنواح، صحافي يمني