أنتصرت الحرب لا نحن
كيف نستوعب ما لا يستوعب.. كيف نستوعب قولا على قول"من قتل رجلا هو مجرما، ومن قتل الآلاف هو بطلا"..
كان يجب طرح هذا السؤال الشاخص أمامنا والماثل للعيان، بل ونجيب عليه قبل أن تنشب تلك الحرب الملعونة التي عشنا جحيمها سبع سنوات طوال، وما زلنا نعيش تفاصيل ويلاتها إلى اليوم.. هذه الحرب التي صارت بكلفة وطن، وستمتد آثارها وتبعاتها إلى ما شاء الله.
والفادح أكثر اننا لم نحاول الإجابة على هذا السؤال إلى اليوم وقد صار للحرب أمراء و"أبطال" يقلبون مفاهيم البطولة رأسا على عقب، فيما الإنسان الضحية هو أكثر من دفع وما زال يدفع الفاتورة الباهضة لهذه الحرب الكارثية.
الأكثر فداحة إننا وإلى اليوم مازلنا ندعوا لاستئنافها ولا نتعلم ولا نتعظ من هذا المهول الذي حدث.. لقد أكلت هذه الحرب أحلامنا كبيرها وصغيرها وقتلت بقايا الإنسان فينا، وفجرت في نفوسنا القبح كله!!
***
في تفصيل صغير من مشهد طويل وعريض أشار محافظ مارب سلطان العرادة إلى ثمانية عشر ألف قتيل وخمسون ألف جريح في عام واحد فقط من أعوام الحرب ومن طرف واحد من أطرافها وفي محافظة واحدة.. ولك أن تتخيل المشهد برمته.
وإذا كان هذا رقم ضحايا طرف واحد في محافظة أو أقل منها فقطعا خسائر الطرف المهاجم لا يقل عن هذا الرقم، بل وفق قواعد الحرب المعتادة تكون خسائر المهاجم ضعف خسائر المدافع، ولك أن تتخيل كم هي الخسائر البشرية من كل الأطراف في كل محافظات اليمن طيلة سبع سنوات طوال، ولم ينته الحال عند هذا الحال، بل ما زال النزيف مستمر، والحبل على الجرار، وقس على هذا وذاك.
وإذا كانت هذه اللمحة السريعة قد كشفت الخسائر البشرية المريعة لمن ينتمون إلى المقاتلين المنتمين لطرفي الحرب، فكم هم الضحايا المدنيين، وعداها المقدرات الأخرى التي تم ويتم إهدارها وإحراقها في أتون تلك الحرب الضروس؟
كم هذه الحروب عبثية وفادحة بحق شعبنا؟!! وكم ستستمر وتمتد أثارها وتبعاتها من العقود.. إنها كارثة بل كوارث مهولة ومستمرة؛ غير أن الأكثر بجاحة وفجاجة أن يدعي كل طرف من أطراف الحرب بعد كل هذا الذي حدث انه أنتصر، فيما الأكيد إن أكبر خاسر في تلك الحروب هو شعبنا، واليمن وطنا وإنسانا وحياة.
لكم أستعاد ذهني مقولة تلك المرأة التي تساءلت وهي تشاهد إحدى الحروب: بأي قدر لا يحبُّ البعض شعبه لكي يرسله إلى مثل هذه الحرب؟! إنها الحرب التي قال عنها آخر "لا أحدَ ينتصرُ في الحرب سوى الحربِ نفسِها، فهي التي تنتصرُ على الجميع." هذا ما نشاهده اليوم مليا بأم العين.. نتائجها مرعبة ونهاياتها مأساوية وكارثية.
***
استسهال القتل جعل من المجرمين الكبار أمراء حرب وأبطال أفذاذ فيما الحقيقة المرة تقول شعبنا منكوب وقد صيروه بين مطرقة وسندان..
جميعنا بتنا نبصق في البئر التي نشرب منها، ونصنع الأصنام، رغم أن المثل يقول من يصنع الأصنام لا يعبدها ولكن الحال لدينا يختلف.. نحن من نصنع الأصنام ونعبدها ليلا ونهارا، وأكثر من هذا نعبدها حية وميتة.
الإنسان بات بخسا للغاية، والقتل سهلا وباذخا، والعدالة مفقودة و السياسة تعيش بين وغد ومحتال وقاتل، والقبائل تقتتل وتحترب وتحمل ثأرها الف عام.
وطن تلاشى بقاياه وبات “أثرا بعد عين”.. صار ما بقي لنا من نظام وقانون ومواطنة شذر مذر.. جرّفوا الوعي وكرّسوا المزاعم السخيفة وتحمسوا لكل جهل وبلغوا به أوجه وحل محلها كل هذا الخراب والدمار الكبير..