
ملف "قسد" بيد الرئاسة السورية... تجنب الصدام مصلحة مشتركة
لم يصدر أي تعليق رسمي سوري حتى ظهر أمس الأربعاء على مبادرة سياسية قدمتها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وذراعها الإدارية "الإدارة الذاتية" والسياسية "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) من أجل تسوية الأوضاع في الشمال الشرقي من سورية، خاصة الملفات التي تحول حتى اللحظة دون فرض السيادة السورية الكاملة على الجانب الأغنى في الثروات الطبيعية من هذا البلد.
وأعلنت "قسد" في بيان أول من أمس الثلاثاء، أنها عقدت اجتماعاً تنسيقياً مع "مسد" و"الإدارة الذاتية"، الاثنين الماضي، مشددة على "أهمية الحوار القائم مع دمشق حتى الآن،
حيث أبدى المجتمعون حرصهم على إنجاح هذا الحوار، وضرورة إيجاد حل للجزئيات والقضايا التي يتم نقاشها للوصول إلى آلية تنفيذ مناسبة، لقضايا مثل دمج المؤسسات العسكرية والإدارية، وعودة المهجرين قسراً إلى أماكنهم الأصلية التي هُجّروا منها...إلخ، وحل جميع القضايا الخلافية الأخرى عبر الحوار".
وشدد البيان على الوصول إلى عملية وقف إطلاق النار كضرورة لا بد منها للتقدم في الحوار. ودعا الإدارة الجديدة في دمشق إلى تحمل مسؤولياتها فيما يخص ذلك.
وكان قائد "قسد" مظلوم عبدي هنأ، الاثنين الماضي، أحمد الشرع بمناسبة توليه رئاسة البلاد، معرباً عن دعمه لتعزيز التواصل بين جميع السوريين.
ودعا عبدي الشرع إلى زيارة مدن شمال شرقي سورية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الحوار والتواصل بين مختلف مكونات الشعب، مؤكداً التزام "قسد" بإخراج جميع المقاتلين غير السوريين من صفوفها، ومشدداً على أن الهدف هو تشكيل جيش سوري بهوية وطنية.
خطوة "قسد" بداية انفراج
واعتبرت الخطوة التي أقدمت عليها "قسد" ذات الطابع الكردي لجهتي القيادة والتوجيه، بداية انفراج ربما يُنهي حالة الجدل الذي احتدم بُعيد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي حول مصير هذه القوات والجهات المرتبطة بها في الجمهورية الجديدة.
وقالت مصادر حكومية مطلعة في دمشق، إن الرئاسة هي التي تتولى ملف التفاوض مع "قسد" للتوصل إلى تفاهمات حول كل الملفات المطروحة على الطاولة، خاصة مصير "قسد" والطريقة التي ستدخل من خلالها إلى المنظومة العسكرية التي تتبلور.
ولم يصدر حتى ظهر أمس الأربعاء موقف رسمي من الرئاسة السورية حيال مبادرة "قسد"، إلا أن الوقائع السياسية تشير إلى أنها تصب في توجه هذه الإدارة المعلن حول حرصها على تجنب أي صدام عسكري مع "قسد" والاستمرار في النهج السياسي القائم على التفاوض.
وقد أربك سقوط نظام الأسد حسابات "قسد" التي تتلقى دعماً من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة أميركا، حيث كانت تمارس دورها كسلطة أمر واقع في شمال شرقي سورية من دون منافس جدي.
وتراجعت هذه القوات خطوة إلى الوراء بعد أيام من سقوط الأسد من خلال اعتماد "الإدارة الذاتية" علَم البلاد الجديد لتفادي غضب الشارع في محافظات الشمال الشرقي من البلاد، والذي عبر عن فرحته بسقوط الأسد.
ولكن "قسد" وأذرعها الإدارية والسياسية عادت للحديث عن وضع مختلف للمناطق التي تقع تحت إدارتها، والتي يشكل العرب غالبية سكانها،
وطالبت بالدخول في الجيش السوري الجديد ككتلة عسكرية واحدة والاحتفاظ بسلاحها، كما عرضت تقاسماً للثروات في المنطقة، إلا أن مطالبها جُوبهت بالرفض من الإدارة الجديدة.
ويبدو أن قيادة "قسد" وجدت أن استمرار استعصاء الحل مع الحكومة السورية لن يكون لصالحها على المدى الطويل،
ولا سيما أنّ الجانب التركي، الذي يعتبر "قسد" نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني ينتظر أي تغير في الموقف الأميركي لكي ينفذ تهديده بشن عملية عسكرية ضد هذه القوات،
وهو موقف يتباين عن موقف الإدارة السورية التي ترغب في حل مسألة شرق الفرات من خلال التفاهم.
الإدارة السورية تنتظر الأفعال
وتعليقاً على المبادرة التي تقدمت بها "قسد" إلى الإدارة السورية الجديدة، رأى المحلل السياسي بسام السليمان، أنه "من المبكر الحكم على هذه المبادرة والجزم بالطريقة التي تتعامل معها الإدارة الجديدة"،
مضيفاً: أعتقد أنها تنتظر الأفعال. وأعرب عن اعتقاده أن الإدارة السورية الجديدة و"قسد" تحاولان تجنب الصدام العسكري، مرجحاً تعامل دمشق مع المبادرة بـ"إيجابية"،
مشيراً إلى أن المبادرة تتضمن بنوداً "جيدة"، مضيفاً: علينا أن ننتظر فربما تكون بصدد إظهار موقف لإرضاء داعمها (الجانب الأميركي).
من جانبه، وصف الباحث السياسي أحمد القربي ، المبادرة بـ"الإيجابية جداً مقارنة بردود فعل سابقة من قبل "قسد" بُعيد سقوط نظام الأسد وتسلم الإدارة الجديدة مقاليد الأمور في دمشق".
وأضاف: كانت ردود الأفعال سلبية حيال تعيين أحمد الشرع رئيساً للبلاد وتعيين اللجنة المكلفة بالتحضير للمؤتمر الوطني. واعتبر أن قبول قيادة "قسد" بالقيادة الجديدة وتوجيه الدعوة للشرع لزيارة شمال شرقي سورية تحريك للمياه الراكدة.
وقال: أعتقد أن الرد سيكون إيجابياً من دمشق، ولكن هل ستنفذ "قسد" ما ألزمت نفسها به، خاصة إخراج المقاتلين الأجانب المنضوين في صفوفها من سورية؟
وأشار إلى أن المبادرة التي قدمتها "تتضمن الكثير من مطالب الإدارة الجديدة لحسم ملف الشمال الشرقي من البلاد"، معرباً عن اعتقاده أن هذه الإدارة لن تُبقي الكرة في ملعبها، بل ستقبل بهذه المبادرة وتطلب من "قسد" تنفيذ ما ورد فيها.
لكن الباحث السياسي عرابي عرابي له موقف مختلف حيال هذه المبادرة، فهو يعتقد أنها "تحايل وخدعة ووسيلة ضغط"،
مضيفاً، لا أرى فيها أي إيجابيات حقيقية. وتابع: هذه المبادرة بمثابة ذر للرماد في العيون، ودفع الحكومة في دمشق لتقديم تنازلات مقابل التنازلات التي قدمتها.
وعلى حد تعبيره، فإن "قسد" أصرت خلال جولات التفاوض على بقائها كتلة واحدة في الجيش الجديد، وهو من أهم أهدافها.
ورأى أن المبادرة "ليست حقيقية، بل طريقة تفاوض لتسويق نفسها أمام الغرب على أنها الطرف الذي يقدم المبادرات"،
مضيفاً: تريد "قسد" إلقاء اللوم على الحكومة السورية، بينما في الواقع هي الجهة التي ترفض ما تطلبه هذه الحكومة التي باتت تمثل الدولة في سورية من دمج هذه القوات في الجيش وتسليم المناطق التي تسيطر عليها.